من حقنا أن نسأل؟!

د. سلوى الخليل الأمين

حين كانت سورية في لبنان كان الجميع على أبواب اللواء غازي كنعان في عنجر صفوفاً متراصة، سعيد الحظ من يحظى بالدخول والجلوس مع الحاكم الفرد ولو للحظات، حيث بعدها يتمّ التباهي بالقول: زرت اللواء وحدّثني بكذا وكذا، واتفقنا على كذا وكذا، وكله كذب ونفاق وتدجيل مرسوم من أجل اتخاذ رتبة ما في محراب الدولة العلية، ولتاريخه ما زال الأمر ذاته ساري المفعول لجهة القدرة المتمكّنة على بث الدعايات والشعارات الطنانة المغلّفة باستغباء الناس كلّ الناس، وللأسف البعض من الفئات المثقفة، التي هي عادة ركيزة المجتمعات الحضارية، حيث أهل العلم والمعرفة هم المخترعون والمفكرون والفلاسفة والأدباء والشعراء والموسيقيون والفنانون، وهم أسس الحضارة التكنولوجية والعلمية والمعرفية والفنية، التي ترفع الدول إلى المراتب العليا عبر التاريخ.

لهذا كان تاريخ الأزمان الماضية محظوظاً بحكام، لا يخافون أهل الفكر والمعرفة، بل جعلوهم ذوي حظوة لديهم، لهذا كانت الحضارة العربية التي أطلقت إلى العالم أجمع، حيث من خلالها نضجت حضارات الأمم التي نشهد تطوّرها اليوم عبر مدارات الكرة الأرضية.

ومن الأفضل المفاخرة بأبنائنا الذين أبدعوا في عالم الانتشار، ولم يستوعبهم الوطن، والسبب جهل الحكام في لبنان الذين عمدوا عن قصد، إلى تهجير النوابغ من أبناء الوطن بفضل سياسية الفرز الطائفي والحزبي، كي يبقى هذا الوطن مصاباً بالترهّل والكسل والإنكفاء عن ركب الحضارة العالمية. لهذا نجد أنّ كلّ ما فعله أهل السياسة الجدد في لبنان، أنهم أصبحوا من المتلقّين للأوامر السلطانية الخارجية، إنْ في عنجر ماضياً أو في إيران والسعودية حاضراً، مع الفرق الشاسع الذي يلحظه جميع اللبنانيين بين الأثنين من يصدرون الأوامر بخضوع تامّ للسياسة الأميركية المنسّقة والمتعاونة مع العدو الصهيوني، وبين من هو حليف في مقاومة العدو «الإسرائيلي»… إلى درجة أصبح كل مقاوم بشرف هو عدو لهؤلاء، الذين لا يبغون من الوطن سوى مصالحهم الخاصة، التي معيارها السلطة والمال دون حسيب أو رقيب، حين أنّ المتعارف عليه قانونياً ودستورياً أنّ الشعب، الذي أصبح قطيعاً يصفّق لمن ولي الأحكام حتى إنْ ظلم، هو مصدر السلطات!

لهذا لا يجوز التغاضي عن حالات القهر والظلم القابعة على صدور اللبنانيين منذ زمن الوصايات المتعدّدة، كما لا يجوز إسقاط حوليات الأهداف المخرّبة ومراميها الخبيثة، التي لا تلحظ المصلحة العليا للوطن والمواطن على حدّ سواء، بل الغاية واضحة وهي إزهاق الحق والحقيقة، واستغباء الناس كلّ الناس ما دام معظمهم يحسن البصم والتوقيع، حين تصدر القرارات من خارج الحدود.

لهذا ارتفعت الأصوات تهلّل للقرار المستجدّ، الآتي من خلف الحدود، المطعّم بألف مؤامرة لعينة تهدف إلى شقّ الصف الوطني، وبملايين الدولارات المنتظرة التي ستهبط في الجيوب من مال النفط، أيّ من ثروة، هي حقّ لكلّ مواطن لبناني يأمل بسداد الدين العام، وبسلسلة للرواتب منصفة تسحق غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، الذي جعل اللبنانيين بمعظمهم تحت خط الفقر، يعانون من ضيق ذات اليد، بل من إفلاس في الجيوب والكرامات، لا يسدّد سوى عبر التنازل عن المبادئ والقيم، التي تفجع الجميع بالخيانة والتخلي عن الكرامات، لمجرد أنّ المال هو الهدف، والمال تأتي به السلطة، والسلطة أمر سهل في لبنان، خصوصاً عند من اعتلى سدّتها، ممّن عرفوا أهمية شطب معايير القيم الوطنية والقومية والعربية من أجل المصالح الذاتية، التي تؤدّي في نهاية المطاف إلى ترسيخ الزعامة الفئوية والمناطقية والمذهبية البغيضة.

لهذا بات كلّ لبناني يشعر بأنه في عهد الجاهلية والبربرية الأولى، حين كان الغزو والقرصنة مقياس القوة والسيطرة والاستعباد والاستبداد، علماً أننا في عصر العولمة والألفية الثالثة، أيّ في زمن الانفتاح الكوني، الذي جعل الجيل الجديد، الذي هو جيل المستقبل الآتي، باحثاً ومطلعاً ومتابعاً وواعياً لكلّ ما يُحاك ويدبّر في ليل خفي، حيث المعلومات تتسرّب بسرعة البرق وتصبح في متناول الجميع مهما أحيطت بالسرية التامة المتمدّدة على المسافات المتشعّبة، بحيث فاحت روائح اتفاقيات السمسرات، التي تمّت في الخفاء، من أجل تسويق مقام رئاسة الجمهورية اللبنانية في هذا الوقت بالذات، والهدف الواضح من الصفقة المشروطة هو التعاون من أجل نهب الثروة النفطية، على طريقة: «بعد حشيشي ما ينبت حشيش»!

السؤال المطروح بدقة من قبل الفئات الوطنية التي لم تهاجر ولم تتاجر ولم ترث من الدولة أموالاً وشركات ومؤسسات نظمت بدقة في كتاب: الحاكم بأمر الله، الذي أصبح بيد الجميع، علماً أنّ المعلومات الواردة بين دفتيه والتي حذفت أيضاً بناء لسلطة متمكّنة، أصبحت معروفة ومعلومة من الشعب اللبناني برمّته، والتعمية ليست في محلها، لهذا لن يتمكّنوا من إخفاء المستور، لأنّ أبعاد الحدث المستجدّ الذي في أعقاب إطلاقه انقطع بث قناة «المنار» التلفزيوني عن القمر «عربسات»، وهذا الفعل بداية الغيث المنتظر، الذي ستتبعه ملحقات تنسرح بأسلوب ناعم، لكنه خطير جداً، إنْ لم ينتبه الآخرون، الذين يتمّ الرهان عليهم، لإيقاف هذه المهزلة التي تصبّ في ساحة المؤامرة الكونية العظمى على سورية، وحالياً على لبنان.

لهذا من حق كلّ لبناني مدرك وواع استدراك ما يحدث وتعميم التحذير، بل من حق كلّ مواطن لبناني حسب الدستور والقوانين المرعية الإجراء أن يحاسب ويطالب ويدّعي وإنْ بالقول: يا سادة الوطن من أين لكم ما في جيوبكم وخزائنكم، وأنتم لم ترثوا سوى ما هو معلوم لدى الجميع من آبائكم النجب؟ بل كيف يحقّ لكم تعطيل استخراج النفط غلى حين اكتمال سلسلة التضامن والتكافل الهادف إلى توزيع حصص النهب والسلب، علما انّ الثروة النفطية هي حق لكلّ مواطن لبناني يريد الوطن وطناً وليس غابة للوحوش الكاسرة؟ ثم كيف للمدّعين الحرص على الوطن والشعب، ولبنان كما هو معروف ومكتوب ذو نظام برلماني ديمقراطي، أن ينتظروا المنّ والسلوى من الخارج من أجل انتخاب رئيس للجمهورية العتيدة؟ ثم كيف لا يحق للشعب انتخاب الرئيس العتيد على أساس مشروع إصلاحي وليس على أساس: شو بيطلعلي؟ ثم هل العودة غلى حكم العشيرة والقبيلة ما زال مقبولاً لبناء الدولة اللبنانية الحديثة التي ستواكب المرحلة المقبلة في المنطقة؟ ثم من خوّل البعض استغباء عقول اللبنانيين، بحيث من ليس معنا ويؤيدنا فهو ضدّ لبنان الوطن، الذي ما زال صامداً بقوة مواطنيه الشرفاء والأنقياء؟ هؤلاء الذين ما زالوا يحمونه بأشفار العيون وبمداد أقلامهم وحرية ضمائرهم ووفائهم لدستوره، الذي أعطى كلّ لبناني الحق بأن يحصل حسب قدرته وكفاءته على المركز المناسب له في الإدارة اللبنانية من أجل خدمة الوطن؟ ثم لماذا يحق لفئة قليلة التنعّم والاستمتاع بهواء الوطن وأحضان الأمهات، فيما الآخرون أبناؤهم في الغربة، ينتجون نجاحات متميّزة ومبدعة؟ أليس وطنهم أحق بهم؟ حبّذا لو كان همّ الحاكم استغلال هذه الطاقات البشرية من أجل قيامة الوطن وإصلاحه، وتغييره إلى الأحسن بل إلى الأفضل.

أقول هذا الكلام، ليس من منطلق التصدّي لأحد، بل من منطلق الهمّ الوطني الذي ما زال يسكن العقول والضمائر، وينسرح وشوشات قد ترتفع ضجيجاً مقلقاً بل متفجّراً، إذا لم يتمّ استدراك الأمر الآتي إلينا على خيوط حريرية الملمس، مبطنة بالسمّ الزعاف الذي يتسلل ببطء إلى جسد الوطن كي يميته ببطء.

ترى هل يدرك المسؤول في الوطن ما يُقال في المجالس المختلفة؟! حتماً لا، لأنهم تعوّدوا على وشوشات المحظيّين في البلاط، الذين لا يمكن لهم أن يتلمّسوا أحاسيس الناس كلّ الناس، ثم من أفتى للمسؤول في لبنان بأن يبتعد عن الشعب وهمومه، وهذا ماثل في الشوارع والطرقات المغلقة، التي يحظر على أيّ كان تخطيها، علما أنّ الحاكم العادل هو الذي يقرأ التاريخ ويأخذ منه العبر، حين القول من رسول الروم للخليفة الفاروق عمر بن الخطاب حين رآه نائماً في الفلاة تحت جذع نخلة: عدلت فأمنت فنمت. لهذا كان الأجدى محاورة الناس بمختلف فئاتهم وطبقاتهم وتنوّع اختصاصاتهم، التي التحقت بركب الحراك الوطني مستنكرة وشاجبة بل شتامة في أكثر الأحيان، وهذا يعيد رسم صورة الثورة الفرنسية والبولشفية وغيرها من الثورات العالمية التي غيّرت مجرى التاريخ. لهذا لا تستغربوا أن نقول للمسؤول عله يسمع: من حقنا توجيه السؤال، الذي هو جرس إنذار مبكر.

رئيسة ديوان أهل القلم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى