التمسّك بقهوجي ليس لحفظ ماء الوجه
روزانا رمال
لا يزال ملف التعيينات الأمنية الملف الأكثر دقة في البلاد الذي خلق سلسلة من الأجواء المتناقضة بين الحلفاء وحلفاء الحلفاء أيضاً.
فتح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الملف على مصراعيه مدافعاً عمّا يعتبره حقاً للمسيحيين وحفاظاً على القانون في ما يتعلق بالتعيينات عموماً، وتعيين قائد الجيش خصوصاً والذي لطالما أراد إبعاده عن كونه ملفاً مرتبطاً بأحد أقربائه، وسأل في مؤتمره الصحافي أمس: هل هذا يشكل خطيئة مميتة تسقط مرتكبها من الحقوق المدنية، وتمحو المسيرة البطولية الطويلة والمستمرة التي عاشها مدى حياته المهنية ولا يزال؟ وهل من أحد يستطيع أن يحدّد لنا المعايير التي تتبع في اختيار القادة والمسؤولين؟
وأكد عون إصراره على المحافظة على المؤسسة العسكرية وعدم دعمه إلا لمن يحافظ على المواقع الإدارية.
يذكّر عون أيضاً بأنّ «من الضروري أن يفهم المسؤولون أنّ الحكم له قواعده في الدساتير وما عدا ذلك هو باطل، والحكومة الحالية وجدت بتنازل منا، وماذا يبقى من داع لوجودها إذا تخلفت»؟
وإذا كان كلام عون يلمح إلى أنّ فرط عقد الحكومة ممكن أو أنه رسالة لمن يريد أن يتلقفها اليوم قبل الغد، فإنّ الأجواء المقابلة لا تشير إلى أنّ فريق 14 آذار متردّد في التمسّك بمواقفه أو حريص على عدم الوصول إلى مرحلة ينسحب فيها عون ومن يسانده من الحكومة، فتفقد شرعيتها أو ربما يظهر هامش أكبر من المناورة. فما هي حقيقة هذا الملف الذي يعرض الحكومة ومعها البلاد وربما الوضع الأمني للخطر؟ وما هي حقيقة التمسك بالعماد قهوجي قائداً للجيش حتى شهر أيلول على الرغم من إمكانية تعيين بديل عنه في حزيران المقبل بعد انتهاء ولاية اللواء ابراهيم بصبوص في قيادة قوى الأمن الداخلي فيحلّ الملفان سوياً، كما يطرح عون؟
يحال المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص مطلع حزيران على التقاعد، وبالتالي فإنه الاختبار الأول لموضوع ملف التعيينات عموماً، على الرغم من أنّ التركيز يبدو على قيادة الجيش لأنّ إحالة بصبوص على التقاعد في حزيران هي قبل إحالة قهوجي في أيلول وبينهما ثلاثة أشهر.
ما أراد العماد عون طرحه في جلسة مجلس الوزراء المخصّصة للبحث في موضوع نهاية مهلة اللواء بصبوص حيث يشغر المركز الأول ويدخل استحقاق البحث في التعيينات جدياً، هو أن يتم البتّ في تعيين كلّ القادة الأمنيين سوية، وفي الأصل فإنّ العماد جان قهوجي ممدّدة خدماته، وبالتالي يمكن في لحظة توفر البديل أن يترك موقعه.
أراد عون أن يتم تعيين بديل في حزيران عندما تنتهي ولاية بصبوص حيث يعين عماد عثمان خلفاً لبصبوص في قيادة قوى الأمن الداخلي وشامل روكز في قيادة الجيش خلفاً لقهوجي، في الجلسة نفسها لكنّ الاتجاه الذي يعمل عليه في هذا الملف في مجلس الوزراء يتمثل في عدم تعيين خلف للواء بصبوص ومن دون التمديد له أيضاً، على أن يتسلم الضابط الأعلى رتبة مهمّاته ويتم تأجيل الجلسة إلى أيلول حينها يجري اختيار إحدى الفرضيتين: إما تعيين مدير عام قوى لقوى الأمن الداخلي وقائد للجيش بالاتفاق بين الأفرقاء وفي الأطر الدستورية في الحكومة، وإما تعيين الضابط الأعلى رتبة في قيادة الجيش على غرار قوى الأمن الداخلي حينها أي تعيين الضابط الأعلى رتبة.
وفي هذا الإطار، تقول مصادر متابعة لأجواء تتصل بالتعيينات في مجلس الوزراء لـ«البناء» إنّ فريق 14 آذار يريد أن لا يصيب ماء وجه الجنرال قهوجي بأن لا يعيّن بديل عنه قبل انتهاء السنتين.
وفي المقابل، يقول مصدر في 8 آذار إنّ المشاروات تدور اليوم حول مخرج لكنّ التعيين بالوكالة لمدير عام قوى الأمن الداخلي ليس إشارة إغلاق للملف إنما التمديد له سيكون كذلك وهذا يبدو مستبعداً، وإذا تمّ التعيين بالوكالة فسيكون ذلك دليلاً على أنّ التفاهم لم ينضج بعد لكن لم يغلق الباب أمام الحلّ، ومن سيبقى بالوكالة يبقى على أكثر تقدير لأشهر.
أراد عون تمرير الملف في حزيران، لكن من الواضح أنّ فريق 14 آذار يريد إبقاء قهوجي قائداً للجيش حتى شهر أيلول المقبل، ليس لعدم التمكن من التوصل إلى اتفاق على قائد للجيش مع باقي الأفرقاء ولا لحفظ ماء الوجه بل من أجل بقاء اسم جان قهوجي مطروحاً كمرشح لرئاسة الجمهورية ومن اليوم حتى شهر أيلول المقبل، فإنّ المنطقة المقبلة على تسويات بعد التوقيع النووي الإيراني مع الغرب من العراق إلى سورية واليمن مروراً بلبنان، ستوضح حينها مستقبل البلاد ونفوذ الأفرقاء فيه، وبالتالي ليس التمسك بجان قهوجي إلا محاولة تمسك بترشيح يعرف العماد عون أنه السبب في عرقلة يراد منها قطع طريق الرئاسة عليه أولا وأخيراً، لذلك هو يريد اختبار النوايا بالإصرار على حسم التعيينات اليوم وليس غداً، ويضع كلّ أسلحته على الطاولة.