بوصعب أسهل… وهيئة التنسيق تنسق… وامتحان الامتحانات 24 ساعة تأجيل بري يردّ على ثنائي «جعجع ـ السنيورة» و«التربية ـ النقابات»… الأمر لي
كتب المحرر السياسي
كان تيار المستقبل فرحاً بالإنجاز وقد وجد الحليفين هيئة التنسيق النقابية ووزير التربية وجهاً لوجه وهو يتفرّج على كيف سيدمي أحدهما الآخر، ليتسنى له الاحتفال بنصر بلا كلفة أياً كان الرابح والخاسر من هذه المواجهة.
فجأة دخل المايسترو في ربع الساعة الأخير لاستنقاذ الحليفين من مواجهة مجانية لا رابح فيها والكلّ خاسر، وقال: اللعبة انتهت، وعرض الحلّ الوسط، تأجيل الامتحانات ليوم واحد يحفظ ماء وجه هيئة التنسيق النقابية ولا يهرق ماء وجه الوزير.
وساطة رئيس المجلس النيابي نجحت في التوصل إلى حلّ وسط ينقذ الامتحانات وينقذ الوزير وينقذ هيئة التنسيق ويضع تيار المستقبل كخاسر وحيد من الحلّ.
خسر تيار المستقبل الرهان على تفكك الحلف الداعم لسلسلة الرتب والرواتب، وبات الرئيس فؤاد السنيورة ليلته مغموماً، وخسر التيار رهانه على تفكك الحلف الداعم لوصول العماد ميشال عون إلى الرئاسة، فبات جعجع ليلته مكلوماً، وخسر فرصته لشيطنة صورة التيار الوطني الحر وتصويره كطرف يبيع ويشتري ولا مبادئ تحكم سياساته، لتعيد التسوية التي صيغت منتصف ليل أمس وقضت بتأجيل امتحانات الشهادة المتوسطة ليوم واحد، من دون المساس بباقي الامتحانات ومواعيدها، صورة التيار عبر وزيره كمدافع عن حقوق الفئات المظلومة في المجتمع والبحث عن تسويات معها.
تسلم بري الدفة وكان الحلّ الوسط.
المعطلون يأخذون البلاد نحو الفراغ الكامل
إذاً، اندفع فريق 14 آذار عبر كتله النيابية بقيادة رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة في تعطيل المؤسسات وإفراغها إلى أقصى الحدود، مع مقاطعته الجلسة التشريعية أمس التي كانت مخصصة لبحث وإقرار سلسلة الرتب والرواتب، وهو الأمر الذي سيأخذ البلاد نحو أزمة اجتماعية ووطنية قد تؤدي كما قال رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى اللاعودة وتحويل المؤسسات إلى جثث.
هيئة التنسيق تنقذ الامتحانات
وإذا كانت الاتصالات المسائية التي حصلت على مستويات سياسية متعددة بعد تجاوب هيئة التنسيق مع المساعي للإشراف على الامتحانات ورفضها إعطاء إفادات، أعلن وزير التربية الياس بو صعب قرابة منتصف الليل عن تأجيل الامتحانات التي كانت مقرّرة يوم غد لمدة 24 ساعة، وبذلك تكون هيئة التنسيق ومعها الوزير بو صعب والرئيس بري وعدد من القيادات السياسية قد قطعت الطريق على السنيورة وفريقه الذي أراد وضع المعلّمين والطلاب وجهاً لوجه، بل وضع وزير التربية في مواجهة صعبة مع هيئة التنسيق. وبذلك يكون قد جرى إنقاذ الامتحانات الرسمية.
ويبدو واضحاً أنّ فريق 14 آذار الذي عطّل الانتخابات الرئاسية ويتذرّع بها لتعطيل مؤسستي مجلس النواب والحكومة، أنه لا يريد السلسلة ولا إعطاء المعلّمين والموظفين والعسكريين حقوقهم، وهو ما يتضح جلياً من تنصّل نواب هذا الفريق من كل ما وافقوا عليه في عشرات الاجتماعات للجان النيابية، وذلك حماية لأصحاب الريوع العقارية والمصرفية والمتهرّبين من دفع الضرائب والمتمنّعين عن دفع نسب زهيدة من أرباحهم الخيالية. كما هو حاصل مع خاطفي الأملاك البحرية، ومع كثير من سارقي أموال الدولة والمنتفعين بالمحسوبيات والرشاوى والتلزيمات وغير ذلك من مصادر لا تُعد ولا تُحصى.
سيناريو السنيورة يطيّر المؤسسات والسلسلة
لذلك فما جرى في يوم جلسة سلسلة الرتب والرواتب أمس، ليس مجرّد خلاف على هذه السلسلة فقط، بقدر ما كان يشكّل لبّ القضية، وهي أزمة هذا النظام وخطة تعطيل الدولة ومؤسساتها.
والقطبة المخفية ـ المكشوفة كانت بتدبير وسيناريو مهندس تيار «المستقبل» فؤاد السنيورة الذي تلقّى موقف حلفائه المسيحيين في 14 آذار ليوسع دائرة التعطيل، فيطاول عمل المجلس التشريعي، على رغم اعترافه بهذا الحق قبل يوم من الجلسة، ويحوّل حكومة تمام سلام إلى حكومة تصريف أعمال ليصطاد ثلاثة عصافير بحجر واحد، وهي تعطيل المجلس وتعطيل الحكومة والقضاء على السلسلة. هكذا أرادها السنيورة وفعلها مستفيداً أيضاً من التأزم الطارئ على العلاقة بين وزير التربية وهيئة التنسيق النقابية حول الامتحانات الرسمية.
تحذيرات بري
وحيال هذا الانقلاب، كما عبّر رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمام زواره مساء أمس، كان لا بدّ لرئيس المجلس من أن يطلق رسالة تحذيرية في كلّ اتجاه، فيحذّر من تعطيل الحكومة والمجلس بحجة الشغور الرئاسي مع حرصه وتأكيده على أولوية هذا الاستحقاق ويكشف بذلك النيات والأهداف المتنوّعة للمقاطعين ومنها ضرب السلسلة ومنع إقرار موازنة جديدة موعودة وقانون جديد للانتخابات وتعطيل الانتخابات النيابية المقبلة.
هكذا كشف الرئيس بري أمام النواب في جلسة السلسلة قبل رفعها لعدم اكتمال النصاب. هذا المشهد التعطيلي الذي يشكّل خطراً على النظام بكامله، كما عبّر لاحقاً أمام زواره مساءً، فالمسألة ليست مسألة سلسلة وامتحانات كما أكد بقدر ما هي مسألة تعطيل النظام والمؤسسات.
و«الأنكى» من ذلك، فإنّ السنيورة لم يتطرّق إلى مقاطعة الجلسة خافياً نية الانقلاب على التشريع وتفخيخ مسار الحكومة لمصالح تكاد تكون شخصية، لا سيما أنّ الرئيس سلام حضر إلى المجلس وأكد للرئيس بري أنه مع التشريع، وناقش معه كيفية تحريك عمل الحكومة المعطّل. كما أنّ النائب بهية الحريري حضرت أيضاً في إشارة لافتة للتعبير عن التباين مع السنيورة في شأن التعاطي مع السلسلة.
هيئة التنسيق تصعّد
ورداً على تعطيل الجلسة التشريعية، رفعت هيئة التنسيق النقابية من تحركها التصعيدي، فنفذت اعتصاماً مفتوحاً ليلاً ـ نهاراً في وزارة التربية للحؤول دون إخراج الأسئلة من دائرة الامتحانات. وبعد ظهر أمس عقد اجتماع مطول بين الوزير بو صعب وهيئة التنسيق استمر لأكثر من ثلاث ساعات لم ينته إلى توافق نتيجة إصرار وزير التربية على إجراء الامتحانات يوم غد الخميس، على رغم أن الهيئة طلبت منه تأجيل الامتحانات لأيام عدة لأنه لا يمكن إجراؤها يوم غد لأسباب تقنية تتعلق بالتحضيرات المطلوبة لإجرائها.
وبعد اتصالات على مستويات سياسية متعددة، خصوصاً مع الرئيس بري ورئيس الحكومة والعماد عون وأطراف أخرى، عقد اجتماع ثانٍ بين الوزير بو صعب وهيئة التنسيق بحضور النائب علي بزي موفداً من الرئيس بري، ومسؤولين من الحزب السوري القومي الاجتماعي، وذلك قرابة الحادية عشرة ليلاً في وزارة التربية، وبعد قرابة الساعة، عقد الوزير بو صعب مؤتمراً صحافياً بحضور بزي وهيئة التنسيق أعلن فيه عن تأجيل الامتحانات لمدة 24 ساعة بعد أن تجاوبت الهيئة مع مطلب إشراف المعلمين على الامتحانات. وأوضح وزير التربية أنه كان يتجه إلى الإعلان عن إلغاء الامتحانات وإعطاء إفادات، لكن تجاوب الهيئة مع مطلب الإشراف على الامتحانات ولأنهم يرفضون ضرب الشهادة الرسمية، اتخذوا القرار بالإشراف على الامتحانات. لكنه أوضح أن الهيئة لن تصحح الامتحانات وتعلن النتائج إذا لم يتم إقرار السلسلة.
أما عضو هيئة التنسيق النقابية حنا غريب فأوضح أنه جرى الاتفاق مع الوزير بو صعب أنه لن يتم التصحيح ولن تصدر النتائج قبل إقرار السلسلة، موضحاً أنّ هذا القرار يؤكد حرص الهيئة على الشهادة الرسمية وعلى الطلاب، موضحاً أنّ الهيئة كما تدافع عن السلسلة تدافع عن الشهادة الرسمية وعن مستقبل الطلاب.
عدم التوافق يعطل الحكومة
على صعيد آخر، تدخل الحكومة في مشكلة جدول الأعمال والتواقيع، وستعقد جلسة لمجلس الوزراء غداً الخميس برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام في العاشرة صباحاً.
وأكد مصدر وزاري لـ»البناء» أنّ الجلسة ستناقش بنود جدول الأعمال الذي وزع منذ نحو أسبوعين، إضافة إلى استكمال البحث في آلية عمل الحكومة في ظلّ الشغور الرئاسي، متمنياً أن يحصل توافق بخصوص جدول الأعمال، لأنّ عدم التوافق من شأنه أن يعطل الحكومة ويضرب مصالح الناس على غرار مجلس النواب المشلول لأسباب سياسية.
وإذ أشار المصدر إلى أنه كان من المفترض أن تحصل اتصالات لتسهيل عمل الحكومة، لفت إلى أنّ السلسلة والامتحانات الرسمية خطفت المساعي، آملاً أن تكون النوايا حسنة وأن يتمّ الاتفاق على آلية تسهّل عمل الحكومة، مشيراً إلى أنّ الدستور أناط صلاحيات رئيس الجمهورية في ظلّ الشغور بمجلس الوزراء مجتمعاً، باستثناء نقطة واحدة لم يشر إليها والتي تعدّ ثغرة في الدستور وهي كيف نصدر المراسيم ومن يوقّعها. وأشار إلى أنّ القرار الذي يحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية يتطلب توقيع 24 وزيراً.
لا خطر على مجلس الوزراء
وأكد مصدر كتائبي لـ»البناء» أنّ هناك اتفاقاً بين القوى السياسية بالحفاظ على مؤسسة مجلس الوزراء كمؤسسة عاملة، وذلك لتسيير شؤون المواطنين بالحدّ المعقول، لافتاً إلى أن لا خطر على استمرارية عمل المجلس في ظلّ المقاطعة لمجلس النواب. وأكد المصدر أنّ سلسلة الرتب والرواتب هي فوق قدرة الدولة، ولن يكون هناك سلسلة إلا إذا كان هناك اقتصاد متماسك.
النظام السياسي يتعرّض لاهتزازات
وأكد النائب علاء الدين ترو لـ»البناء» أنّ الحكومة معطلة تحت شعار الصلاحيات، مشيراً إلى أن التعطيل في المجلس النيابي ومجلس الوزراء من شأنه أن يؤدي إلى شلل المؤسسات وتعريض البلد لمخاطر كبيرة. وتحدث ترو عن أنّ النظام السياسي يتعرّض لاهتزازات عنيفة نتيجة الفراغ الرئاسي والتعطيل، وهذا يشكل خطراً على مصير البلد.
فرنسا تدعم المجلس والحكومة
في موازاة ذلك، أكد الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية، «أن فرنسا تلتزم بالاتفاق بين اللبنانيين الذي نال دعم المجتمع الدولي». وأوضح «أنّ باريس تؤكد ضرورة مساندة المؤسسات اللبنانية والحفاظ على التوازن الذي تؤمنه هذه المؤسسات بموجب اتفاق الطائف». ولهذه الغاية زار السفير الفرنسي باتريس باولي الرئيس تمام سلام في السراي الحكومية ونقل إليه دعم بلاده للحكومة التي يرأسها.