هل تعود «ديكله» خط تماس بين أربيل والسليمانية؟
فيما تتصاعد الخلافات بين القوى والأحزاب الكردية حول دستور إقليم كردستان العراق والتجديد لولاية رئيس الإقليم مسعود البرزاني، انفجرت التظاهرات وأعمال العنف في عدد من مدن الإقليم وخصوصاً في مدن السليمانية.
وتأتي هذه الأزمة السياسية، بعد تعثر التوصل إلى اتفاق منذ نحو شهرين بشأن رئاسة الإقليم، والأزمة المالية وتوقف صرف الرواتب منذ 3 أشهر، على رأس محركات الاحتجاج في الإقليم، وليس من المتوقع أن تتوقف التظاهرات قبل أن تجد السلطات حلاً لهاتين المشكلتين.
وكانت الاحتجاجات انطلقت منذ أشهر تأخد طابعاً مختلفاً من حيث العنف والمطالب، وسط تكهنات بإمكان أن تقود إلى تقسيم الإقليم إلى «إدارتين»، إذ هاجم متظاهرون مقار للحزب الديمقراطي الكردستاني في مناطق مختلفة من محافظة السليمانية. إذ يلقي طيف واسع من المحتجين في السليمانية باللوم على الحزب الديمقراطي الكردستاني بأنه يقف وراء الأزمة السياسية والاقتصادية في الإقليم، فيما يتهم حزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الاقليم المنتهية ولايته مسعود البرزاني خصومه السياسيين بـ«التآمر عليه».
وتؤكد شخصيات كردية أن الاعتصامات والتظاهرات الساخطة التي شهدتها المناطق لم تأت نتيجة ردة فعل عارضة بل هي نتاج أزمات مالية واقتصادية متراكمة على مدى الأربعة أشهر الماضية على وجه التحديد حيث لم تتسلم قطاعات واسعة من الموظفين في كردستان رواتبهم الشهرية بسبب الأزمة المالية التي يشهدها الإقليم بحسب تصريح النائب في برلمان الإقليم وعضو الاتحاد الإسلامي الكردستاني «سهام عمر».
وكان الخطأ الأكبر الذي وقع فيه البرزاني، عندما سمح لقوات الشرطة بإغلاق قنوات فضائية في دهوك وأربيل معارضة لسياسته ورحلت العاملين فيها مع معداتهم إلى أربيل.
وقال كاوه عبد القادر، مدير مكتب «إن أر تي» في أربيل، إن «القوة الأمنية اقتادت الصحافيين، بعد أن استحوذت على أجهزة التصوير والاتصال، إلى منطقة ديكله جنوب شرقي أربيل».
وأضاف عبد القادر، الذي تعرض للضرب من قبل عناصر القوة الأمنية، إن «القوة الأمنية اجتازت نقطة التفتيش في ديكله، ووضعت الصحافيين في الطريق العام وسلمتهم معداتهم، قبل أن تبلغهم بالعودة إلى السليمانية، وأنهم ممنوعون من دخول أربيل».
وتعد منطقة «ديكله»، آخر نقطة «تاريخية» لنفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني، ليبدأ بعدها نفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني وصولاً إلى السليمانية.
وكانت «ديكله» شهدت مواجهات دموية خلال الحرب الداخلية الكردية بين الحزبين الكرديين، في تسعينات القرن الماضي، حيث سقط فيها المئات من ضحايا القتال بين الطرفين.
وتحولت «ديكله»، خلال تلك السنوات إلى «خط تماس» للنزاع بين الطرفين، وصارت المنطقة الفاصلة بين النفوذ الأصفر الديمقراطي الكردستاني والأخضر الاتحاد الوطني .
وما زاد الطين بلة أيضاً هو أزمة رئاسة الإقليم التي باتت عقدة مستعصية رغم المناقشات والمفاوضات ما بين الأحزاب الكردية الخمسة طيلة 9 جلسات ناهيك عن إيرادات النفط المصدّر أو المهرب من حقول كردستان والتي لا يعرف أحد لا كمياتها ولا إيراداتها التي تذهب الى جيوب جماعات متنفذة، أما الأكراد فلا حصة لهم سوى الحصرم!
وبحسب النائب عن كتلة التغيير الكردستانية معارضة أمين بكر فإن انطلاق التظاهرات في الإقليم أحد أسبابها المهمة هو تمسك برزاني بالسلطة، مشيراً إلى أن إصرار برزاني على تمسكه بالسلطة سيؤدي الى مزيد من التظاهرات ويؤدي الى عدم الاستقرار الأمني في الإقليم وتفتيت وحدة الصف، لكن الحزب الديمقراطي الكردستاني اتهم رئيس حركة التغيير نوشيروان مصطفى واتباعه بالوقوف وراء حرق مقار الحزب في مناطق بمحافظة السليمانية بحسب بيان للحزب الديمقراطي، ما يشير إلى أن «حرب الاتهامات» بين القوى الحزبية الرئيسية في الإقليم حضرت بقوة، وقد أدى ذلك إلى تفاقم الأمور بعد حرق عدد من مقار الحزب الديمقراطي الكردستاني وسقوط ضحايا من المتظاهراين وعناصر حزبية كانت تحرس مقارها في محافظة السليمانية.
لا شك في أن هناك حساسية تطفو على سطح الانقسامات الكردية بسبب رئاسة الإقليم، وأن حساسية المسألة بدأت تمسّ وحدة الإقليم وقد يؤدي ذلك إلى تقسيمه لا محال، وهو ما قد تسير به القوى السياسية في السليمانية التي لا ترضى أن تكون ديكوراً شكلياً للتغطية على انفرادية البرزاني في السلطة. ويقول الكاتب يوسف فرج يوسف إن « السليمانيين يشعرون بتفوق «عرقي» على النظير الاربيلي بوصف الأخير يمثل النزعات العشائرية وأساليب تصفية الحسابات مع الخصوم بغياب الحوار، والسليماني يصف الأربيلي بضيق الأفق والتصور، وأن مساحة تفكيره ضيقة جداً تقترب من السذاجة». ويضيف: «الأموال والثروة محصورة بيد حفنة برزانية محدودة الولاء له ولحكمه، والسليمانية تتجه الآن وفق المعطيات الواقعية إلى تشكيل إقليمها الخاص».
واعتبر الكاتب وليد الطائي أن «بقاء البرزاني وأبنائه في القرار الحكومي، سيجعل كردستان ساحة حرب سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية».
الخوف الذي حذر منه البرزاني هو من إعادة تقسيم الإقليم إلى «إدارتين». أي بأن يقوم هذا المشهد على اقتسام الإدارة، او بالأحرى انقسامها، بين السليمانية من جهة، وأربيل ودهوك من جهة أخرى، وأن يتم العمل بنظام الإدارتين ما يعرض وحدة الإقليم للتفكك والتقسيم. وقد خرجت الأصوات المنادية بذلك من داخل السليمانية، وكان على رأسها رئيس مجلس محافظة السليمانية هفال أبو بكر الذي هدد بجعل المحافظة إقليماً مستقلاً عن حكومة الإقليم في أربيل نظراً لما تعانيه المدينة من إقصاء وتهميش بحسب وصفه.
وسبق أن شهد إقليم كردستان حرباً أهلية بين الفصائل الكردية بين عامي 1994-1998 ، وكان أبرز فصيلين فيها، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. سقط في هذه الحرب، آلاف الضحايا الأكراد بين قتيل وجريح، وتدخلت خلالها فصائل كردية إيرانية وسورية وتركية مع جانبي الصراع.
انتهت الحرب بتوقيع هدنة ثم اتفاقية، لتقاسم مناطق النفوذ وظلت حالة الانقسام قائمة بـ «إدارتين» حتى احتلال العراق عام 2003، ونجاح المحتل الأميركي في جمع الطرفين على طاولة واحدة، واضعاً حدّاً للاقتتال الداخلي، كما وحّد الإقليم، مع احتفاظ أربيل بمركز القرار الكردي، ولأسباب لها علاقة بمصالح الولايات المتحدة.
وما عزز من هذا التوجه في الانقسام انقسام آخر ذو بعد إيديولوجي اجتماعي وهو أن «الاتحاد الوطني الكردستاني» يعد حزباً يسارياً علمانياً يمثل «الشريحة البرجوازية في المجتمع»، في حين يعد «الحزب الديمقراطي الكردستاني» حزباً ريفياً قبلياً «يمثل الإقطاع وارستقراطية القبيلة».
ويبدو أن تبني مثل هذا الطرح لا يشكل سوى ورقة ضغط على الحزب الديمقراطي الكردستاني لكي يذعن لمطالب الأحزاب الأخرى، وإلا فإن الإقليم سيدخل في دوامة الحرب الأهلية في ظل هذا الانقسام، وفي ظل وجود «إدارتين» يسعى كل منهما إلى أن يكون ممثلاً للإقليم.
وفي ضوء هذا الواقع، هناك من بدأ يكشف عن المشهد الأكثر قرباً للتوافق بين القوى السياسية بحكم المعطيات المتوافرة، بحيث سيتم البقاء على «البرزاني» رئيساً للإقليم مع سحب بعض الصلاحيات منه، وتحديد بمدة زمنية لبقائه حتى نهاية الدورة التشريعية الحالية ولا يحق له الترشح مجدداً. ولا يستبعد ضمن هذا المشهد أن يتم انتخاب الرئيس من داخل قبة البرلمان ومن الأحزاب المعارضة نفسها، إذا ما تم التوصل إلى حلول توافقية ترضي جميع الأطراف.
وأهم الأسباب التي تدفع إلى ترجيح هذا الخيار:
1ـ الهجمة الإرهابية التي يتعرض لها الإقليم من قبل تنظيم «داعش الارهابي، وبالتالي ليس من مصلحته تشتيت جبهته الداخلية بخلافات سياسية، لا سيما أن رئيس الإقليم الحالي هو نفسه القائد العام لقوات البيشمركة التي تخوض المواجهات مع «داعش».
2ـ لا تمتلك الأحزاب المعارضة مرشحاً بديلاً من البرزاني، خصوصاً أن الاتحاد الوطني الكردستاني لم يتفق على إيجاد مرشح بديل من السيد جلال الطالباني الذي أنهكه المرض.
4ـ في خضم الصراع الدائر بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم بخصوص مواضيع عدة، أهمها قوانين النفط والغاز، وتصدير النفط، وقوات البيشمركة، وصلاحيات الإقليم، فإنه ليس من مصلحة الإقليم في الوقت الحاضر إثارة إشكالات من شأنها أن تضعف وحدة الصف الداخلي، بحسب مصدر كردي.
5ـ أخيراً، وبحسب ما تم ذكره من مصادر كردية، فإن الإدارة الأميركية تضغط في إبقاء البرزاني في منصبه على الأقل حتى انتهاء الدورة التشريعية الحالية، وذلك لتجنب إثارة القلاقل الداخلية، ما يعرض مشروعها برمته للخطر.