إيران دولة العتبة النووية ومجمّع سوريك وديمونا – 1
المحامي محمد احمد الروسان
قلنا مراراً وتكراراً أنّ الولاء للولايات المتحدة الأميركية، أخطر من معاداتها، فالعداء لها له مخاطره، والتحالف معها يقترن دائماً وأبداً بالمصائب والدمار، والعقل الدمشقي هو الوحيد الذي سبر غور نواة عقل أميركا وكشفه، فجاءت المقولة التالية التي تدغدغ البعض وتثير أضغان البعض الآخر: هناك ثلاثة أسرار في عمق تاريخ البشرية: الله، ثم المرأة، ثم سياسة دمشق، لا أحد يعرف كيف تفكر دمشق؟ إنّ سياسة دمشق بالنسبة إلى الغرب هي لغز.
اتفاق نووي مع إيران عبر السداسية الدولية، عودة العلاقات الأميركية مع كوبا، تفعيل الأدوات الاقتصادية والاستخبارية لواشنطن في دول أميركا اللاتينية، وإيصال القتلة الاقتصاديين إلى مراكز اتخاذ القرار وتنفيذه في تلك الساحات، كلّ ذلك يقود إلى حالة من الدفع التاريخي الحادّ السائدة في العالم هذا الأوان، سأحاول أن أجمع وأكثف وأحلل في حويصل كمّاً من المعلومات لأخرج بمشهد آخر، أنّ الهدف من الاتفاق هو تفجير إيران من الداخل، فنحن لا ننجّم ولا نقتحم علم المستقبليات الذي يعتمد نظريات فلسفة التاريخ، عندما نبحث شكل العالم المقبل بعد ضمّ القرم، وبعد عودة العلاقات مع كوبا، واتفاق فيينا مع إيران، فنحن أمام يالطا جديدة أنهت يالطا القديمة.
وبين حالات الخلع الاستراتيجي ومحفزاته وتراكيبه في المنطقة ومن المنطقة، والإرباكات الأميركية المقصودة للشرق الأوسط لغايات هيكلة وهندرة الوجود الولاياتي لهذا النفوذ، وبسبب الاتفاق النووي مع طهران فعّلت دولة الكيان الصهيوني أدواتها في دواخل آسيا الوسطى وخاصةً في دولة أذربيجان، والأخيرة كونها تعتبر النقطة الجيواستراتيجية الأكثر أهمية في منطقة أوراسيا قلب العالم القديم، وتمثل بوابة السيطرة على منطقة حوض بحر قزوين بحر الخزر بالتسمية الإيرانية الغني بالموارد النفطية والغاز الطبيعي، وعن طريق أذربيجان يمكن بسهولة تهديد منطقة قلب الدولة الحيوي في إيران، وذلك لقربها الشديد من العاصمة طهران، والمناطق الإيرانية الفائقة الأهمية والحساسية، إضافة إلى وجود حجم ليس بالقليل لما يعرف بـ الأقلية الأذربيجانية الموجودة في شمال إيران، وتتميّز بمشاعر عداء قوية إزاء المجتمع الإيراني، وتنشط داخلها حالياً بعض الحركات الانفصالية التي تطالب بالانفصال عن إيران والانضمام لأذربيجان، وذلك بدعم المحور الأميركي الغربي «الإسرائيلي» البعض العربي، ولأنّ أذربيجان تشكل نقطة تموضع كقاعدة يمكن منها تهديد المنشآت الروسية في مناطق منابع النفط الروسي، ومحطات الطاقة الكهرومائية الروسية، وأيضاً منطقة جنوب غرب روسيا التي تتمركز فيها الأنشطة الصناعية الروسية، ولأنّ أذربيجان تشكل بطريقة أو بأخرى محطة لدعم الحركات المسلحة في آسيا الوسطى ومنطقة القفقاس، وبالتالي فإنّ دعم هذه الحركات عن طريق باكو من الممكن أن يؤدي إلى المزيد من القلاقل في هاتين المنطقتين.
وكل الأحداث الإقليمية مترابطة، وكل حدث محلي هو بالضرورة وبالتبعات إقليمي ودولي أيضاً، ويذهب الكثير من المتابعين إلى أنّ اتفاق السداسية الدولية مع طهران، يحمل من المؤشرات والدلالات ما يتجاوز فكرة النووي الإيراني، إلى مرحلة تؤسس لعهد جديد في المنطقة في الترتيبات الإقليمية متضمنّاً اعترافاً صريحاً بمدى النفوذ الإيراني، لذلك نرى محاولات ذات مخاضات مزمنة غير مكتملة، لتشكل تحالفا إقليميا تركيا سعوديا مصريا قطريا بامتدادات باكستانية، لبناء طوق صلب حول إيران يحيط بها من الجهات الأربع بمحيط متجانس مذهبيّاً إلى حدّ ما، لتحقيق نوع من التوازنات بمفهومها الشامل أو ليكون بمثابة حصان طروادة للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، وفي ظلّ استمرار التحالف الأميركي مع الإسلام السياسي في المنطقة وعبر نيولوك جديد، وخاصةً في حال تطويع وتأطير تنظيمات «الإخوان المسلمين»، في إطار قريب جداً من نموذج حزب العدالة والتنمية التركي، المُراد تسيّده وأدلجته في المنطقة، وهذا من شأنه أن يجعل تنظيم «الإخوان المسلمين» بهويات وطنية كلّ في ساحته وهويته وظروفه، إنْ حدث هذا السابق ذكره مع واشنطن دي سي تصبح أيّ تنازلات إيرانية نووية في الاتفاق إياه، مسألة تفصيلية غير ذات صلة المهم تأمين الحد الأدنى من حاجات إيران النووية .
«إسرائيل»: الخطر علينا وجوديّ
تساؤلات عديدة على شاكلة التالي: هل تكيّفت العاصمة الأميركية واشنطن دي سي مع القنبلة النووية الإيرانية، كما فعلت في الماضي القريب مع الباكستان والهند، وفي ظلّ معطى استراتيجي يتموضع في أنّ أميركا تعتبر البرنامج النووي الإيراني تهديداً استراتيجيا،ً في حين أنّ «إسرائيل» تعتبره تهديداً وجوديّاً؟ هل صار البلدربيرغ الأميركي يؤمن بحقيقة أنّ إيران دولة إقليمية حقيقية عقلانية ذات مجال حيوي تبني سلوكها على الربح والخسارة، وبالتالي لا بدّ من التعايش مع إيران نووية كخصم قوي؟ هل مشكلة وعقدة واشنطن مع إيران في مفاصل تقنية البرنامج النووي، أم في سلوك إيران ونفوذها الإقليمي؟
وهل الاتفاق النووي يعني تغيّراً في الاستراتيجيات أم في التكتيك؟ أم أنّه تغيّر في أهداف ومنحنيات السياسة الأميركية في جلّ المنطقة؟ ويعني تراجعا أميركي من مستوى تغيّر سلوك إيران وتقليص مساحات نفوذها، إلى العمل على احتوائه، ويعني التسليم بنفوذ إيراني ومحاولة رسم إطار له، إطاراً جغرافيّاً للنفوذ العسكري الإيراني وامتداداته الميدانية عبر الأنصار والحلفاء في المنطقة، حيث إيران وضعت كلّ بيضها خارج السلّة الأميركية فنجا من الكسر، بينما العرب ومع كلّ أسف وضعوا كلّ بيضهم فيها وأزيَد من بيضهم، لهذا سينكسر جلّه وسيزحفون على بطونهم، فالعراق بالنسبة إلى إيران جزء من أمنها القومي، وسورية بالنسبة إلى حزب الله عمق استراتيجي، واللغة الديبلوماسية غير اللغة الاستخبارية المواتية، ولا حليف لأميركا سوى نفسها، والمشهد صار سورياليّاً، وانْ قام بعض العرب بزيارة إيران، فهي زيارة الضعيف للقوي، هكذا المعادلات تقول وتتحدّث وفي علم الرياضيات السياسية التي لا تجامل أحداً، وهذا أجمل شيء في لغة الرياضيات السياسية الرقمية، والتي تتساوق مع منطق الأمور، حيث لا مكان للعواطف والمشاعر والرغبات والأمنيات والهوبرة، في ثناياها وتمفصلاتها وتحوصلاتها، في أصل جذورها التربيعية والتكعيبية، إنّها الرياضيات العقلية لغة الأرقام ولغة المنطق.
انعكاس لصمود سورية
في المنظور الإسرائيلي الصهيوني لاتفاق إيران النووي بأنّه عمليّاً: هو نتاج صمود الدولة الوطنية السورية وتماسك جيشها وأجهزتها الأمنية ومؤسسات القطاع العام، وفي المجمل صمود النسق السياسي السوري. «إسرائيل» الصهيونية ترى في مفاعيل وتفاعلات جنيف إيران الموقت حتّى اللحظة، يعني الاعتراف بإيران دولة إقليمية لها نفوذها ومجالها الحيوي في جلّ منطقة الشرق الأوسط، وبحق إيران في تخصيب اليورانيوم كعملية تقنية فنيّه نووية وبعيداً عن نسبة التخصيب، ويعني ضخ المزيد من الأموال المجمّدة، وهذا يقود إلى تحسين الاقتصاد الإيراني، وبالتالي تحسّن وانتعاش الاقتصاد السوري المأزوم نتيجة المسألة السورية.
ويعني تخفيض نسبة البطالة في إيران بشكل ملموس، وتخفيض نسبة التضخم المالي، واستعادة العملة الإيرانية لما فقدته من قيمتها، وبالنتيجة إحياءات متصاعدة لدورة الاقتصاد الإيراني. وفي ذات السياق العام ترى «إسرائيل» الصهيونية، أنّ جنيف إيران ما زال غامضاً ويحتاج إلى مزيد من الإيضاحات والكشف عن مفاصل المعلومات، وصحيح أنّ إيران لم تتنازل عن حقها في التخصيب.
من جانب حذر، تنظر «إسرائيل» الصهيونية إلى اتفاق إيران كحدث سياسي، قد يقود إلى حالة استراتيجية من العلاقات المختلفة مع العاصمة الأميركية واشنطن دي سي، ومن جانب آخر كنتيجة مفعّلة سوف يقود إلى التقليل من الرقعة الجيواستراتيجية، التي تسيطر عليها روسيّا والصين في منطقة الخليج، وقد يقود هذا إلى إحياء عودة النفوذ الأميركي إلى آسيا الوسطى عبر إيران، ويقود إلى تراجع تركيا وتمايز في علاقاتها مع واشنطن. ولكن «إسرائيل» الصهيونية تحاول إخفاء ابتسامة هنا: أنّ جنيف إيران سوف يؤسّس إلى تغيّر تدريجي في نواة المجتمع الإيراني عبر الطبقة الوسطى الإيرانية، واستعادة الأخيرة لديناميكياتها بسبب تحسّن الاقتصاد الإيراني، كونها الطبقة التي يمكن الرهان عليها في إحداث التغيير المنشود والمأمول أميركيّاً وغربيّاً وصهيونيّاً، كونها طبقة لها آفاق سياسية كبيرة في إيران وهي ذات مكون بشري شاب، والطبقة الوسطى في إيران هي مصنع القيادات السياسية والثقافية والفكرية والعلمية والعسكرية والاستخبارية، بينما «إسرائيل» الصهيونية تضحك بتشف بأنّ الطبقة الوسطى في الأردن تمّ تذويبها وإلغاؤها ضمن نهج محدّد في السياسات الاقتصادية وغيرها، لتأجيل و أو إلغاء أيّ رهان سياسي عليها في التغيير مع كلّ أسف، ففي حالة اندلاع الصراع و أو التنافس لمستويات ساخنة على المدى الطويل في الداخل الأردني، فسوف تكون النتائج عنيفة بالمعنى السياسي والأمني والمورد البشري، فلا طبقة وسطى يمكن لنواة الدولة الأردنية عندها الركون إليها، لإعادة التوازن للصراع المجتمعي، أو إنْ شئت سمّه التنافس بفعل المحفزات الداخلية الديمغرافية والإقليمية، والتي يصار لتوظيفها عبر البلدربيرغ الأميركي ونواته الأممية، بعد تعثر المشروع الأميركي في سورية.
محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية
www.roussanlegal.0pi.com
mohd ahamd2003 yahoo.com