حرب الهوية: بين القنيطرة ودرعا والسويداء شعب واحد
تامر يوسف بلبيسي
تابع المغتربون السوريون أحوال الوطن خلال الأسبوعين الماضيين والأحداث الكبرى التي شهدتها محافظات الجنوب، خصوصاً ما جرى في محافظة السويداء ثم محافظة القنيطرة والخاتمة ما شهدته محافظة درعا.
لقد تعرّضت السويداء بأهلها وشبابها ومشايخها الأجلاء لامتحان قاسٍ إثر حرب نفسية مركزة بدأت مع مجزرة قلب لوزة في ريف إدلب، والتي تبعها فوراً عمل دولي وإقليمي لا يمكن للمواطن أن يشك لحظة في أنه مصنّع ومبرمج خصيصاً لإخضاعه لعملية غسل دماغ، بل كان طبيعياً أنّ المواطن سيحمله على محمل الجدّ كعمل سياسي وعسكري ذي أهمية خاصة، فعندما يصل رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي إلى المنطقة في زيارة خاطفة يلتقي فيها المسؤولين «الإسرائيليين»، ولا يتحدّث إلا عن خطر مجازر بحق أبناء السويداء ويبدي الاستعداد لتسليحهم، لا يمكن تصوّر شيء آخر غير مجازر جدية ومشروع جدي للتسليح، وعندما تصدر تصريحات من قيادات لبنانية يفترض أنها على صلة تتيح لها الحديث عن السويداء، وتتحدّث عن خطر المجازر وتقدّم عرضاً بالحصول على ضمانات بمنع حدوثها، في مقابل حياد المحافظة وترجمته أن يطلب أهالي السويداء وشيوخها من قيادة الجيش العربي السوري سحب وحداته من المحافظة، وعندما يقرّر أهالي السويداء الردّ على كلّ هذا، وخصوصاً ما ورد من وراء الحدود من دعوات للحياد بإعلان التمسك بالهوية العربية السورية، والوقوف وراء الجيش، ويندفع ألوف شباب السويداء للانضمام إلى صفوف الجيش، وتقع المواجهات التي عرفها مطار الثعلة وجواره وتنتهي بنصر للجيش والأهالي، يكون الوطن قد تخطى محنة كبرى، وتثبّت درع وحدته وتكرّس موقف شعبه كشعب أصيل له هوية واحدة.
خلال أيام كانت بلدة حضر في محافظة القنيطرة تتعرّض لهجوم إرهابي مركز يستهدف إسقاطها، وسبقته التهديدات بالمجازر، وقف شباب حضر مع جيشهم وقاتلوا واستبسلوا وكانت النتيجة مرة أخرى النصر وتثبيت الهوية الواحدة، هوية الشعب وتمسكه بالجيش العربي السوري عنواناً لهذه الهوية.
توّجت الاختبارات القاسية جنوب سورية بالهجوم الكبير الذي تعرّضت له مدينة درعا لأيام متتالية، وظهر عندها الهدف من كلّ ما جرى حول السويداء وفي القنيطرة تجاه بلدة حضر، فكلّ شيء كان لقطع ظهر الجيش وخلفيته المساندة في السويداء وإرباك اطمئنانه لهذا الظهير والمسند، وفي المقابل الإيحاء بهجوم يستهدف دمشق لجهة الغرب من خط القنيطرة لتشتيت قوى الجيش تمهيداً للهجوم الذي استهدف درعا، وجاءت النتيجة أنّ الجيش صمد وقاتل ودافع وانتصر،
انتصار درعا جاء تتويجاً لصمود السويداء ومشايخها الأجلاء ووجهائها وأهلها، وتتويجاً لصمود شباب حضر، وتمسك السوريين هنا وهناك بالهوية العربية السورية والجيش العربي السوري، وانتصار درعا جاء ثمرة لهوية عربية سورية للجيش والشعب تعلو على العناوين التي يُراد للسوريين اتخاذها هويات بديلة.
نجحت سورية في امتحان الجنوب ونجح شعبها وجيشها، وانتصرت الهوية العربية السورية على الهويات البديلة، التي تفكك ويضيع معها المصير.
مستقبل بلدنا سورية نعرفه نحن المغتربين السوريين من تماسكنا في الاغتراب حول هويتنا الواحدة وجيشنا الواحد، ويحقق فرحنا ويزيد ثقتنا ما نراه في الوطن من تمسك بهذه الهوية وتماسك حولها، كعلامة على قرب الخلاص بعد السنوات القاسية التي مرّت على سورية، والأحداث العاصفة التي أصابتها، وقد تعلمنا الدرس أنّ عُصمتنا هي بهويتنا الموحدة وسقوطنا بسقوطها، وأنّ الحروب تحسم في العقول والقلوب، وعندما تهتزّ عقول وقلوب السوريين حول هويتهم يسقط الوطن وتخسر سورية الحرب ويخسرها السوريون.
الحرب بدأت على السوريين في الجنوب باستهداف هويتهم وتقترب من النهاية في الجنوب بتكريس هذه الهوية.
مغترب عربي سوري في الكويت
رئيس مجلس إدارة قناة «زنوبيا» الفضائية