سنستعيد فلسطين ولو تحوّل الحكام حجارة صمّاء والصهاينة وحوشاً كاسرة
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
انتهت أيام اللاءات عند العرب، وهمّ الحرب مع الصهاينة. وها قد مرّت منذ مؤتمر الخرطوم العام 1967، فترة من الزمن كافية للنسيان! القضية الفلسطينية التي سيطرت على شيوخ العرب وأمرائهم وعذّبتهم باتت متعبة وهي حوّلت المنطقة جحيماً لا يُطاق! والحل عند «حكماء الخليج» التي تُروى القصص عن شجاعتهم ووفائهم وإخلاصهم للفلسطينيين يكمن في» الانفتاح» و»السلام» وتحويل الرغبة في العراك رغبة في التسوية لفظاعة الماضي وقسوته، وشعور العرب أنهم لم يحققوا شيئاً من المواجهة مع الصهاينة، بل تبدّد الكثير من الأموال وقُتل من قُتل من دون الوصول إلى نتيجة تُذكر! فما عاد بالإمكان إلا طريق المصالحة دفعاً لأي حروب مقبلة، لن يكون فيها العرب مع فارق الإمكانات إلا خاسرين.
هذه النتيجة التي بدأت معالمها تظهر عند النخبة العربية الحاكمة منذ الخضوع العلني لمبدأ التسوية في مؤتمر مدريد العام 1991 جعلنا نرى هذه النخبة تتراكض مثل القطط لنيل رضا الكيان الذي بدأ مسؤولوه يُظهرون بكثير من الاهتمام طبيعة العلاقات الجديدة مع عدد من الأنظمة العربية. مؤخراً ثم افتتاح ممثلية دبلوماسية للكيان في أبو ظبي من دون أصداء مندّدة في العالم العربي، بعد ما بات كل شيء مباحاً وحلالاً في زمن قطع الرؤوس وتقسيم الأوطان.
لا حاجة أبداً لأن يرهق أحدُنا بتقصي الدوافع الإماراتية لأنّ الأمر لا فائدة تُرجى منه بعد أنْ انكشف أنّ معظم الأنظمة العربية والخليجية على وجه الخصوص يقيم منذ أمد طويل علاقات سرية مع الكيان الإسرائيلي. وما الخطوة الجديدة إلا في إطار تنفيذ ما كان مخفياً على الشعوب فقط. لم يعد التطبيع مع العدو له علاقة بموازيين القوة بل بموازين الشهامة والشرف والحياء. ومع فقدان هذه القيم من معظم النخب والحكومات العربية صار سهلاً على الإمارات وقبلها مصر والأردن والمغرب أن تُفتح الأبواب على مصاريعها أمام الوافدين من أبناء العمومة!
أليس ما يجري عاراً كاملاً، ودم الفلسطينيين على الأرض؟!
افتتاح ممثلية يفتح الرؤية أكثر على هذه النوعية البائسة من الحكام التي لا تكفّ عن ترديد الشعارات الزائفة حول تضامنها مع الشعب الفلسطيني.
نعم، هذه النوعية هاجت سريعاً عندما دعا الداعي لتشكيل حلف ضدّ الشعب اليمني الفقير. فكان للجيش الإماراتي وطائراته دور في سفك دماء اليمنيّين. لكن الجيش نفسه سيكون في حالة العماء والعجز والوداعة، عندما يتعلق الأمر بواجب إسلامي وعربي للدفاع عن الشعب الفلسطيني المظلوم أمام آلة العدو الإسرائيلية الغاشمة.
في اليمن يُبرز الجيش الإماراتي عضلاته، لأنّ ريحاً شيطانية أميركية سعودية أُريدَ لها أن تهبّ على أرض اليمن السعيد، فبدت الحماسة والرغبة والسرعة في استعمال كل سلاح.
نخبة حاكمة مقززة هي تلك التي تتفرّج على شابة اسمها أشرقت قطاني تُقتَل بدم بارد في شوارع القدس ولا يخرج موقف سياسي أو إعلامي يندّد بالجرائم الإسرائيلية التي ترتكب يومياً بحق الفلسطينيين ويُشيد بالعمليات البطولية التي تبعث برسالة إلى كلّ العرب والمسلمين، تقول: إنّ الفلسطينيين رغم كلّ سنوات الألم والجراح لن ينهزموا ولم يشعروا بالإعياء. وإذا كانت قلوب الحكام قاسية كالحجارة أو أشدّ حتى يقبلوا بـ صهيوني يدوس أرض العرب والمسلمين، فإنّ شباناً وشابات في الميدان لا يأبهون للتسويات كلها حتى لو امتلأت العواصم كلها بسفارات وممثليات إسرائيلية، وهم مصرّون على استعادة فلسطين كلها من النهر إلى البحر ولو تحوّل الحكام حجارة صمّاء والصهاينة وحوشاً كاسرة.