ألم تكن أرض الشام مباركة قبل دخول الروس في المعركة؟
جمال العفلق
تباينت ردود الفعل الدولية على دخول روسيا المباشر في الحرب على الإرهاب، وكانت الأكثر انفعالاً مجموعة أعداء سورية أو المموّلين المباشرين لهذه الحرب. الولايات المتحدة تجنّبت التصادم الديبلوماسي مرة وحاولت في مرات أخرى تقديم نفسها، كما عوّدتنا عند حدوث الانعطافات الكبيرة على أنها دولة راعية للسلام وحريصة عليه، في وقت قرّر الأوروبيون قبول الوضع الجديد باستثناء الذين يطلقون على أنفسهم لقب أسياد البروتوكول والديبلوماسية، كما يعتقدون، أما العرب فطرقوا باب التنديد من بوابة الدين ودفعوا بشيوخ الفتنة من جديد إلى الواجهة ليعلنوا النفير من أجل الدفاع عن أرض الشام المباركة تلك الأرض التي ذكرها الأنبياء في وصاياهم وأحاديثهم.
شيوخ الفتنة وخلفهم أعلام الرايات السوداء هم الذين دفعوا إلينا منذ خمس سنوات تقريباً ما أمكنهم من مُرتزقة تحت شعار «الجهاد»، وقالوا حينها تحرير الأقصى يبدأ من سورية ومن ثم أضافوا اليمن عليها وبعض مناطق العراق ولكن أيّاً منهم لم يترحّم على طفل فلسطيني واحد قتلته رصاصات العدو الصهيوني الغادرة.
تسابق أهل الفتنة وأهل الإرهاب في إعلان حربهم الإعلامية على روسيا ووصفها بـ»دولة الاحتلال»، في وقت لم يأتِ الروس إلى سورية إلا بعد ما استنفدوا صبرهم وصبروا، كما صبر السوريون على كذبة أميركا وتحالفها المزعوم في محاربة «داعش»، تحالف يتحدّث يومياً عن طلعات جوية وأهداف محققة فيما النتائج مخيّبة على الأرض فسارعت تركيا إلى إعادة اسطوانة منطقة الحظر الجوي، وجاء هذا النداء القديم الجديد بعد تلقي عناصر المرتزقة ضربات موجعة تثبت جدية التحالف الروسي السوري في محاربة الإرهاب واقتلاعه من جذوره، فحاول أردوغان الاستثمار مع الأوروبيين وتسوّل عطفهم لحمايته من الإرهاب الذي صدّره إلى سورية، ومن جهة أخرى حاول التقرّب من الأوروبيين الذين جدّدوا رفضهم انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي في ردّ واضح منهم على سياسة أردوغان، وما تدهور الوضع الأمني الأخير في تركيا الا نتيجة طبيعية لسياسة أنقرة وتبنّيها للجماعات الإرهابية، بما فيها ما يسمّى ائتلاف الدوحة الإرهابي الذي لم يتوقف أعضاؤه عن تقديم التنازلات تلو التنازلات لكلّ أعداء سورية، مطالبين في السرّ والعلن أن يقوم هؤلاء الحلفاء بقصف سورية واقتطاع مساحة أرض لهم في الشمال لتكون مركز تجمّع للإرهاب، وصفقوا للعدو الصهيوني الذي اعتدى على الأرض السورية ورحبوا بتلك العمليات في حينها.
واليوم يجمع هؤلاء على أنّ ارض الشام مباركة! ما أوقحهم حين يتحدثون عن الوطنية والوطن… وما أغباهم حين يصدّقون أنّ بياناتهم التي لم تتوقف منذ اليوم الأول للضربات الجوية تجد من يطلع عليها أو يفكر في البحث فيها، فطلبوا اجتماعاً عاجلاً للأمم المتحدة، فلم يسمعوا ردّاً. وطلبوا اجتماعاً آخر للجامعة العربية المعطلة أصلاً ولم يسمعوا إجابة. واليوم يهدّدون بتحويل سورية إلى أفغانستان أخرى… كما هدّدوا سابقاً بتحويلها الى صومال آخر، من دون قراءة حقيقية لما يحدث على الأرض.
الروس بالفعل يقدّمون الدعم الجوي، وفي المقابل ينفذ الجيش السوري ومجاهدو المقاومة عمليات برية نوعية لاستعادة إراضٍ محاصرة او مسيطر عليها من قبل الإرهاب.
إنْ دلّ هذا على شيء فهو دلالة واضحة على أنّ الجيش الذي حوصر من ثمانين دولة وتم دفع آلاف المرتزقة في وجهه، ما زال يملك زمام المبادرة، وما زال قادراً على تبديل قواعد الاشتباك وتحديد أماكنها ووقتها المناسب. ولكن الإعلام المعادي للشعب السوري يحاول إطلاق رصاصاته الأخيرة لإنقاذ العصابات الإرهابية من ساعة الحقيقة. تلك الحقيقة التي ينتظرها الشعب السوري منذ سنوات الشعب الذي ظلمه الأشقاء وذوو القربى. فلا تلفيق الأخبار ينفع اليوم، كما لم تعد هناك جدوى تذكر من المناورات السياسية ورفع السقوف…
قد يخرج علينا من يسأل: كيف تجمعون بين الوطنية وبين القبول بالقصف الروسي؟ وهذا السؤال مشروع لو أنّ الروس يضربون، المدنيين كما تفعل اميركا في افغانستان، او كما يفعل طيران العدوان السعودي بأهل اليمن. ولكن الأميركي وهو محرك جوقة العدوان على الشعب السوري يملك كلّ تفاصيل الأهداف، ويعلم الجميع أنّ الضربات تطال مواقع الإرهاب.
الحرب في سورية اليوم هي بين الشعب السوري الممثل بالجيش والمقاومة وبين العصابات الإرهابية والمستفيدين من وجودها على الأرض من سوريين وغير سوريين. فعملية المزاد الإنساني التي يتعامل بها أعداء سورية عملية خاسرة. وكما استثمروا بقضية اللاجئين منذ أسابيع يستثمرون اليوم بصور قديمة يدّعون أنها لمدنيين قضوا في القصف الروسي.
وإذا كان بيان ما يسمّى «هيئة علماء المسلمين» التي يقودها مفتي الإرهاب القرضاوي تتحدّث عن أرض الشام المباركة، فإنّ السوريين يعلمون قبله بزمن طويل أنّ أرضهم مباركة، وأنهم شعب ملتزم بالدفاع عن أرضه المباركة، كما عهده على الدوام.
نحن لا نخوض حرباً مذهبية كما يروّجون، ولا نحارب للاستيلاء على أرض الغير، ولا نساوم على تهجير الأقليات، في الوطنية لا توجد أقلية وأكثرية، في الدفاع عن الوطن لا يوجد توصيف مذهبي أو طائفي، في الدفاع عن الأرض كلّ السوريين يجمعهم علم وطني واحد.
هذه المعادلة يصعب على أصحاب الأصوات الطائفية والمذهبية فهمها وإدراك معانيها، فأصحاب تلك الأصوات الطائفية والمذهبية ليس لديهم مشروع ولا هدف، هم مجرد أدوات وموظفين يتقاضون رواتب شهرية لتنفيذ ما يُطلب منهم فقط، فهل من المعقول أنّ «داعش» و»النصرة» و»جند الشام» وغيرها من تنظيمات الإرهاب لم يتمّ وصفها بالجماعات الإرهابية حتى اللحظة عند الحكومات العربية؟
هذا ما سترسمه وتحدّده أيام التحرير الآتية لتبقى الشام وشعبها الطيب الشامخ وأرضها المباركة.