أيُّ لبنان في «الحلف السعودي الإسلامي»؟!

هاني الحلبي

وأخيراً شرب «لبنان» حليب السباع، مُكرَهاً، أو ربّما حليب النوق السعودية، مرغَماً بسلطة الوصاية، ودخَل «الوغى»… قتالاً ضدّ «الإرهاب» ! ، كما صنّفته مملكة آل سعود في اليمن!

ولا شكّ في أنّ وليّ وليّ عهدهم، لم يستأذن المجلس النيابي اللبناني، ليضع اسم لبنان في قائمة الدول الأعضاء، بل ربما شاور سراً أقطاباً في الحكومة وخارجها، لكنّهم لا يرفضون لولي نعمتهم طلباً ولا يجرؤون على إعلان موقفهم، سلباً ام إيجاباً، فيتركون الفضيحة تعلن عن نفسها! وربّما وجد وليّ وليّ النعمة طريقة ديمقراطية بلدية، «أهليّة بمحليّة»، فبما أنّ «زعيم الأكثرية النيابية» السعودية في برلمان بيروت الرئيس سعد الحريري مواطنٌ سعوديٌّ وقطبٌ أمنيٌّ سعودي، لماذا لا «يقوطب» على الشكليات البرلمانية اللبنانية التي طالما كانت تركّب المملكة السعودية، وجارتها إمارة قطر، أذنَ جرّتها حيثما تشاءان.. وتأتيان بمن تشاءان، وتشحنان لبنان بسياسيّيه وطوائفه وقادته الميامين المتناحرين إلى خِيَم فنادقهما الفاخرة لـ«تحطّ على عيونهم» وتطعم أفواههم فيوقّعون إرادتها الملكية والأميرية طائعين فيبلعون ألسنتهم الإصلاحية عن قانون انتخاب لهجوا به عقوداً، لنعود إلى الستين اللعين!!

وبلمح البصر، وكما قيل بعد مشاورات خلال 72 ساعة فقط بالتمام والكمال، فجر أمس، تمّ شراء موافقة 35 دولة عربية وإسلامية، كانت أخيرتها أوغندا عرفتم أية دولة عظمى أقصد ، بينما عشر دول أخرى، منها كبيرة دول المسلمين أندونيسيا، تنتظر بـ«الطابور» ليُفسَح لها مقعد في حلف «الانتصار» حزم 2 ، على الطريقة السعودية، بعد «نجاح» «حزمها» الأول في اليمن، الذي استعجل الوساطات للموافقة على التفاوض ووقف إطلاق نار!! لكن النار ربما، لن تتوقف في اليمن و«توشكا» عدة تتأهب إلى أهدافها قدراً يمنياً وقضاء حاسماً على إرهاب مستقوٍ بالمال والعتو والكثرة المذهبية وبـ»بلاك ووتر» ومتقاعديها! فنرى أيّ حزم بعدها يحزمون!

«الحلف السعودي الإسلامي» هو الخفّة السعودية المطلقة! وسرّه شراء الرياض غطاء دولياً لهزيمة تهرب تحته إلى الأمام فتقسم العالم الإسلامي حول جنونها، وبالضبط تشنّ حرباً مذهبية تحت بردعة حرب ضدّ «إرهاب» اخترعته! أمَا آن لورقة التوت هذه أن تكشف عري ممالك وإمارات ودول المكابرة والرمال والخفّة التي فضحتها التجارب والمواقف والقرارات الخاطئة، فدمّرت 4 دول عربية وخاضت في دم أبنائها ودمار عمرانها وإبادة قراها ومدنها وفاض طوفان فقرائها مشرّدين ولاجئين حتى طما العالم واستصرخ الأخيار!

حشدت السعودية، 35 دولة، وقد تصبح 45 دولة، وأكثر، ولكن كيف؟ ولماذا؟ وإذا كانت في حربها على اليمن قاربت الإفلاس فناهزت كلفتها الحالية 250 مليار دولار فأفقرت مؤسسات حلفائها في لبنان ومضت أشهر ستة، وبعضها سنة، لم يدفع حقوق الموظفين وتعب عيونهم، بل بدأ مصرفُهم المدلل بوضع اليد على أملاكهم بعد تخلّف المقترضين منه عن دفع أقساط قروضهم، فكيف يكون الحال في ما تعزم عليه السعودية من «تحرير» سورية وإيران من أهلهما ودفع «الغزو» الروسي بعيداً من «دار الإسلام» خلف جبال القفقاس الإسلامية؟

وحيث كان تشكيل هذا «الحلف السعودي الإسلامي» العجول خاطفاً، فلم يهتمّ بمطالعة تاريخ تشكيل الأحلاف والكتل الدولية أنها تتدرّج وتبنى لبنة لبنة، مرحلة مرحلة، تبدأ بتوسيع المصالح الحيوية المشتركة بين الأعضاء لتصبح عضويتهم في حلف حياة تحصيلاً حاصلاً وليس عملية قسرية. فعشر سنوات استغرقت معاهدة الحديد والصلب لتشكل سوقاً أوروبية مشتركة في العام 1957، ومضت عقود تتطوّر وتعدّل وتمتّن وتقوّى حتى مطلع الألفية الثالثة فأصبحت اتحاداً أوروبياً. ولما يكتمل بعد. فيتوسّع ويقوّى وفيه الكثير من هنات الضعف. ما زال قوة تابعة للولايات المتحدة لا تقدر أن تبني حلفها المستقلّ وتنفض عنها بردعة الأطلسي لتفرض سياسة دولية أوروبية مستقلة على الواقع الدولي، وواقع الصراع الدولي الحاد حالياً.

وتشكيل هذا «الحلف السعودي الإسلامي»، بعد «نجاح» تجربة «الحزم» ضدّ اليمن، كما قال بيان الإعلان بلسان ولي ولي العهد، فجر امس… ومَن يعلم كيف نجح هذا الحزم وفي ماذا نجح؟ هل دمّر «أنصار الله» وحلفاؤهم؟ هل أضعفهم؟ هل طردهم خارج حدود اليمن؟ هل أتى بهم، هذا الحزم، صاغرين غلى تسوية مذلة؟ أم ماذا؟ بل هو مضطر هذا الحزم نفسه، الذي لا يستطيع أن يحمي وزراء دفاعه ولا أبناء أمرائه، ولا ضباطه الكبار، أن يجلس مطأطئ الجبين امام «أنصار الله» وحلفائهم للبحث في مجرد وقف إطلاق نار. وبحثه عسير وشائك، لأنه يخوض مع قوة مجرّبة.

فهل أرشدنا، ولي ولي عهدهم، دام فضله، كيف تمّ تحديد الإرهاب، الذي قال إنهم سيحاربونه؟ وما هي معاييره لنستدلّ بها إليه؟ ومَن هو العدو المحظوظ بعداوتهم ومَن هو الصديق المبتلي ببلائها؟ وما هي عقيدة هذا التحالف، ما شاء الله، وما هي آلياته ووثائقه التأسيسية وهيئاته التنظيمية؟

وقال أيضاً، إنهم استوحوا الشريعة السمحاء التي تحرّم العدوان.. كيف استوحاها الآن ولم يستوحها قبلاً في حربه على اليمن؟ أم أنّ حربهم على اليمن كانت بمقتضى «الشريعة السمحاء» تلك؟ أم أنها كانت معطلة عن التشغيل حينذاك.. أليس تدمير اليمن، تدمير بلد جار شقيق، يمكن أن تجمع بينه وبين السعودية كلمة سواء، كما تجمع بينها وبين إيران كلمة سواء كذلك؟ أية «شريعة سمحاء» تلك توزع نِعَمَ بغضائها وكبتاغونها وفسادها في العالم كله؟ أما إذا كان المقصود بـ«الشريعة السمحاء» هو الإسلام، فحاشا لدين سمح مثله أن يقول بالذبح والقتل، دين يعتبر مَن قتل نفساً كمَن قتل الناس جميعاً، لا يقبل بالقَتَلة في رابطة الإيمان، فما حكمه بمَن دمّر بلاد العرب ويستعدّ لتدمير بلاد العجم؟

وإنْ كان «الحلف السعودي الإسلامي» حلفاً إسلامياً حقاً، فلماذا لم يتمّ التشاور مع إيران وسورية.. وكذلك الجزائر، وباقي الدول الإسلامية؟

«الحلف السعودي الإسلامي»… شرارة حرب مذهبية بدأت… ونهايتها عالمٌ جديدٌ.

حذارِ.. ربّما لن تكون فيه مئذنة يُكبّر مؤمنٌ منها لله!

ناشر موقع حرمون

www.haramoon.org gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى