سلام: لا ضير في «رقابة موضوعية» على الكتب الدينية اتقاءً من تسلّل التطرّف

افتتح النادي الثقافي العربي بالتعاون مع اتحاد الناشرين اللبنانيين، فعاليات معرض بيروت العربي الدولي للكتاب بدورته التاسعة والخمسين، وذلك بعد ظهر أمس في مدينة المعارض ـ البيال، برعاية رئيس الحكومة تمام سلام وحضوره، كما حضر وزير الثقاقة ريمون عريجي، وزير البيئة محمد المشنوق، وزير الإعلام رمزي جريج، رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، الويزران السابقان غازي العريضي وخالد قباني، والنائب محمد قباني، وعدد من النواب السابقين، رئيس بلدية بيروت بلال حمد، رئيس غرفة التجارة والصناعة محمد شقير، السفير الجزائري أحمد بوزيان، وحشد من أصحاب دور النشر المشاركة، والمهتمين والمثقفين.

الخنسا

قدّمت لحفل الافتتاح، رئيسة اللجنة الثقافية في النادي الثقافي العربي نيرمين الخنسا، وألقت كلمة جاء فيها: يقولون انتهى عصرُ الكتاب، ولحق بركاب كل شيء جميل حطّمت مجاذيفه رياح الجهل والشقاق. ويقولون إننا أصبحنا أمة تتأبط الفراغ وتعتنق الظلام. أمة لم تعد تجيد سوى قراءة الكفّ والفنجان.

ونقول متى وكيف؟ وحرّاس الكتاب يملأون ساحات الإبداع ويقفون على أبواب معرضه يحرسون الضوء فيه وينهلون من خوابي الشهد حلو العطاء.

البابا

بدوره، استهل رئيس النادي الثقافي العربي سميح البابا كلمته قائلاً: مرّة جديدة نقيم للكتاب عيداً هو العيد التاسع والخمسون، وعيد الكتاب هو الوجه المشرق لمهرجان الثقافة. فالكتاب بمعنى ما ـ هو البيئة الحاضنة للمعرفة، على تنوّع فروعها وأشكالها، ومهما تعدّدت وسائل المعرفة وسبلها وآفاقها واتسعت مناهجها، وحوّلت الكون الشاسع إلى قرية صغيرة، سيبقى للكتاب وجهه المشرق، والشعلة التي لن تنطفئ. وحين نحتفي بالكتاب نحن في لبنان، فهذا يعني أننا نؤسّس لمطارح من الفكر الحرّ الذي يسلك سبيله باتجاه بلوغ مناحي فكرية وحضارية، ترسم ملامح صورة مشرقة لأجيالنا المقبلة.

وأضاف: إن إصرارنا على إقامة معرض سنوي للكتاب هو الدليل الحاسم على مسيرتنا الهادفة إلى نشر الثقافة وتعميمها، رافضين اعتبار الثقافة حكراً على شريحة عليا تملك السلطة أو المال أو السطوة أو الجاه. بل إن هدفنا الرئيس الدعوة إلى سيادة الثقافة الشعبية، أي أن تصبح الثقافة مشاعاً لكل الناس بقطع النظر عن اللون أو الجنس او الانتماء الديني أو السياسي، لأن الثقافة التي ندعو إليها هي الانفتاح والبناء والتنمية وإشاعة العلاقات الفضلى بين كافة المواطنين واستشراف روح المستقبل الذي يحتضن آخر منتجات المعرفة، فالثقافة، بهذا المعنى، تحرر الانسان من عقد النقص والقهر وتجعل منه مواطناً عصياً على الخضوع والخنوع.

واعتبر انه طوال مسيرته الثقافية التي ناهزت 59 سنة، عزّز النادي الثقافي العربي هذه المسيرة بروح من الانفتاح على القوى والفاعليات والشخصيات الثقافية اللبنانية والعربية والتي شجعت هذه المسيرة ومدتها بالفعالية والحضور. ونذكر من هذه الشخصيات الراحل الكبير الدكتور غازي قهوجي السينوغرافي والفنان والأديب الناقد الساخر والأستاذ الجامعي الذي شكل حلقة وصل بين النادي والأطر والقوى الثقافية والفنية في لبنان. وقد خسر النادي برحيله صديقاً وفياً كما خسرت الحركة الثقافية والفنية في لبنان قامة إبداعية هامة.

وختم مداخلته بالقول: إننا ندعو إلى الثقافة الحرة بوصفها ثقافة البناء والإعمار والتطوير والانفتاح، فالثقافة الحرّة في رأينا تجمع ولا تفرّق، تبني ولا تهدم، تعمّر ولا تدمّر، تتطلع إلى المستقبل المشرق، ولا تنكفئ إلى الماضي المظلم.

ونحن في لبنان نعلن انحيازنا الكامل إلى الكلمة الحرّة، ونلتزم بالثقافة الحرّة، لأن الهدف الرئيس هو بناء الوطن، وطن الحوار الديمقراطي الحر، الذي يحمي كافة الحرّيات، وتتجلى عبره حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية النقد وحرية التظاهر والاعتراف بحق الاختلاف والتعبير السلمي عن هذا الحق.

عاصي

وألقت رئيسة اتحاد نقابة الناشرين سميرة عاصي كلمة جاء فيها: إنها لسعادة كبرى أن يقدّم لبنان في مناسبة سنوية هذا الحصاد لثمار الشعر والنصّ والفكر والتطورات السياسية التي يشهدها الشرق، خصوصاً العالم العربي.

إن الاهتمام بالكتاب أمر يستدعي همّة الحكومة واهتمامها من خلال النظام التربوي، لأن اختصار التربية والمعرفة على اللوح الالكتروني سيجرّد الأجيال الجديدة من التاريخ ومما حملته الرواية والقصيدة من أثير اللغة. إن معرض الكتاب السنوي يجمع اليكم كل سنة حصاد عمر لمكتبة الشرق التي يمثلها لبنان والتي جمع فيها ثمار الحراك الأدبي لأقلام إبداعية وصلت إلى رابطة القلم الصريح في نيويورك، وما تركه لنا تراث جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وما يجسّده اليوم الانتاج الثقافي لعشرات المثقفين في صنوف الثقافات المختلفة والتي نسجّلها كنقابة للناشرين ونجمعها من محطات الاغتراب اللبناني في القارات كلها، كما من لبنان المقيم، ذلك ان اللبناني هو بطبيعته عابر للقارات والمحيطات والأحلام.

وأضافت: إن معرض الكتاب هو ما صنع في لبنان بل هو فخر الصناعات الوطنية. والكاتب والكتاب والناشر والقارئ هم الجامع المشترك بين كل لبنان ولكل لبنان، بحيث ان الكتاب لن يكون جزءاً من فيدرالية او كونفيدرالية الطوائف، فهو يكتب تاريخ لبنان، لا تاريخ فئات وجهات، بل يكتب قصيدة لبنان وروايته.

وختمت عاصي: إنه خير جليس في الأنام، انه الكلمة المعبّرة عن خفقة القلب ونبض أصوات لشعراء الحساسين على أثناء أشجار اللغة. إننا في نقابة الناشرين غير متورّطين بالتوترات السياسية ولا بالتعبئة الطائفية والاضطرابات السياسية، وكل ما نطمح اليه استعادة الانسان واستقرار لبنان.

سلام

ثمّ ألقى سلام كلمة جاء فيها: في كل مرة يداهمنا القنوط أو يكاد، لكثرة المشكلات والهموم واستعصاء الحلول. في كل مرة نشعر أننا على شفا الهاوية، وأن الهيكل آيل إلى السقوط. في كل مرة يسودّ المشهد أمامنا. يظهر من مكان ما في المدينة، نبراس يزيل الظلام، ويفتح أبواب الأمل، وينبهنا إلى أن اليأس ممنوع.

هكذا هي بيروت. وهكذا هو معرض الكتاب العربي، منارتها التي ترمي الضوء في كل اتجاه. فتحية إلى النادي الثقافي العربي، الذي يؤدي هذا الدور التنويري الطليعي سنة بعد سنة، بهمّة القيمين عليه الذين نذروا أنفسهم لهذه المهمة النبيلة، وتحية إلى اتحاد الناشرين على الجهود التي يبذلها سنوياً لإنجاح هذا المعرض المميز.

وأضاف: على رغم كلّ الظروف الخارجية المحيطة بالبلاد، والأوضاع الداخلية الصعبة، يأتي معرض الكتاب العربي، كعادته كلّ سنة، ليشكل مساحة لقاء حول الفكر بعيداً عن السياسة ومباذلها، والاقتصاد ومتاعبه، والأمن وتحدّياته. إنه مهرجان للكلمة الحرّة بكل ما فيها من سحر وسلطان، نراهما في آلاف الكتب الموزّعة في أرجاء هذا المكان. وهنا أودّ أن أتوقف عند نوع واحد من هذه الكتب. هي الكتب الدينية، التي تحتل حيّزاً لا بأس به بين العناوين المعروضة، لألفت نظر النادي الثقافي العربي واتحاد الناشرين وجميع دور النشر والمعنيين بالانتاج والطباعة والتوزيع في لبنان، إلى ضرورة إيلاء عناية خاصة بهذه الكتب، وأهمية التدقيق في مضامينها، والتفريق بين الغثّ والثمين في ما يكتب وينشر في شؤون الدين.

إن التساهل في معايير نشر الفكر الديني، سواء تعلّق الأمر بالكتاب أو بالاعلام المرئي والمسموع، من شأنه أن يفتح الباب للترويج لمفاهيم خاطئة للدين، وللتأثير السلبيّ على عقول الشباب، ما يؤدّي إلى انحرافهم عن الطريق السويّ ورميهم في أحضان التنظيمات الإرهابية المتطرّفة.

وأشار إلى أننا نلمس ونرى كل يوم نتائج هذا الفكر المتطرف وتأثيره الخطير على شبان يلقون بأنفسهم إلى الموت في سبيل ما يعتقدون أنه واجب ديني. شهدنا ذلك في بلادنا مرات عدّة كان آخرها في برج البراجنة حيث حصد الإرهاب حياة عشرات المدنيين الأبرياء. كما شهدناه في باريس حيث نشر شبان، عطّل الفكر الظلاميّ عقولهم، الموت المجاني في الشوارع باِسم فهم خاطئ ومشوّه للاسلام.

ثمّ تتطرّق سلام إلى الأوضاع السياسية قائلاً: نحن في لبنان واجهنا وما زلنا نواجه الأعمال الإرهابية الرامية إلى زرع الفتنة وزعزعة استقرار بلادنا بفضل تضافر عاملين رئيسين: الأول يقظة قوات جيشنا وأجهزتنا الأمنية وتفانيها، التي تقدّم أداء مميزاً يلقى من اللبنانيين كل تقدير، والثاني حرص اللبنانيين على السلم الأهلي الذي بقي عصيّاً على الفتنة على رغم كل المحاولات.

وتابع: شهدنا بعد العملية الإرهابية الأخيرة في ضاحية بيروت الجنوبية، إجماعاً وطنياً عكس قدراً عالياً من الحكمة والمسؤولية لدى القيادات السياسية. ونحن نرى أن هناك إمكانية للبناء على هذه المواقف من أجل إيجاد السبل للخروج من الأزمة السياسية الراهنة.

وتابع سلام متناولاً الوضع السياسي في لبنان، معتبراً أن الحوار الوطني الذي يرعاه الرئيس نبيه برّي و الحوارات الثنائية بين القوى السياسية، تشكل الطريق الأسلم للتوصل إلى تفاهمات تخرج الحياة السياسية من الطريق المسدود، وتنهي حال الجمود والتعطيل سواء في السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية.

وختم: على أمل لقاء آخر في ظروف أفضل، للبنان واللبنانيين والمنطقة العربية، أعلن افتتاح معرض الكتاب العربي والدولي في بيروت في نسخته التاسعة والخمسين.

درع وجوائز

بعد ذلك، قدّم النادي الثقافي العربي درع النادي لرئيس بلدية بيروت الدكتور بلال حمد «تقديراً لدوره الانمائي في بيروت عاصمة الكتاب والثقافة ولمشاركته المعرض في دورته التاسعة والخمسين».

وكعادته كلّ سنة، وزّع النادي الثقافي العربي الجوائز الخاصة بأفضل كتاب إخراجاً وطباعة، ومنحت اللجنة الفنية الجائزة الأولى لكتاب «بغداد سيرة مدينة، نجم دالي» ـ «دار الساقي»، تصميم الغلاف سومر كوكبي. والجائزة الثانية لديوان «بعض منّي» للشاعرة كاترين معوض ـ «المركز الثقافي العربي». والجائزة الثالثة لكتاب «صحائف التكوين» «منشورات ضفاف».

أما جائزة أفضل كتاب إخراجاً للأطفال، فمُنحت الجائزة الأولى لقصّة «بابا شو يعني فقير» ـ «دار الحدائق»، والجائزة الثانية لقصّة «حذاء الأزرار الملوّنة»، «دار أصالة» تسلمتها مديرة الدار شيرين كريدية.

بعد ذلك، قصّ سلام شريط الافتتاح، وكانت جولة في المعرض.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى