2015: نهاية معركة دمشق وساعات الصفر
عامر نعيم الياس
لم يَعِشْ سكان العاصمة السورية طمأنينة توازي هذه الأيام التي يخْتم بها عام 2015 مشواره الطويل المثقل بالدماء والقلق والأزمات المعيشية والأمنية المتعدّدة التي تمرّ بها البلاد.
تخرج دمشق بشكل شبه نهائي من دائرة حساب القوى الإقليمية والدولية والمجموعات الإسلامية العميلة المرتبطة بهما. فالمعركة الموعودة للهجوم على العاصمة السورية باتت طيّ النسيان، ولم يعد التفكير بها وارداً بعد أن قلب التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية الطاولة على رأس كلّ مَن راهن على هجوم دمشق ومعركتها لإنهاء الحرب في سورية لمصلحة التحالف المعادي للدولة السورية، حتى أنّ بعض المعلومات والتسريبات الإعلامية أشارت بوضوح إلى أنّ قرار التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية جاء بناءً على معطيات وتقاطع معلومات إقليمي توافر لدى الكرملين من وجود خطة محضّرة ومقرّة لمهاجمة العاصمة دمشق وخلط الأوراق على مقربة من قصر الأمويين.
إنّ المؤشرات على خروج دمشق من المعركة بشكل شبه كامل يمكن حصرها بالتالي:
ـ الاتفاق على خروج إرهابيّي «النصرة» و»داعش» من مخيم اليرموك والحجر الأسود باتجاه الرقة وإدلب، كلٌّ إلى مناطق نفوذه. هذا الاتفاق الذي توقَّف إثر مقتل زهران علوش في أوتايا في الغوطة الشرقية، يحمل في طياته الدليل الأهمّ على الوضع الصعب الذي تعيشه المجموعات الإرهابية المسلّحة في محيط العاصمة دمشق، والذي دفع أكثر التنظيمات تشدّداً وعقائدية وأكثرها قوةً في الميدان السوري إلى طلب الانسحاب من جنوب دمشق، هنا أيضاً يمكن سحب قرار الانسحاب من مخيمي اليرموك والحجر الأسود الواقعين في جنوب دمشق على الوضع المتراجع في درعا للتنظيمات الإرهابية كافة والمتواجدة فيها والتي تقترب هي الأخرى من الإقرار باستحالة الرهان على خرق في بوابة دمشق الجنوبية أو محاولة تغيير التوازن الميداني فيها.
ـ مقتل زهران علوش الذي سيخلط الأوراق في وضعية الجماعات المسلحة المحسوبة على الاعتدال الأميركي السعودي في محيط دمشق، فتنظيم «جيش الإسلام» بعد مقتل علوش مقبلٌ على مرحلة جديدة من التفتت والانقسام والخلافات والمواجهات مع الفصائل الأخرى والتي ستنزع من الفصيل الأقوى في الغوطة الشرقية ثقله العددي لمصلحة تنظيمات إرهابية أخرى أكثر تشدّداً وموضوعة على لائحة التنظيمات الإرهابية التي لا تزال القوى الكبرى تتفاوض عليها من أجل تحديد مناطق وقف إطلاق النار، وبالتالي فإنّ التغيّر في مناطق تموضع المتشدّدين في الغوطة الشرقية، وفق التعريف الأممي سيجعل من هذه المناطق خارج وقف إطلاق النار المنوي فرضه بالتوازي مع بدء العملية السياسية في سورية، وهو ما يضيف ضغطاً إضافياً على الإرهاب في محيط دمشق ويغيّر أولويات الجماعات الإرهابية في محيط العاصمة السورية.
ـ ما جرى يوم أمس في الزبداني المدخل الغربي لمدينة دمشق برعاية إقليمية وأممية، وخروج الإرهابيّين منها باتجاه لبنان ومنه إلى تركيا، يُنهي أحد أهمّ التهديدات على أحد مداخل العاصمة وأحد شرايينها المتمثل بطريق دمشق بيروت الدولي.
ـ تسريع المصالحات المحلية في محيط دمشق وفق النمط الذي تمّ إرساؤه في مصالحة حيّي القابون وبرزة، وذلك بعد استكمال خروج إرهابيّي «النصرة» و»داعش» من بعض المناطق في جنوب العاصمة.
تخرج دمشق من المعادلة الدولية والإقليمية للصراع في سورية وحولها، وهو ما يؤشر إلى طبيعة المرحلة المقبلة والتي ستشهد من دمشق بداية مسار دبلوماسي وآخر أمني يهدف إلى التطبيع مع دمشق الرسمية، فيما ساعات الصفر ذهبت مع رياح موسكو إلى غير رجعة.
كاتب ومترجم سوري