تصنيف الإرهاب بين مصالح الدول والواقع السوري…
جمال محسن العفلق
ينشغل العالم اليوم بالحديث عن تحضيرات لمؤتمر عمان يضم خبراء الإرهاب والجماعات الإرهابية ليتمّ تصنف الجماعات العاملة في سورية وتحديد الإرهابية منها والمسالمة والوطنية، وقد يكون اختيار عمان له أسبابه الموجبة ففي عمان كان غرفة موك التي كانت تدير المعارك في القطاع الجنوبي وتخطط للوصول الى دمشق وشلت أكثر من مرة، كما أن بداية الحرب على سورية بدأت من الحدود الجنوبية حيث كان معبر الأردن المعبر المهم لإدخال المال والسلاح للمسلحين وتوفير الغطاء لهم في الهروب أو التنقل. واليوم لا يمكن الوقوف كثيراً على خمس سنوات مضت ولكن للتذكير في عمان التي سيعقد فيها المؤتمر أو الاجتماع كان تفتح مجالس العزاء لانتحاريين فجروا أنفسهم في المدن السورية وقتلوا أطفال سورية، وهذا ليس بالسر، فمحطات الأخبار التي كانت تبحث عن أي خبر يخدم مشروع المعادين للشعب السوري كانت تنقل تلك الصور وفي أحيان كثيرة نقل مباشر.
لا نعلم بالتحديد من هم المشاركون في المؤتمر ومن هم الخبراء الذين سيحدّدون لنا الأسماء التي يجب أن نقول عنها إرهابية والأسماء التي سوف توصف بالملائكة. ولكن بالتأكيد روسيا صاحبة المشروع والحاملة للملف السياسي السوري ستكون حاضرة بقوة ومعها كل الوثائق التي جمعتها ومزوّدة بكل ما أمكن من تقارير لجماعات قد ترفض أميركا وصفها بالإرهاب، ليس لأن هذه الجماعات بريئة من دم السوريين بل لأنها تخدم المشروع الأميركي في الحرب على سورية. وليس سراً أن لكل دول العدوان على سورية فصائل على الأرض، فـ»إسرائيل» لديها جبهة النصرة طبعاً بالتعاون مع السعودية وقطر وتركيا لها كذلك الأمر فصائل تحمي ملفها السياسي ومصالحها بالإضافة الى داعش الذي لم يعد هناك أي مجال لتبرير أعماله أو عدم وضعه في قوائم الإرهاب.
فهل بالفعل سيتمكن المؤتمر من الخروج بأسماء يتفق عليها الجميع ما عدا الشعب السوري لأنه هو الذي انكوى بالإرهاب كيف يمكن الحديث عن النصرة التي أعلنت وما زالت أن الأقليات لا يمكن الإبقاء عليها في سورية، إلا وفق شروط ابتدعها الجولاني ومن خلفه من أصحاب النهج الوهابي الذين قالوا إن قتل ثلث الشعب السوري حلال ليعيش الثلثان.
ولكي لا نكون متشائمين سنفترض أن لوائح الإرهاب تلك أتت وفق ما يراه السوريون، فما هي الآليات التي ستستخدم لمحاربة الإرهاب؟
منذ بداية الأحداث ومع أول مؤتمر، قال السوريون ومن معهم إن الحل في سورية يبدأ بوقف دعم الإرهاب من الدول المعادية للشعب السوري، ولكن الطرف الآخر الممثل بالغرب وأميركا ومن يتحدث باسمهم في الإعلام مثل السعودية وقطر وتركيا وفصائل سياسية في لبنان كما «إسرائيل» كانوا يضعون شرطاً واحداً ألا وهو رحيل الأسد لوقف الدعم للإرهابيين، وهم يريدون بذلك إدخال سورية في فراغ سياسي وإخراج الجيش السوري من المعادلة تماماً، فلا أحد يعلم إذا ما تمّ تنفيذ هذا المطلب كيف سيكون الواقع؟ وهل بالفعل ستكون الحكومة الانتقالية المقترحة قادرة على إعادة الأمن والأمان وإدارة البلاد؟ أم أن تجربة ليبيا ستكرّر في سورية مع الأخذ بعين الاعتبار أن سورية لديها أكثر من ثماني عشرة طائفة ومذهباً وأن الحكومة المقترحة من قبل أعداء سورية سيتم ادخالها على ظهر دبابات أميركية، فهي بالنتيجة ستكمل مشروع تدمير سورية وتشريد أهلها وإدخال السوريين في نفق أكثر ظلمة من نفق الحرب الحالية.
وجاء اجتماع عمان المرتقب مقدّمة لاجتماع الرياض الذي أعلنته الرياض وسوف يضمّ فصائل تقول عنها الرياض إنها الفصائل المعارضة السورية ولا نعلم مدى صواب هذا الوصف، فكيف ستقترح علينا الرياض شكل المعارضة؟ وهل سيكون اجتماع الرياض المرتقب صورة عن اجتماع الدوحة الذي أنتج لنا ما يسمى ائتلاف الدوحة؟ حيث جمع السوريون وأعطوا أوراقاً وقيل لهم حينها وقّعوا وعودوا الى فنادقكم ونحن نتكفل بالباقي! أم أن الرياض تعلمت من التجربة وستدعو من يقبل فيهم على الأقل جزءاً من الشعب السوري لا أقول كل الشعب السوري.
الواضح من إعلان الرياض هذا أن الدول المعادية لسورية لم تفهم الرسالة الروسية بعد، وأن تقدم الجيش السوري على الأرض وعلى أكثر من محور لم يصل إلى أسماع من في الرياض والدوحة وباريس وواشنطن أو أنه وصل ويحاول تحالف العدوان على سورية خلق فقاعة إعلامية جديدة توحي أن في سورية معارضة وأن الإرهاب فقط محصور بداعش الذي انتهى دوره كما انتهى في السابق دور القاعدة في أفغانستان، وجاء الوقت لنقل البندقية من كتف الى كتف، حيث لا ضامن أن من يقاتل في داعش اليوم سيكون غداً تحت اسم فصيل يساري أو علماني تقول عنه الرياض إنه معارض؟ أو فصيل شكله معارضة وجوهره جماعة الإخوان المسلمين المسيطرة على تجمعات المعارضة في اسطنبول والرياض والدوحة.
وما يدفعنا اليوم للشك بنوايا المجتمع الدولي أن الأصوات التي خرجت مع بداية الحرب على سورية عادت من جديد لتشعل نار الفتنة اليوم يعارض جنبلاط ومن خلفة السعودية وهو الداعم لجبهة النصرة التدخل الروسي في سورية ويطلب أن يتوقف هذا التدخل وهو العارف بطبيعة الأمور ويعلم أن الروس يدكون تجمعات الإرهابيين، وهذا على ما يبدو لا يرضي أعداء الشعب السوري وهو منهم. فبعد الفشل في الجنوب السوري وانحسار الخطر نوعاً ما عن جنوب دمشق، لم يجد أعداء سورية ما يتحدثون عنه فكان مهاجمة التدخل الروسي في وقت يذكر لهم التاريخ القريب أنهم طلبوا من الناتو وأميركا قصف سورية وكأن طائرات الناتو تقصف الورود لا الصواريخ؟
وفي الختام على أعداء سورية أن يفهموا أنّ الجيش الصامد في الميدان خلفة شعب صامد وأنّ حرب السوريين والمقاومة هي حرب مقدّسة تتوّج بالنصر وليس باتفاق على النصر فهناك فرق بين التسويات والانتصار، واليوم غير الامس فبعد انكشاف حقيقة العالم أمام السوريين وقرارات المجتمع الدولي التي وضعت كلّ السوريين في سلة الإرهاب بعد أحداث باريس، فقد تأكد أكثر السوريين أنّ كذبة حمايتهم هي كذبة كبرى وأنّ دفعهم للهرب هو للإتجار فيهم وليس خوفاً عليهم.