سبعون عاماً ولا يزال قاصراً…
روزانا رمّال
لا يمكن النظر إلى عيد الجيش اللبناني من ناحية طوباوية في ظروف صعبة ودقيقة تمرّ بها المؤسسة العسكرية. يعرف اللبنانيون جميعاً أنّ تلك المؤسسة هي الجهة الضامنة الوحيدة المتبقية لهم، لكنها الجهة الأكثر عرضة للمخاطر في هذه الأيام لعدة أسباب بينها التجاذبات السياسية وعدم الاتفاق على تعيين قائد للجيش.
يختزل عدم الاتفاق على تعيين القائد الخلافات السياسية القائمة بين اللبنانيين ويحكي الوضع الملتبس لناحية إقرار الجميع بأنّ الجيش اللبناني هو الضامن الوحيد من جهة، وبين الحصص والحسابات الضيقة، بإطار التحدي الذي يلازم كلّ السياسيين من جهة أخرى، وبالنتيجة لا ترفع عن الخلافات عند الاستحقاقات الوطنية.
بالتأكيد، لا يختزل الحديث عن المؤسسة العسكرية وحدها قائد الجيش المختلف عليه عادة بحساب فئوي بحت، إنما أوضاع باقي ضباطه وعناصره ومجمل الوضع اللوجستي والحيوي، فالخلاف ينسحب على تعيين رئيس أركان جديد كواحد من الأزمات، وعلى ما يبدو سيتم التمديد لرئيس الأركان الحالي وليد سلمان، حسب معلومات عن قرار وزير الدفاع اللبناني سمير مقبل مساء الخميس المقبل في حال لم يتم صدور قرار في هذا الشأن عن مجلس الوزراء، رغم اعتراض رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون.
هذه الأجواء التي تعايشت معها المؤسسة العسكرية، تأتي في ظلّ مخاطر شديدة الجدية تعصف بواقع مجمل الجيوش العربية فمخطط تقسيمها وتفتيتها بدأ منذ اجتياح العراق عام 2003 واستمر حتى بداية «الربيع العربي» عام 2011. هذا الحال طال الجيش السوري والجيش الليبي والمصري واليوم يتعرض الجيش الجزائري للمخاطر نفسها، والأصل في كلّ هذا كان اللعب على الوتر الطائفي في كلّ الجيوش العربية، في وقت تعرف القيادات اللبنانية جميعها أنّ اللعب على هذا الخط هو هدف «إسرائيلي» تكفيري بحت، وقد سعت التنظيمات الإرهابية مراراً إلى كسب جولات تحت عنوانه، فكان أن خطفت منذ عام عناصر أمنية لبنانية، من الجيش وقوى الأمن الداخلي.
كان خطف هؤلاء العسكريين أحد أبرز محاولات التكفيريين لتفكيك الجيش اللبناني طائفياً وبثّ الفرقة بين صفوفه، وكانت بعض الشرائط المصورة التي بثتها تلك التنظيمات تطلب من قادة سياسيين وقف التدخل في الجيش اللبناني وأخذه إلى القتال بجانبه والمقصود حزب الله.
كلّ هذه المخاطر على مرأى ومسمع القيادات اللبنانية أجمع، وفي عيده السبعين يقف هذا الجيش عاجزاً وقاصراً أمام توحيدهم أولاً والتوحّد من أجله ثانياً، وإبعاده عن الخلافات التي تحدق به في ظلّ المخاطر التي تتهدّده في جرود عرسال من جهة، وعند أي اشتباك مع العدو «الإسرائيلي».
سبعون عاماً والجيش اللبناني لا يزال قاصراً، فهو لا يستطيع التقدم نحو الدفاع عن لبنان أمام الاعتداءات «الإسرائيلية» الكبرى أي الحروب التي تشنّها على لبنان لأنه لا يملك بعد 70 سنة من الاستقلال سلاحاً ثقيلاً ومتطوراً قادراً على ذلك، فهو لا يمتلك الطائرات الحربية الملائمة لهجمات عسكرية حتى أنّه في عمليات مخيم نهر البارد عام 2007 المعركة التي سقط فيها عدد كبير من الشهداء والجرحى، استعان بالجيش السوري لتنفيذ ضربات جوية لأنّ الحرب على الإرهابيين حينها تعدت الستة أشهر بحيث لم يعد الجيش اللبناني قادراً على الاستمرار فاستعان بإمداد خارجي.
لم يشعر الجيش اللبناني حتى الساعة بمصداقية الدول المانحة التي أعلنت أنها تريد تزويده بسلاح حقيقي قادر على الدفاع عن لبنان لا سلاح شوارع، وهو الذي بات بالنسبة إلى كثر جيشاً يقوم بعمل «الدركي» في هذا البلد، فهو بات جيشاً يصدّ الشغب في الداخل بدل أن تكون مهمّاته دفاعية تجاه المخاطر المقبلة من خارج البلاد، فبات الجيش جيش صدّ تظاهرات وليس جيشا محكم القدرات والمهمّات.
سبعون عاماً، ولا يزال الجيش اللبناني قاصراً، لا يعترف العالم بضرورة امتلاكه سلاحاً ثقيلاً من أجل ضمان الارتياح والأمان عند الجانب «الإسرائيلي» الذي لا يرضى بهذا الجيش القوي أن يكون أحد أعمدة البلاد وأركانه. وإذا كانت المشاكل التي يعاني منها الجيش اللبناني كثيرة فإنها بالتأكيد ناجمة بمعظمها عن الكيدية في التعاطي مع ملفاته من مختلف القيادات السياسية، لا سيما في موضوع تسليحه ويفيد هنا ذكر العروض الإيرانية المتعدّدة بالتعاون مع الجيش اللبناني والعمل على تسليحه سلاحاً قادراً على صدّ هجمات العدو «الإسرائيلي» وغير «الإسرائيلي» وذلك من دون مقابل إلا أنّ ذلك قوبل بالرفض لحسابات ضيقة.
سبعون عاماً، ولا يزال عناصر الجيش اللبناني وضباطه يتعرضون للقتل على يد الغدر المدعوم سياسياً وأمنياً من دون محاسبة أو تنفيذ حكم الإعدام في حقّ المعتدي وكان آخرهم الضابط الشهيد ربيع كحيل فماذا بعد؟
سبعون عاماً ولا يزال الجيش اللبناني قاصراً بسبب الطاقم السياسي الكريه في البلاد ولا يمكن التخفي أمام الحقائق المريرة، سبعين عاماً اخرى وقد أكدت أنّ وحدة كامل ذلك الطاقم من دون استثناء على الجيش وليس معه.