همزة وصل

همزة وصل

صرخة تدمر

نظام مارديني

هي خطة ممنهجة تتّبعها الجماعات الإرهابية إزاء حضارة الهلال السوري الخصيب، سرقةً أو تدميراً، وكانت بداياتها باحتلال العراق وسرقة متاحفه. وتدمير متحف الموصل شكّل ذروة هذا الارهاب الوهابي، الذي استكمل خطته في سورية من خلال مؤامرة كونية جمعت كل شذاذ الآفاق على أرضها بهدف محو اسم سورية من ذاكرة البشرية، وهي التي قال عنها أبو المؤرخين في العالم أرنولد توينبي كل انسان له وطنان، مسقط رأسه وسورية .

بالأمس، اطلق مدير المتاحف السوري مأمون عبد الكريم صرخة، ودق ناقوس الخطر، مطالباً المجتمع الدولي بحماية آثار تدمر قبل فوات الآوان، كما في الموصل ، وهو يراها تقتل بأيدي أولائك الذين رسموا مصائر شخصياتهم منذ زمن بن تيمية وحتى مؤسس الوهابية، محمد بن عبد الوهاب ألم يقل لقد جئتكم بدين جديد وغلمانه من الدواعش والنصرة، ومن كل أولئك المتعصّبين المتشّربين بعقائد إجرام يظنون أنها الوحيدة الصحيحة، فيقاتلون ويُقتلون حتى الموت من أجلها.

إن لم نسمع صرخة تدمر، فسيتحوّل ذلك المكان المرتّب بعناية إلى فضاء للجريمة، وهي التي تقتضي أن يُرتبها منفذوها بعناية كي تنجح. مرّةً أولى، جريمةٌ في حق ذاكرة البشرية، وثانيةٌ في حق الروح البشرية ذاتها.

عملية التكرار هذه، وكأنها تشير إلى أن الوهابية تريد أن تجعل من سجل التاريخ مكاناً لنهاية الروح، ولاعادة المنطقة إلى قرون ما قبل التاريخ. أي قبل ان تكون البشرية قد بدأت تتلمس أولى خطواتها إلى النور ومن سورية الطبيعية، عبر الكتابة باللغة المسمارية، وتدوين الأساطير على الألواح الحجرية، وسنّ القوانين الاولى التي عرفت بشريعة حمو رابي، ودراسة علم الفلك ورصد النجوم، ووضع أولى المسائل الهندسية حيث صنعوا العربة، وبنوا السدود على الأنهار.

فهل يريد أن يذكرنا العقل الوهابي الداعشي وموجّهوه من آل سعود، بأن المتحف، يجب أن يؤرّخ فقط لجرائمهم، وإلى محو ذاكرة وطننا السوري المكلوم بالفوضي والدمار والاحتلال؟

وهل ننظر إلى متحف تدمر كما نظرنا إلى متحف الموصل سابقاً كشاهد على تخاذلنا بعدما تقاعسنا عن حمايته؟.

صحيح أن لهجة التطرّف تتغير من حين الى آخر، ووصوله إلى المتاحف يحمل نبرة دلالية يهودية عالية مثلما حمل اغتيال العلماء في «سوراقيا» أيضاً هذه الدلالة، بلعبة مكشوفة على الأخطار والموت، لن يوقفها استجواب الجريمة في مكان وقوعها، إنما في تتبعها في فضاءات أخرى وخنقها حتى الموت.

هكذا، بمنطقه «العقلاني» الخاص به، يقودنا الإرهاب الوهابي وموجّهوه من آل سعود إلى ضرورة أن نتكاتف لحماية متحفنا السوري التدمري، قبل ان يُدخِله هؤلاء إلى الظلمات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى