أولوية حزب الله وحدة الموقف بين بنشعي والرابية
هتاف دهّام
يتفاعل رئيس المجلس النيابي نبيه بري مع الواقع. يغربل الوقائع. فهو يعلم الممكن وغير الممكن ولن يسيء التقدير، وربما يتجه إلى تأجيل جلسة انتخاب الرئيس في 16 من الشهر الحالي إلى موعد آخر، لافتقادها النصاب السياسي برغم توفر النصاب القانوني، فهو لن يذهب إلى جلسة عامة بغياب حليفه حزب الله الداعم لترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون.
يتعاطى الرئيس الفخري للتيار الوطني الحر بصمت مع التسوية الحريرية، فالصمت هو «أصدق إنباءً من الكتب»، كما يقول، وإنْ كان يرى في ترشيح رئيس تيار المستقبل سعد الحريري لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية استهدافاً للتيار البرتقالي ولمشروعه الإصلاحي واستهدافاً لتكتل التغيير والإصلاح وفريق 8 آذار، لأنّ فرنجية ركن من هذا الفريق، ويسعى جنرال الرابية وحزب الله للحفاظ على هذا الجسم متكاملاً.
ما يجري أشبه بإشارات السير الخضراء والحمراء والصفراء المعطلة وهذا يستوجب الحذر الشديد عند السير بين التناقضات. إنّ آلية عبور الاسم الجديد لرئاسة الجمهورية سواء كانت الرابية أو بنشعي، من خلال ما تمثله هذه الثنائية الاستراتيجية هو العماد عون، وهذا جعل حزب الله يقول نحن وراء الجنرال وبالتالي رئيس تكتل التغيير والإصلاح هو المعبر والممرّ الإلزامي للرئاسة وليس فقط خيارنا لأنّ هذا العنوان يشكل مرتكزاً أساسياً استراتيجياً في البناء الوطني المستقبلي.
وبما أنّ «العماد» أساسي في وحدة الصف الداخلي بين فريق 8 آذار والتيار العوني، ولأنّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله طرح السلة المتكاملة المتمثلة بمجموعة عناوين تتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية وإقرار قانون انتخاب جديد يُعيد تكوين السلطة، وتشكيل الحكومة، ولأنّ خيار الرئيس الحريري والنائب وليد جنبلاط لم يلحظ منطق السلة المتكاملة، بل حاول الالتفاف عليه، ولأنّ التيار الأزرق لديه مشكلة مسيحية داخل فريق 14 آذار، هذا كله أوصل إلى نتيجة واضحة أنّ اللحظة الداخلية غير ناضجة لإضاءة شجرة الميلاد في قصر بعبدا، ما دامت مجموعة من المرتكزات الأساسية غير متوفرة.
إنّ المسألة ليست في أنّ فرنجية هو أحد الأقطاب الأربعة الأقوياء أم لا. هذا أمر محسوم وليس هناك تشكيك في قوته، ولا شك في غطاء بكركي له، ولا في تمثيله المسيحي والوطني، ولا في كونه من أكبر عناصر الأمان للمقاومة وسورية على المستوى الاستراتيجي. هذه ثوابت دائمة لا تتغيّر مع اللحظة السياسية، لكن مَن سعى إلى ترشيح فرنجية بالشكل الذي سعى إليه أساء من خلال الشكل الذي اختاره وطريقة طرحه إلى أصل الفكرة والهدف المنشود منها، وجعل هذا الطرح يصطدم بمجموعة من العقبات الأساسية التي كان يجب تجاوزها للوصول بهذا الطرح إلى شاطئ الأمان الذي يرجوه الجميع.
إنّ محاولات العبث والتأويل للموقف السوري – الإيراني، ووضعه بطريقة مشبوهة، وبالتحديد من قبل أعداء سورية وإيران الذين يبدو أنهم أصبحوا يعرفون حقيقة موقف هذين البلدين أكثر بكثير مما يعرفه أصحاب الشأن الطبيعيّون، كذلك الإصرار على سحب فرنجية بلغة هؤلاء وإعلامهم وسياسيّيهم من موقعه الطبيعي ووضعه بشكل مفتعَل في مواجهة هذا الواقع، يدلّ على أنّ هناك نيات خبيثة ومبيّتة أرادت من هذا الطرح أن تحقق مآرب أخرى أقلها دق أسافين بين الحلفاء وإعادة خلط الأوراق الداخلية وتجريد فرنجية من أوراق قوته الحقيقية، برغم أنّ ترشيح فرنجية هو بمثابة انسداد الأفق أمام تيار المستقبل، بدليل أنّ الرئاسة الأولى لا يُقترح لها إلا من بين أسماء حليفة للمقاومة وسورية على ضوء الانتصارات النوعية والاستراتيجية التي حققها حزب الله والجيش السوري في الميدان.
ربما يكون حزب الله ضنيناً على فرنجية من أيّ رياح قد تؤذيه أو قد تسيء إليه، كما هي حاله مع الجنرال عون، إلا أنه سيبقى ملتزماً الصمت حيال الطرح الباريسي، طالما أنّ الحريري لم يعلن شيئاً رسمياً، فعندما يتبنّى رئيس التيار الأزرق رسمياً ترشيح فرنجية، تصبح أولوية حزب الله وحدة الموقف بين بنشعي والرابية التي هي من الثوابت عند حزب الله والممنوع أن يصيبها أيّ اهتزاز ليس لأنها القاعدة المسيحية التي يستند إليها خط المقاومة فقط، بل من منطلق حرصه على الوجود المسيحي كله في الشرق.
في المبدأ لا يصحّ ولا يمكن، أن يُسيَّس أو يُحفَّز أيّ ترشيح إلى سدّة رئاسة الجمهورية لمصلحة أيّ مرشح باعتماد التهويل، هذا ما يقوله عضو تكتل التغيير والإصلاح الوزير السابق سليم جريصاتي لـ«البناء»، ذلك أنّ انتخاب الرئيس هو في جميع الأحوال خاتمة مسار ديمقراطي وميثاقي هادئ، مهما طال الزمن. رصد جريصاتي في الآونة الأخيرة ثلاثة أنواع من التهويلات بأخطار مصطَنعة، غير موجودة ويجب فضحُها، كما يقول، وهي:
1 ـ التهويل بالانهيار المالي، ما يعيدنا إلى تجربة العام 1992 التي أتت برفيق الحريري رئيساً لمجلس الوزراء، حيث تمّ التلاعب بسعر صرف الليرة اللبنانية، فضُرب الاستقرار المالي كما ضُربت القوة الشرائية لللبنانيين في حينه، فهل راق للفريق السياسي ذاته أن يعيد الكرّة، مع العلم أنّ هذه التجربة مستحيلة في أيامنا هذه؟ لا يحق لهذا الفريق حتى التهويل بهذه التجربة التي تفقر شعباً بأكمله لمجرد الاستئثار أو الاستمرار في الاستئثار بالسلطة، فالشهيد الحريري دخل الحكم من هذه النافذة، أما اليوم فهم يسعون إليها ويتوسّلونها لاستمرار استئثارهم بالسلطة وتمديد نهجهم المسمّى «الحريرية السياسية» ومآسيها في الحكم.
2 ـ التهويل بالدم من منطلق أنّ عدم انتخاب «الرئيس الفرصة» يعني أنّ انتخاب أيّ رئيس آخر لن يتحقق إلا بالحرب أو بالأحداث الأمنية الكبيرة، وهذا كلام كبير وخطير وغير مقبول وغير صحيح. إنّ المعادلة الداخلية، كما المعادلة الإقليمية والدولية تبقيان على المظلة الأمنية فوق لبنان ولذلك غريب كيف تستعمل هذه الحجة، أيّ الأمن، باتجاه وعكسه عند استحقاقاتنا الدستورية، فيتوسّلها التمديديون لمجلس النواب وللقادة العسكريين والأمنيين، ثم يتوسّلونها أيضاً لاستنهاض الموقع الأول في الدولة خارج أيّ مشروع متماسك يستكين إليه كلّ مكوّن من مكوّنات الوطن لبناء الدولة على أسس صحيحة.
3 ـ التهويل بأنّ «الرئيس الفرصة» إنْ لم يُنتَخب، لن يكون بعد اليوم رئيسٌ للجمهورية فيضمحلّ الاستحقاق ويصبح الشغور لازمة حياتنا العامة. هذا التهويل يا «جماعة الخير أو الشرّ لا أدري» وفق جريصاتي، يصيب الميثاق في الصميم، أيّ الطائف الذي ارتضيناه معاً سقفاً لنا جميعاً لا نتجاوزه مهما اشتدّت الملمات. إنّ نهج هؤلاء هو الذي أدّى إلى هذه الدولة التافهة وهو الذي يلفظ أنفاسه اليوم، أو هكذا يجب أن يكون، كي ينهض مشروع الدولة على أنقاض شبكة مصالحهم الخاصة المتداخلة والمصلحة العامة.