الشمال السوري… وماذا بعد؟

الشمال السوري… وماذا بعد؟

كأنّ التاريخ أراد أن يسابق الزمن إلى تلك المرحلة التي انتظرها السوريون بفارغ الصبر… ولكن، من كان يتوقع أن يكون أردوغان هو المحرّك الأساس لذلك السباق.

هل كان أردوغان بكامل وعيه عندما أقدم على تلك الخطوة المجنونة؟ وهل أدرك حجم ما فعل؟ وهل كان ذلك الصاروخ إبداعاً تعبيرياً من إنشائه، أراد به الفوز بلقب سياسة القطب الواحد في القوة، أم إنه إملاء من أسياده كما تعوّدنا عليه.

المعطيات والمؤشرات كافة تدل على أن الشمال السوري سيكون نقطة التحول في هذه المعركة… برسم خريطة جديدة للحدود.

فلا أحد يستطيع أن ينكر أن إسقاط الطائرة الروسية بصاروخ تركي، كان مفاجأة كبيرة، وسبّب الصدمة للجميع. ولكن ما صدمنا أكثر، خروج أردوغان إلينا بطلّته البهية، وعيناه تقدحان شرّاً، ليتحفنا بلهجته القاسية والحدة.

فالحق يقال، أنه كان يتكلم من موضع قوّة، لا خوف أبداً. كان يبدو جلياً على ملامح وجهه ونبرة صوته، بل كان مثل الطاووس، معتزّاً مغروراً فخوراً بفعلته. وكأن إسقاط الطائرة الروسية هو الإنجاز الأهم في تاريخه السياسي والرئاسي.

فهو كان ينتظر المكافأت الكثيرة من أسياده، والتي سوف تزيد عظمته بعد ذلك العمل البطولي الذي قام به على تلك الحدود التي كان يتوعد دائماً بأنها سوف تكون منطقة عازلة.

نجح أردوغان في إسقاط الطائرة الروسية، لكنه لم ينجح في حساب التتبعات لذلك الإسقاط. فهو اعتقد نفسه الذكي، وكأنه غريب عصره وزمانه، وكأن التكنولوجيا لم تزور داره. فبدا وكأنه من الكرام الذين يرفضون الذلّ والخنوع ولا يقبلون أيّ اعتداء على الحرمات والحدود. ليفاجأ بأن أحد الطيارين لا يزال على قيد الحياة. وبذلك، فقد جاء من يكذّب «حدوتة» أردوغان، ويكشف للعالم كلّه أنّ الطائرة لم تدخل الأجواء التركية، ولم تتلقَّ الطائرة أيّ انذار. فماذا يمكن أن تقول بعد ذلك يا أردوغان؟ فقد سقطت الورقة الوحيدة التي كنت تتمسك بها لحمايتك وتبرير ما فعلت.

بقاء الطيار الروسي على قيد الحياة، وضع حلف الناتو بموقف العاجز والمشلول. فهو لا يستطيع أن يقدّم الحماية لأردوغان ما دام أردوغان لا يملك الأدلة والإثباتات التي تؤكد أنه كان يدافع عن حدوده ويحميها.

عندما تكون محطّ اتهام بجريمة. فإما أن تنفي عنك الجرم وتنكره. أو تعترف به بحجّة الدفاع عن النفس. ولكن، في الأحوال كافة، أنت بحاجة إلى الدلائل والإثباتات الواضحة لدحض الاتهام وتثبيت نظريتك.

فها هو أردوغان يجد نفسه في مأزق كبير، ولا يحسد عليه. فقد تجاوز تسلسل الرتب العسكرية والسيادية. وتطاول على سيّد أسياده دفعة واحدة. كنت أعتقد أن جنون العظمة يشعرك بحدّة ذكائك لا بقوة عضلاتك. حتى تختار بوتين دفعة واحدة ليكون خصمك في المبارزة.

أفلا ترفع لك القبعة بشدّة الغباء يا أردوغان.

ففد حفرت قبرك بيدك. أليس من الأفضل لك لو أنك بقيت تلعب تحت الطاولة. أو التزمت حدودك عند تلك التصريحات الواهمة بإنشاء منطقة عازلة. وبالمطالبة برحيل الرئيس الأسد الذي سوف يشهد رحيلك. وكأن هذه العبارة بمثابة لعنة لمن ينطق بها.

أردوغان، مبروك عليك غضب القياصرة الروس. ومبروك عليك التوبيخ والتقزيم، مبروك عليك لقب بطولة سياسة القطب الواحد في الغباء.

سناء أسعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى