رياح الحرب الشمالية
وليد زيتوني
تبنى عادة توقعات الحرب، على أساس قدرات الأطراف ومصالحها والتحالفات وجديتها. كما تبنى على قاعدة مندرجات وضوابط القانون الدولي ومن ضمنه المعاهدات الناظمة للعلاقات بين الدول في مسائل الحدود ومسالك الحرب والسلم، بما فيها برتوكولات استخدام الأسلحة التقليدية وغير التقليدية. فهي بهذا المعنى ليست مزاجاً لحاكم، أو حقداً دفيناً يتفجّر في لحظة تخلّ كما يخيّل للبعض من ملوك وأمراء ورؤساء.
وأنّ نتائج أية حرب ترتبط بمجريات الحرب نفسها والإمكانيات المتاحة وديمومتها والتبدّلات الحاصلة على مصالح الحلفاء والقدرة على صمود الجيوش والمناخ الشعبي المواكب والرأي العام الشعبي العالمي والمحلي.
مناسبة هذا الكلام، أنه يأتي في جوّ ملبّد بتصريحات سعودية وتركية وردود مواجهة بعد الانتصارات الساحقة التي حققها الجيش السوري على الجبهتين الشمالية والجنوبية بمواجهة عصابات التحالف الدولي التي تقاتل بالوكالة عن جيوشه الأصيلة، رغم امتلاك هذه العصابات كل مقدّرات الجيوش النظامية البرية، من تنظيم وأسلحة وعديد واتصالات متقدّمة وغرف عمليات حديثة للسيطرة والمراقبة يديرها ضباط واختصاصيون من الدول المشاركة نفسها. بل يمكن القول إنّ هذه العصابات تتفوّق بالقدرة القتالية كمّاً ونوعاً على دول مثل السعودية التي ظهرت هشاشتها في الحرب اليمنية مع امتلاك التحالف الوهابي التفوّق الجوي والبحري وأسلحة برية أكثر تطوراً وحداثة.
تقوم التصريحات السعودية العنترية على ثلاثة مقومات أساسية: أولاً، إنّ تحالفاتها السياسية والعسكرية المدعومة بالبترودولار ستؤمّن لها القدرة لتشكيل جيوش حديثة ومتنوّعة تنفذ رغباتها بالحرب على سورية. ثانياً، إنّ باستطاعتها فتح جبهات متعدّدة إنْ من الشمال التركي أو من الجنوب الأردني أو الغرب اللبناني، وبالتالي فإنّ حكومات هذه الدول لا بدّ خاضعة للتمنيات السعودية. ثالثاً، تمنّي السعودية نفسها، وفي لحظة ما تجيير نفوذها ومساهماتها المالية مع باكستان، لاستخدام القنبلة الذرية «الإسلامية» كخيار أخير في هذه الحرب. وقد صرّحت مراراً وتكراراً عن مفاوضات بهذا الشأن، رغم الاستحالة التقنية بذلك.
طبعاً، لم تأخذ السعودية بعين الاعتبار في خياراتها المسائل التالية: أولاً، إن للدول المتحالفة معها حساباتها الخاصة داخلياً ومصالحها الخارجية، وإنّ تحالفات الحرب وحساباتها هي غيرها في السلم. وإنه من المستحيل إسقاط المصالح الذاتية لهذه الدول لمصلحة مزاج أو حتى دول أخرى. ثانياً، إنّ الدول التي تستهدفها كقواعد انطلاق لهجومها غير آمنة لتحشيد هذه الجيوش من الناحية العسكرية، فهي دول منقسمة على نفسها استناداً إلى معسكرَي الصراع. بل جلّ ما تستطيعه السعودية هو نقل الحرب إلى هذه الدول وما يترتب عليها من نتائج قبل البدء بحربها التي تستهدفها. ثالثاً، يستحيل عملياً وواقعياً استخدام السلاح النووي الباكستاني البدائي نسبياً في مواجهة دولة نووية متقدّمة مثل الاتحاد الروسي، والتي تمتلك قدرات حرب عالمية. بالإضافة إلى أنّ الولايات المتحدة ليست بوارد خوض حرب عالمية نووية مهما كانت النتائج المادية التي ستحصدها من هذه الحرب تبعاً لحساباتها الخاصة.
استناداً إلى ما تقدّم من ضوابط دولية وعملية، ليس أمام السعودية وحلفائها الدوليين والإقليميين، إلا دفع الأموال لشراء مرتزقة واعتماد شركات أمنية، وهو النهج الذي استخدمته منذ بداية الأزمة السورية غير أنّ هذا النهج لم يُجدِ نفعاً ولن يغيّر المعادلة القائمة الآن، بل سينعكس انهياراً شاملاً على كلّ الدول المستمرّة بدعمه.
الانتصارات التي حققها الجيش السوري شمالاً مع القوى المساندة والحلفاء ستبقي الرياح الشمالية باردة، مهما حاولت أن تغزوها رياح الخماسين الصحراوية. إنّ الستاتيكو الدولي سيلجم الحراك الإقليمي بحدوده الضيقة، وبالتالي فإنّ مراجعة لحساب المصالح تجري الآن على قدمٍ وساق.