آخر الكلام
علي البقاعي
كانوا جميعاً على موعد مع التاريخ، بطوائفهم ومذاهبهم ومناطقهم وعشائرهم، من حوران والغوطتين والسهل والجبل والأرياف والساحل والبادية. مثل السيل الجارف اندفعوا رجالاً ونساءً بلهجاتهم ولكناتهم وألوان عيونهم وألوان بشراتهم، بأمييهم ومثقفيهم، بعمالهم وطلابهم، بنظامييهم وفوضوييهم.
مئات ألوف السوريين زحفوا بعنفوان كبير إلى سفارة بلادهم في اليرزة، قائلين نعم لسورية الممانعة، حليفة المقاومة ونصيرة شعب فلسطين. نعم لسورية التي تحمل الراية القومية، سورية سيف العرب وترسهم والحامية الحقيقية للغة الضاد، شاهرين كلمة الحق في وجه الهجمة الهمجية الحاقدة باسم «الحرية» و»الديمقراطية» اللتين بشّر بهما جهابذة 14 آذار الثوريون، هاتفين بصوت واحد هذه سورية التي نريد وطناً لجميع السوريين يحميها رجال أشاوس هم حماة ديارها ويقودها رجل مؤمن بحقها في الوجود متسلحاً بإرادة شعب لا يقهر آمن في كل لحظة من حياته بحتمية الانتصار على أعتى مؤامرة ضدّ أمة في التاريخ.
إلى اليرزة قدموا متجاوزين مآسيهم ومعاناتهم بسبب التهجير القسري على أيدي «مثقفي» ألوية «داعش» و»النصرة»، أصدقاء «ثوار الأرز»، رافضين «ديمقراطية» آل سعود، مبرهنين أن الشعب السوري لا يريد «ثورة» فيلسوفها فارس سعيد، والمتحدث باسمها سعود الفيصل، ويحركها محمد زهير الصديق، ورئيسها عميل سعودي ذليل بلا تاريخ اسمه أحمد الجربا، وكتّابها بعض الرداحين والمهرجين والقوالين والردادين تصدح السنتهم بالكلام وتجود أقلامهم بالكتابة فيقبضون البدل بالدولار أو الريال بناءً على عدد الكلمات التي يستخدمونها في شتم سورية.
المشهد كان صادماً لفرسان الرابع عشر من آذار الذين أظهروا كل ما عندهم من عنصرية حاقدة ضد كل ما هو سوري بمجرد أن أعلن السوريون، الذين لم تتجاوز نسبتهم أكثر من 5 في المئة من الموجودين في لبنان بحسب خبراء «المستقبل»، خيار الولاء لوطنهم بحرية تامة في عملية ديمقراطية كان فلاسفة «ثورة الأرز» يتشدقون بها حتى قبل يومين فحسب.
فجأة أعلن هؤلاء حرباً عنصرية قذرة على الشعب الذي «ناصروه» و»آزروه» و»استماتوا في الدفاع عن حقه في الحرية والحياة الكريمة» فتحول السوريون عند منتصف يوم الثامن والعشرين من حزيران من ضحايا مضطهدين ومظلومين ومنكوبين ومقهورين إلى عناصر استخبارات وقوات احتلال ودخلاء ولصوص وقتلة ومنافقين واستغلاليين لا تنطبق عليهم صفة النازحين إذ اختاروا جيش سورية على «داعشييها».
ماذا حصل؟! ألانّ السوريين انحازوا لوطنهم بعدما انكشفت المؤامرة التي يشارك فيها هؤلاء والذين وصلت الوقاحة بإحدى مثقفاتهم التي تحمل شهادة دكتوراه في العنصرية، الإعلامية مي شدياق، إلى وصف السوريين بالمحتلين مطالبةً بقرار دولي على شاكلة 1559 لطردهم من لبنان؟! وتصل الحقارة بالدخيل على الصحافة نديم قطيش إلى المفاخرة بعنصريته على شاشة تلفزيون الحقد، «المستقبل»، منادياً بترحيل السوريين الذين رفضوا الديمقراطية «الآذارية/الداعشية»، ولا داعي إلى تكرار اللغة العنصرية التي تحدث بها المتحدث باسمهم، السياسي الفاشل إدي أبي اللمع.
لنديم ومي وفارس وعقاب وعاصم وإدي أقول إنّ السوريين توافدوا إلى سفارة بلادهم التي استمتم لاستحداثها في لبنان، بملء إرادتهم، ليمنحوا الرئيس الأسد مختارين تفويضاً لسنوات كثيرة مقبلة كي يقود عملية البناء والإعمار في بلادهم، وهم سيعودون إلى مدنهم وقراهم التي هُجروا منها بعد أن يُهزم مشروع أصدقائكم وأسيادكم في سورية ويعود إرهابيّوهم الذين تحبون وجوههم، مُحمّلين على نعوش بلا أسماء، إذ لن تجد من يتبناها بعد أن يتخلى عنهم من موّلهم ودرّبهم ورعاهم وأرسلهم إلى سورية ليموتوا فيها.
أبشّركم، إن غيظكم سيزداد، وغضبكم سيتفاقم، وعنصريتكم ستظهر على حقيقتها في نهاية يوم الثالث من حزيران، عندما تشاهدون على شاشات تلفزيوناتكم التي نادت بـ»الحرية» و»الديمقراطية» للشعب السوري، ملايين من هذا الشعب العظيم يكملون ما بدأه إخوانهم في لبنان وبلاد الانتشار، معبّرين عمّا سيسميه العالم «الخيار السوري»، محقّقين ما كان الرئيس الأسد ينادي به على مدى سنوات الأزمة من أن شعب سورية هو صاحب الكلمة الفصل في تقرير مصيرها.
خاتمة: القائد الحر المؤمن بحق أمته في الحياة يستحق اختيار شعبه له ليكون قائده نحو المجد والعزة، أما «العبد الذليل»، كما يقول الزعيم أنطون سعاده، «فلا يمكنه أن يمثل أمة حرة لأنّه يذلّها».