أركض أيها «المهاجر»… أركض!
آلاء ملحم
لا أستطيع أن أتحمّل هذه الفكرة أكثر. عليّ أن أنفضها من رأسي على الفور، هي التي اقتحمت هواجسي بعد زيارة إحدى صديقاتي. وهي تعيش في إحدى الدول العربية الشقيقة التي لم تمسّها لعنة ثورات «الربيع»، وذلك بعدما أخذت تحدّثني بابتذالٍ مصطنع عن قطتها المدّللة والتي تنحدرُ من أصلٍ روسيّ!
تحمّلت بابتسامة ممطوطةٍ غصباً إلى الجانب الأيمن وصف ما تأكله القطّة من طعامٍ خاصٍ مستورد، وكيف تغار صديقتي على وبر قطّتها، وكيف تقضي حاجتها، وكيف… وكيف… حتى قالت: «قطّتي تملك جواز سفر وتستطيع السفر فوق المحيط الأطلسي حتى الهندي بحرّية». غاب صوت ثرثرتها فجأة، فلم أعد أسمع أيّ شيء، كنت فقط أرى كيف تحرّك شفتيها بغنج، حينما بدأتُ أفكر! أمرٌ مريع، وفاضحٌ، ويثير في نفسي الاشمئزاز… أحاول طرده بأيّ فكرة أخرى لكن من دون جدوى.
السؤال يزداد علوّاً، كيف تجرّأ هذا اللعين على أن ينهض من لحده، عليه أن يعود إلى الموت، تربّص بي على غفلة وانقضّ، التهم الخاطر وهو يهذي: «كيف يحقّ للقطّ ما لا يحقّ للإنسان السوري المعذّب؟».
لم أتوقع أن يدور في رأسي تساؤل كهذا. أعلم أنّ العالم قذر، مُلطخٌ بالدماء، ومشوّه، سخيف، متفذلك أحمق، مبتورٌ من إنسانيته وأعمى. لكنني لم أتصوّر أبداً أنه أرعن إلى هذا الحدّ، لقد تجاوز الحدود من دون أن يُسأل من أنت ولماذا؟
هذا المسخ الهارب يمثّل «حضارة» العالم أجمع، يقذف الإنسان في المخيّم ويسمّيه لاجئاً، مزّقوا هوّيته وأوراقه مسحوا معالم وجهه وقالوا له: «من أنت؟ نحن لا نراك؟ أنت لست موجوداً». يُلقى به في عرض البحر من دون طوق نجاة ليحدّد الموج مصيره.
توأم الحال فلسطينيّ أكثر خبرة ـ لاجئ من لجوء ـ وقد ينتهي به الحال في بطن الحوت، وحتى لو وصل إلى هنا وهناك، سيتحرك رمل الشاطئ تحت قدميه في تركيا، لتدفعه كوس اليونانية إلى مقدونيا ليمشي على الأقدام أياماً بمحاذاة الحدود، فيجد نفسه هارباً عبر القطار من البوليس الصربي، ليتوه بعدئذٍ بالساعات وسط في غابات هنغاريا، ومن بودابست يمسك خريطة المواقع ويحدّد بالـ«جي بي أس»، ثم يبدأ بالركض واللهاث. يتصبّب عرقاً أو يتفتّت عظمه برداً. مطاردٌ دائماً يركض دائماً، ليقع في شباك احتمالين اثنين: إما أن تؤخذ بصمته لتدابير مستقبلية تحرمه اللجوء. أو ينفذ بجلده ليعلن النجاة في فيينا «الجنة». ولذلك تساءلت: «ألا يستدعي هذا الأمر من أحد الشيوخ فتوى خاصة تفرض على الحكّام العرب أن يغطوا رؤوسهم حين تطلّ آنجيلا ميركل ـ المستشارة الألمانية ـ بخصلها الشقراء، حين فاقتهم في الجوهر رجولة، وقالت ضمناً: غنّوا غصبن عنكن بدنا نعيش!».
كاتبة من فلسطين