لهذه الأسباب نفذ جعجع التعليمة السعودية
روزانا رمّال
يعرف رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع أنّ لقاءه برئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون هو حدث غير عادي و تاريخي يسجل في مشهد لبنان السياسي، وهذا اللقاء هو عبارة رسالة يريد جعجع إيصالها لعون تظهر احترام زعامته المسيحية.
لطالما تعرض المسيحيون في لبنان للمساءلة عن أسباب عدم توافقهم حول استحقاقاتهم الدستورية، أكان لجهة حمايتها أو المطالبة بها، وحتى في أبعد تقدير إلى التبعية الخارجية أو الاستنجاد بالخارج لحماية حقوقهم، على غرار المرجيعات المتعدّدة عند شركائهم التي تتقاسمها السعودية وإيران في شكل واضح ومن دون تجميل.
بمعزل عن آثار الاجتماع بين عون و جعجع و تأثيره الإيجابي على الشارع المسيحي، وخصوصاً لجهة تخفيف الاحتقان التاريخي بين القاعدة الشعبية للفريقين والذي بلغ حداً تجاوز الخصومة السياسية في عدة مواضع فبلغ العداوة، وخصوصاً لما كان من تاريخ مؤلم وسيىء فرضته ممارسات الحرب الأهلية باختيار بعض زعماء ميليشيات كان بينهم سمير جعجع.
يعرف جعجع أنّ أثر ما قام به كبير إلى حدّ ما، رغم أنّ الأسئلة التي رسمها الاجتماع كثيرة و كبيرة وأبرزها: من هو الراعي الدولي أو الإقليمي لهذا اللقاء؟
سياسياً، سلك الحوار بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية مساراً طبيعياً منذ لحظاته الأولى. لم يكن معقداً و لم يشع يوماً أنّ هناك أجواءاً تشاؤمية أو تصادمية إلى حدّ لا يمكن لأحد من الأطراف أن يستكمله وكانت النوايا في التوصل إلى حلّ وإنجاحه هي نوايا مقرّرة سلفاً عكس الحوار بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل الذي أعلن عن فشله بطريقة أو بأخرى. فما الذي تغير؟
التجربة تقول إنّ التيار الوطني الحر الذي خاض تجربة الحوار مع خصمه السياسي اللدود، بل العدو السياسي التاريخي القوات اللبنانية وختمها بنجاح لا يمكن له أن يقوم بإفشال حوار يعود بالفائدة على اللبنانيين أولاً وأخيراً، وعلى الفريقين ثانياً مع تيار المستقبل من دون أن تكون هناك أصلاً نوايا بالعرقلة ويتضح اليوم أنها نوايا «المستقبل» فقط.
التساؤلات المشروعة حول نوايا إنجاح الحوار قد تجيب عنها إحدى أبرز محطات جعجع الإقليمية والتي تمثلت بزيارته السعودية حيث استقبل استقبال الزعيم المسيحي، بمعزل عن تيار المستقبل، أي من دون إشراف آل الحريري كما جرت العادة، وقد عومل جعجع حينها كحيثية سياسية مستقلة تبني علاقة طبيعية مع دولة إقليمية مهمة بتأثيرها على الشأن االسياسي اللبناني الداخلي وهي السعودية.
جعجع الذي زار السعودية في شهر كانون الثاني عام 2014 أي قبل وفاة الملك عبدالله، كان قد زارها في توقيت ملفت وبأسلوب ونفس مغايرين لواقع القوات وحجمها في أن يخصّص مثلاً المسؤولين السعوديين زيارتين له في الشهر نفسه، ما أكد أنّ شيئاً استراتيجياً ما نشأ بين الطرفين ورسم لجعجع خريطة الطريق فكان أولها تمديد للمجلس وثانيها على ما يبدو تكريسه للزعامة المسيحية في لبنان.
بخبرتها التي تفوق خبرة أي من الأطراف، تعرف السعودية أنّ هناك مصلحة كبيرة في أن توعز لجعجع بإنجاح الحوار مع عون الذي أصبحت السعودية تهتم لوصوله إلى الرئاسة أكثر من أي وقت مضى، لأسباب متعدّدة أقنعت جعجع بأنها الأسباب نفسها التي ستوصله حكماً إلى الرئاسة وهي:
أولاً: أنّ تواصل جعجع مع عون من خلال الحوار الذي جاء في شكل طبيعي ضمن سلسة حوارات في البلاد سخرت لتغطية تمرير حوار جعجع وعون وإنجاحه، فيما هي تفشل حوار تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، وحوار حزب الله و»المستقبل»، يعني أن ترتفع حظوظ عون للوصول إلى الرئاسة من دون الاحتماء فقط بحزب الله الذي يبدو الوحيد المتمسّك بحقوق عون والمطالبة بها، ما يعزز التقارب بين عون وحزب الله يوماً بعد يوم.
ثانياً: إنّ سعي السعودية إلى فكّ حزب الله عن عون من أجل فكّ التحالف بين الطرفين، والذي يعتبر في حدّ ذاته ضمانة حقيقية للبنان وتوازن مؤسساته، قادر أن يرجح دفة البلد ويغير طابعه وهو حلف مؤثر إقليمياً قبل أن يكون داخلياً، وبالتالي فإنّ جذب عون وفكّ ارتباطه بحزب الله لإضعاف الحزب داخلياً هو حتماً مكسب سعودي استراتيجي.
ثالثاً: أكدت السعودية لجعجع وأقنعته بأنه لا يمكن له أن يفكر أبداً بحظوظه في الرئاسة إذا لم يستطع أحد من الأقطاب المسيحيين تبوؤها، الحلّ الوسطي سيكون دائماً حاضراً في اختيار الرئيس في لبنان وبالتالي إذا أراد جعجع أن يكون زعيماً مسيحياً فإنّ عليه أن يتصرف بكبر ورفعة ليؤسس استراتيجياً لمكانته في مرحلة لم يتضح حتى الآن حجم دور عون فيها، وبالتالي فإنّ تمرير جعجع موضوع الرئاسة العونية هو نوع من أنواع التأسيس لزعامته المستقبلية مسيحياً.