معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 59… القيم الاجتماعية وفريد الأطرش في ندوتين

لمى نوّام

يواصل معرض بيروت العربي الدولي للكتاب بدورته التاسعة والخمسين فعالياته بنجاح لافت، وسط حضور مميّز من أهل الكتاب ومحبّيه، لتثبت بيروت مرّة جديدة أنّها عاصمة عالمية للكتاب، لا بل عاصمة أبدية للكتاب. وليثبت «النادي الثقافي العربي» جدارته في تنكّب هذه المهمة التي تولّاها منذ أقل من ستّة عقود.

وفي التقرير التالي، نسلّط الأضواء على أبرز الندوات والفعاليات التي نُظّمت في اليوم الـ11 من المعرض.

«رؤى من القلب»

نظّمت «دار الأمير» مناقشة لكتاب «رؤى من القلب»، للكاتب يوسف نور الدين، شارك فيها النائب الدكتور حسن فضل الله، أمين عام اتحاد الكتّاب اللبنانيين الدكتور وجيه فانوس، وحضرها حشد من المهتمين والمثقفين.

استهلت الندوة الإعلامية بثينة عليق بالقول: الكتب يمتلئ بمفردات إيجابية إنسانية… غريب كم تشبه هذه النصوص التي بين أيدينا كاتبها يوسف نور الدين، فهي تثبت وتؤكد مقولة الفيلسوف فوكو «إن اللغة تشكّلنا تشبهنا ترسم معالم شخصياتنا»، ولغة يوسف نور الدين تنضح بالطيبة والمحبة والودّ.

وتحدّث النائب فضل عن الكتاب قائلاً: لم أرَ في نثر الكاتب يوسف نور الدين إلا شعراً يحاكي بعضه العواطف، وبعضه الآخر يلامس لغة العقل بأسلوب الأدب، وهذا لا يبلغه إلا كاتب مزج بين التفكير العقلي في قضايا الحياة، ولغة الأديب الممسك بالعبارة يطوّعها لحساب النصّ، فيتبدى كأنه لوحة فنية نقشتها يد رسام مبدع… الحديث عن لغة النصّ يجذبني نحو المضمون بما فيه قضايا اجتماعية وتربوية وتجارب إنسانية يحاول الكاتب نور الدين تقديمها بقالبه الفني الخاص. لكنه يحرص في معالجته على العودة إلى الينابيع الأصلية لثقافته المبنية على القيم الدينية بما تتضمنه من أخلاقيات.

وأضاف: صحيح أن الكاتب لا يعود إلى استشهادات من النص الديني ليثبت هذه القيم وهذا هو حال الكتاب بمجمله، فهو لم يعتمد المنهج المتعارف في الاستدلال بمصادر ومراجع لأنه لا ينحو بهذا المنحى، فهو يعتمد المقاربة الأدبية على شكل رسائل أنشأها المؤلف لتعبّر عن وجدانه، لا ليحاول تقديم بحث علمي له مقدّماته وإشكالياته ومنهجه وبالتالي نتائجه واستخلاصاته. من هنا لا يمكن محاكمة النص إلا باعتباره نصّاً أدبياً وجدانياً يتضمّن حِكَماً ودروساً في الحياة، وإن كنت أفضّل لو عمد الكاتب إلى تبيان مناسبة كل رسالة وتاريخها وأظهر لنا من هم أشخاص النصّ.

واستطرد قائلاً: تكرّ سبّحة الكلام لمعالجة قضايا تهم المجتمع، ومن بينها مواضع الخلل، وفي مقدّمها أزمة التواصل بين المكوّنات الاجتماعية داخل الأسرة أو الجماعة، وهو ينسجم هنا مع موقف الكاتب الإعلامي، لأن منشأ الإعلام هو التواصل، وعلم الاتصال قائم على ركائز ثلاث مرسل ورسالة ومتلقّ. الرسالة هي تلك الأفكار التي يعبّر عنها الكتاب والمتلقي هو كل قادر عى فتح قلبه على الكلام النابع من الوجدان.

واعتبر فضل الله أن الكتاب بين دفتيه قضايا شتى أدبية واجتماعية وتربوية، ويدخل في دقائق الحياة اليومية للفرد والأسرة والأصدقاء وما يعتري هذه القضايا من إشكاليات، وما يواجه هذه الحياة من مشكلات، تتطلب مقاربة حلولها العودة إلى الأصول التربوية المستندة إلى القيم الأخلاقية، وهذه من مسؤولية المجتمع بدءاً من الأسرة إلى المجتمع الأهلي وصولاً إلى الدولة ومؤسساتها.

وختم بالقول: نرى اليوم الحاجة ملحّة إلى منظومة القيم التي ينادي بها الكتاب، خصوصاً في ظلّ تفشي ظواهر تربوية وثقافية وفكرية أبعد ما يكون عن هذه القيم، وهي ظواهر تهدّد بنيان المجتمع وأحد مظاهرها الفجّة رفض الآخر وتكفيره، والادّعاء أن المنشأ، هو ثقافي وديني وفي ذلك أسوأ تشويه لمفهوم الثقافة، ولصورة الدين الناصعة.

واستهل فانوس كلامه بالقول: تبدأ «رؤى من القلب» من خبرة أستاذ تربويّ أمضى العمر في تعليم الناشئة وتربيتهم، هو المؤلف يوسف نور الدين وتنطلق إلى الوجود، عبر الكلمة، بإيعاز من عالم في الوجود الإنساني ومسارات روحانياته، هو المرجع الكبير السيد محمد حسين فضل الله. وهنا يلتقي، في هذه الرؤى أصلان عظيمان يتمثل أحدهما في الخبرة التربوية ويتجلى ثانيهما قي صفاء الرؤية الإنسانية.

وأضاف: تنهض رؤى نور الدين، كما يذكر في مقدّمة عمله، من جماليات اجتماعية مجبولة بالذات ومليئة بالإحساس وطافحة بالمشاعر وتتمظهر كتابة، وأيضاً وفاق لما يقوله صاحبها، بأجمل ما تمكن من التقاطه من كلمات وأفضل ما استطاع إمساك هذه الكلمات به من بلاغة… يدعو المؤلف نور الدين إلى محبة الوجود بكل ما فيه، وتتجلى هذه الدعوة بمحبة خالق الكون وما خلق، وزرع المحبة بين ناس هذا الكون فعل عطاء وفرح إغناء وبلسم معاناة… الدنيا في «الرؤى» عطاء واع يحقق أمانة الخالق في خلقه، ويؤكد أن الناس أهل للخير، حتى وإن سعوا إلى جفاء معه إذ لن يمكن لما هو خير إلا أن ينتج عنه الخير وإن طالت به العهود ونأت المسافات. هنا يقدم المؤلف نور الدين التواصل عبر المحبة المعطاء مفتاح طيبة مجتمعية باتت كبريتاً أحمر، في مجتمع متهالك على الكسب الأناني.

وختم بالقول: هي «رؤى من القلب» للمؤلف يوسف نور الدين، جهد صاحبها في إبرازها وعمل ما قدر عليه لحسن توجيهها وصاغ ما استلبته ذائقته الجمالية لتبليغها. هي رؤى من خبير تعليم وتربية منطلق بتشجيع من عالم علامة مفضال فهل تراه أصاب في ما نهد إليه من رؤاه وهل تراه وفي نفسه بما وعدها به قبل أن يعد متلقيه.

وتحدّث في الختام المؤلف نور الدين قائلاً: صفحات كتابي كانت عبارة عن كتابات تتناول حوادث متناثرة في الزمن، ومنتقّلة في المكان. وقد كانت انعكاساً لتجارب ذاتية، وتجارب الآخرين في أجواءٍ من التأمّل والاستعبار. لذا لم أجد لها من جامعٍ يجمعها، أو رابط يربطها. ولم يخطر في البال بدايةً أن تكون كتاباً موحّداً، أو سِفراً جامعاً، لها عنوان واحد، وتنضمّ إلى بعضها بين دفّتين. إلّا أنّني عندما جمعت صفحاتي، وتأمّلت في مجموعها المتنوّع، وما يرد فيها من أفكارٍ ورؤى وتطلّعات ووجهات نظر، وما يتجلّى من إنسانية متحرّكة في دروب المجتمع، ومن مشاعر منطلقة من نفوس تائقة للحياة، شعرتُ أنّه ليس من الترف، وليس من الذاتية، أن أسعى إلى أن يكون كلّ ذلك في كتاب، بل من الفرض والواجب أن تُحفظ وتُقدّم بطريقة سهلة الاطّلاع والتناول.

وأضاف: لذلك، كان الهدف الأساس من كتابي أن يتسنّى لمن يقرأه أو يطالع مقالاته أن يرى فيها شيئاً من معاناته، وبعضاً من تجاربه، فيعيش فيض مشاعره في الحياة، وعبق عواطفه في دروب الواقع. وليعاين في مفترقات الطرق، وعند تعقيدات الأمور، الانفعال المؤدّي إلى الانزلاق إلى كثير من المشكلات، سواء كان ذلك في الأسرة الواحدة، أو في بيئات العمل، أو في أي دائرة من دوائر المجتمع. كما كان إلى جانب ذلك، في هدفي من الكتاب، أن يعيش القارئ معي في تأمّلاته، ليكتشف جمال النفس في الآخرين، وقدرة العواطف والمشاعر والبوح بها على الوصول إلى قلوبهم وأعماق داخلهم.

لقد كانت صفحات كتابي عبارة عن مذكّرات لانطباعات اجتماعية، أو لحظات من الوجد في حوادث واقعيّة، أردتُ حفظها وإيصالها إلى القارئ والقارئة الكريمين، فوحّدتها بعنوان واحد، وربطتها بغلاف جامع، آملاً أن يجدا فيها ما أمِلتُ من الفائدة، وأن يعيشا بين طيّاتها ما رغبت من الأنس والمتعة.

فريد الأطرش

ومن ضمن نشاطات «دار الرمك» على هامش المعرض، نظّمت الدار و«منتدى أصدقاء فريد الأطرش» ندوة حول كتاب «فريد الأطرش العالمي نابغة عصره» لرئيس المنتدى المهندس محمود الأحمدية، شارك فيها كل من: الدكتورة نور سلمان، أمين عام اتحاد الكتّاب اللبنانيين الدكتور وجيه فانوس، العميد إيليا فرنسيس الصافي، الإعلامي السعودي علي فقندش، وقدمتها الإعلامية نهى الريس حاطوم، وسط حضور حاشد من متذوقي الموسيقى والمثقفين. وتمحورت الكلمات حول مقاربة مواضيع الكتاب وتقييم أبعاده وتفاصيله، والتي تتحدث عن عالمية الموسيقار الخالد فريد الأطرش.

كما شاركت غناءً فنانة «منتدى أصدقاء فريد الأطرش» المبدعة ساندي ريمون اللطي، التي قدّمت عدداً من الأغاني الخالدة للموسيقار فريد الأطرش والفنانة الخالدة أسمهان، وشارك عزفاً كل من الفنان أديب شعبان على العود والموسيقار مأمون ضو عزفاً على الكمان.

والكتاب يقع في أربعمئة صفحة، ويشكل مجلداً يوثق المحطات العالمية التي أبرزت فنّ فريد الأطرش، وأكّدت تميّزه وإبداعه عبر أكثر من سبعين حدثاً تاريخياً… ويسلّط الكتاب الضوء على التعتيم والظلم الذي واكب مسيرة فريد الأطرش خلال حياته وبعد رحيله بالوقائع والوثائق. متحدّثاً عن فريد الأطرش الإنسان الذي لا يقلّ شأناً عن فريد الأطرش الفنان.

وفي الكتاب أبحاث عدّة عن الخالدة أسمهان وأهمية وجودها بالنسبة إلى فريد، وبعد رحيلها وأثره على أخيها الموسيقار، إضافة إلى توثيق عميق لكافة المطربين والمطربات الذين لحّن لهم فريد الأطرش وعددهم ثلاثة وأربعون، ما يلغي المقولة إن لفريد لونه الخاص ولا أحد يستطيع غناء ألحانه.

كما تضمّن الكتاب قسماً خاصاً لكافة أغاني فريد الأطرش والأفلام التي مثّل فيها ولعب دور البطولة فيها. وأخيراً، قسم المقالات لزملاء المؤلف المهندس محمود الاحمدية عن فريد الاطرش وأسمهان، ومقالات عن فنانات «منتدى أصدقاء فريد الأطرش» وفنانيه.

«على ما أذكر»

وفي إطار نشاطات «النادي الثقافي العربي»، وبالتعاون مع «مركز PEN ـ لبنان»، نُظّمت قراءات أدبية ممسرحة بعنوان «على ما أذكر»، شارك فيها بسام أبو دياب، صبا كوراني، رويدا الغالي، وخليل الحاج علي، توليف وإخراج رويدا الغالي وأزياء بشارة عطا الله وحضرها حشد من المهتمين بالأدب.

والمسرحية توليفة لستّة روائيين أخذت من كل رواية مقطعاً، أوجدت المخرجة خطّاً يربطها ببعضها وهي: الهجرة، السفر، الحرب، الموت، ليتم تجسيد الكتاب في مشهدية رائعة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى