التوتر في العلاقات الإيرانية ـ السعودية إلى مستوى غير مسبوق…
عبير الأيوبي
يبدو أنّ المملكة العربية السعودية وبعد خسارتها الثقيلة في الملفات المفتوحة على الأرض بينها وبين إيران دفعها الى تبني سياسة تصعيدية انتقامية بإعدامها الشيخ نمر باقر النمر قبل أيام والذي اعتبرته طهران خطأ سياسياً.
مما لا شك فيه أنّ إعدام الشيخ النمر ونتيجة التطورات خلال الأيام الماضية جسّد التوتر بين البلدين بأبلغ صوره، فقد أعلنت السعودية على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، ودعت الرياض أفراد بعثتها الدبلوماسية إلى مغادرة إيران.
وقال الجبير إنّ بلاده ستقطع علاقاتها مع إيران، على خلفية الهجوم على سفارة السعودية في طهران وموقف الجمهورية الاسلامية إثر اعدام الرياض لرجل الدين الشيعي نمر النمر.
الجبير وخلال مؤتمر صحافي أكد أنّ السعودية تعلن «قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وتطلب مغادرة جميع أفراد البعثة الدبلوماسية الإيرانية خلال 48 ساعة».
ورأى وزير الخارجية السعودي أنّ الاعتداء على السفارة في طهران والقنصلية في مدينة مشهد، يشكل «انتهاكاً صارخاً لكافة الاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات الدولية».
وكان متظاهرون هاجموا مساء السبت مبنى السفارة السعودية في طهران وأحرقوه، وذلك تعبيراً عن غضبهم إثر إعدام الرياض الشيخ النمر.
وتعرّضت القنصلية السعودية في مدينة مشهد في شمال شرق إيران لهجوم مماثل.
وغداة إعلان المملكة قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، اتخذت البحرين إجراء مماثلاً، بينما أعلن السودان طرد السفير الإيراني، واستدعت الإمارات سفيرها في طهران. وأضيف الى هذه الخطوات، الإعلان عن اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب الأحد المقبل.
وأثار إعدام الشيخ نمر غضباً عارماً في إيران، واعتبر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي أنّ السعودية ستواجه «النقمة الالهية» جراء قيامها بذلك.
ودعا خامنئي «العالم الاسلامي والعالم برمّته إلى أن يتحمّل المسؤولية تجاه هذه القضية».
فيما دعا النائب الأول للرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري السعودية إلى الابتعاد عن السياسات المتسرّعة وغير المنطقية واعتبر أنّ السعودية هي المتضرّر من قطع علاقتها مع إيران، وقال إنّ طهران تتبع سياسة ضبط النفس داعياً السعودية إلى العمل بالمثل.
المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية حسين جابر أنصاري اتهم بدوره السعودية بدعم التيارات الإرهابية داخل الأراضي الإيرانية، إلى جانب دعمها للجماعات التكفيرية في المنطقة، كما قال. وأشار أنصاري في مؤتمره الصحافي الأسبوعي في طهران إلى أنّ المجتمع الدولي لن يسمح للسعودية بمواصلة سياسة إثارة التوتر والأزمات في المنطقة.
واعتبر أنصاري أنّ قطع الرياض علاقاتها مع طهران هو لتغطية مشاكل داخلية، مؤكداً التزام إيران بحماية البعثات الدبلوماسية الأجنبية العاملة في البلاد.
الخارجية الإيرانية اعتبرت أنّ السعودية استغلت الهجوم على سفارتها في طهران كمبرّرٍ لإثارة المزيد من التوترات، وأضافت أنّ الرياض تصعّد «التوتر والمواجهات في المنطقة».
وكشف أنصاري عن أنّ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أجرى العديد من المحادثات الهاتفية الأحد مع عدد من وزراء خارجية البلدان العربية.
واعتبر أنّ الحكومة السعودية بعد حادثة منى كانت تبحث عن إثارة أزمة أخرى، وهي تعتمد سياسة إثارة الأزمات الواحدة تلو الأخرى.
وقال: «سياسة الحكومة السعودية غير ناضجة وغير منطقية وتعتمد المنطق الجاهلي والبدوي وهذه السياسة لن تؤدّي إلا إلى الهزيمة تلو الهزيمة للسعودية».
هذه التطورات دفعت موسكو وعبر بيان لوزارة الخارجية لإبداء استعدادها للتوسط لحلّ الخلاف بين إيران والسعودية الذي تصاعد عقب إعدام الرياض للشيخ نمر النمر.
فيما بادر وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالاتصال بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف لبحث آخر التطورات المتعلقة بالعلاقات السعودية – الإيرانية، عقب تصاعد التوتر فيها.
ودَعت الولايات المتحدة قادة المنطقة إلى القيام بخطواتٍ لتهدئة التوتر عقب القرار السعوديّ بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران.
وقال المتحدث باسم الوزارة جون كيربي إنّ الحوار الدبلوماسي والمحادثات المباشرة هي الأدوات الأساسية لحلّ الخلافات.
وأضاف إنّ بلاده سوف تواصل حضّ قادة المنطقة على القيام بخطواتٍ إيجابيةٍ لتهدئة التوتر.
نصرالله: الدماء المسفوكة ستكتب نهاية نظام آل سعود
شنّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله هجوماً عنيفاً على النظام السعودي واصفاً إياه بمنشأ الفكر التكفيري الذي يدمّر ويقتل شعوب العالم ويرأس الإرهاب.
موقف السيد نصرالله جاء في كلمة خصّص جزءاً كبيراً منها لإعدام الشيخ نمر النمر الذي وصفه برجل الإصلاح صاحب المسار السلمي الذي كان يطالب بحق شعب شبه الجزيرة العربية في اختيار قادته والحصول على ثروات بلاده، معتبراً أنّ إعدامه «حادثة مهولة وضخمة جداً لا يمكن الاستخفاف بها».
واعتبر السيد نصرالله أنّ الرهان على تعقّل النظام السعودي والحوار معه سقط، مشيراً إلى أنّ «الدماء المسفوكة ستكتب نهاية نظام آل سعود وأنّ ملامح هذه النهاية بدأت تلوح في الأفق».
وقال السيد نصرالله إنّ «دماء الشيخ النمر ستلطخ وجوه وأجساد آل سعود وستظلّ تلاحقهم» معتبراً «أنّ رسالة النظام السعودي من خلال إقدامه على إعدام الشيخ النمر للعالم العربي والإسلامي هي أنّ من ينتقد هذا النظام سيسفك دمه، وأنه مصرّ على طريق القتال الذي لا مكان فيه للحوار والتعقل»، مشيراً إلى الحرب في اليمن التي يُراد من خلالها «تدمير اليمن وشعبه فقط لأنّ هناك من رفض الخضوع للنظام السعودي».
الأمين العام لحزب الله حذر من الانجرار إلى فتنة سنية ـ شيعية، داعياً إلى التفرقة بين النظام السعودي وبين أهل السنة والجماعة، واعتبر أنّ «الذهاب إلى فتنة سنية شيعية خيانة لدماء الشيخ النمر وخدمة لقتلته» متهماً السعودية بأنها توغل في الفتنة وتدفع بها إلى مديات خطيرة.
اغتيال الشيخ النمر أرخى بظلاله على الملفات الإقليمية الساخنة… والذي ترافق مع خطوات سعودية خطيرة منها إنهاء الهدنة في اليمن والإعلان عن تحالف استراتيجي مع تركيا، والذي يأتي مع خسارتها في ملفي اليمن وسورية اللذين تورّطت فيهما، وقبل مؤتمر جنيف السوري، ناهيك عن الضربة القاسية التي تلقتها في الميدان السوري بمقتل قائد «جيش الإسلام» زهران علوش، وفشل حلفاء الرياض في الغوطة والجنوب السوري، بالوصول إلى دمشق، والذي ترافق مع فشل مطابق آخر في الشمال السوري بخسارة تركيا مآلها بالحصول على منطقة آمنة.
الرياض بهذا الاغتيال أرسلت إشارات واضحة بشأن مضيّها في التصعيد داخلياً وإقليمياً، وكلّ الملفات مرتبطة ببعضها بعضاً والتسويات الإقليمية مهدّدة ما لم تتدخل موسكو وواشنطن لكبح تدهور التسويات السياسية.