عندما تتلاعب أميركا بالحلفاء…

جمال محسن العفلق

في الاجتماع الشهير بين السفيرة الأميركية في العراق «ابريل غلاسبي» والرئيس العراقي صدام حسين قبيل الغزو العراقي للكويت قالت السفيرة حينها لصدام إنّ أميركا لا تتدخل في هذا الشأن العربي الخاص، وبعدها كان الغزو ونتائجه التي ما زلنا ندفع ثمنها حتى اليوم، ففي ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة تدّعي الحياد، أو أنها كانت على حياد بالفعل، ولكن ما حدث بعد الغزو والسرعة التي تمّ فيها اتخاذ القرارات الدولية والعربية وحرب تحرير الكويت ومن ثم حرب احتلال بغداد، دليل قاطع على أنّ أميركا في ذلك الوقت لم تكن بعيدة عن اللعبة انْ لم تكن المحرك لها.

اليوم وبعد ربع قرن على ذلك اللقاء نجد السيناريو الأميركي يتكرّر ولكن بشكل آخر، فبين التصريحات الدبلوماسية واللقاءات الثنائية التي تجريها الولايات المتحدة مع حلفاء لها في المنطقة نجد التناقض الغريب، فمن جهة تدّعي أميركا وعلى لسان وزير خارجيتها أنّ الحلّ السلمي ممكن في سورية ولكن هناك الخطة ب والتي تشمل بنداً عسكرياً يتيح التدخل البري لمحاربة الجيش السوري تحت غطاء محاربة خطر «داعش»، في وقت ينفخ فيه حليفا أميركا أبواق الحرب والدخول البري، حتى أصبحت افتتاحية أيّ كلمة او تصريح لكلّ من وزيري خارجية تركيا والسعودية تبدأ بعبارة الدخول البري ومحاربة داعش ودعم الثوار .

قد تكون هذه لعبة ادوار حيث يتحدّث الأصل عن حوار ولكن الفرع التابع يتحدّث عن حرب وشيكة، وهذا من باب الاستثمار السياسي والضغط على السوريين والروس والإيرانيين، والقول إننا مع الحوار ولكن لدينا شركاء يريدون الحلّ العسكري، وهذا جائز في أيّ مفاوضات، خصوصاً أنّ ما يُسمّى معارضة سورية لم تستطع لمّ شملها أو الاتفاق على أولويات الحوار، عدا عن الخسائر الكبيرة في الميدان، حيث لا مكان للمعارضة المسلحة وخصوصاً في الشمال حتى حدود تركيا، وفي الجنوب على الحدود مع الأردن وفلسطين المحتلة، بعد تقييد حركة تلك الجماعات وخسارة أراض ونقاط كان من الممكن أن تكون ورقة ضغط للتفاوض.

أما الجانب الآخر، فقد يكون ما قامت به السفيرة الأميركية منذ ربع قرن في بغداد، تُعاد صياغته اليوم مع الرياض وأنقرة حيث يعطى الضوء الأخضر ويتلقى صقور الحرب تطمينات بالدعم اللوجستي والحماية الدولية، وهذا أمر ممكن، ولكن ماذا لو كان خلف هذا الأمر لعبة توريط للدولتين؟

فمن الناحية العسكرية تستطيع تركيا الدخول البري من خلال حدودها الطويلة مع سورية، ولكن هل ستتمكن من البقاء أو تحقيق شيء؟ هذا أمر مرتبط بأشياء كثيرة أولها القبول الشعبي السوري لهذا التدخل، فهل تمتلك تركيا هذا القبول بين السوريين وخصوصاً اليوم؟ بالتأكيد لا يمكن أن يقبل شعب بدولة احتلال وهذا سيؤدّي بالنهاية الى حرب طويلة ستدفع تركيا فيها ثمناً باهظاً، وسيكون عدد القتلى من الجيش التركي أكبر بكثير من الحدّ الذي يمكن أن يقبل به الشعب التركي الذي لا يتوافق مع سياسة أردوغان، والمؤسسة العسكرية التركية لا تقبل ان يورّطها جنون أردوغان بحرب استنزاف لا طائل منها.

أما السعودية والتي تفكر بنقل قوات لها عبر البحار لتصل الى الأراضي السورية ما هي إمكانياتها الحقيقية للتقدّم على الأرض، فمن الجنوب وبحسب تصريحات الأردن الرسمية والشعبية فلن يكون هناك ممرّ لتلك القوات، إذن الدخول سيكون عبر الأراضي التركية وهذا بطبيعته يعني انفصال تلك القوات عن مقرّ القيادة الذي سيكون بعيداً تماماً عن أرض المعركة، وهذا من دون الدخول بالقوة العددية والإمكانيات الحقيقية لتلك القوات التي ستخوض حرباً خاسرة على الأرض، ومن يدير المعركة هو نفسه الذي ادّعى أنه قادر على إعادة «الشرعية» في اليمن خلال شهر، واليوم القوات السعودية متورّطة في اليمن رغم بيانات المتحدث العسكري التي تتحدّث عن انتصارات وتحقيق أهداف يومياً.

وطبعاً لن ندخل في موضوع المحاور والتحالفات خصوصاً أنّ سورية ليست الوحيدة المستهدفة من هذه الحرب، فهناك روسيا الموجودة بالفعل على الأرض، وهناك إيران الحليف الوثيق لسورية، وقبل هذا وذاك هناك الشعب السوري وهو شعب لم يعرف إلا المقاومة، والباقون على أرض سورية من السوريين هم المتمسكون بالأرض الرافضون لأيّ احتلال أو حتى تدخل لفظي في شؤون بلدهم، فإلى أين تدفع أميركا بحلفائها المقرّبين؟

الواضح أنّ الولايات المتحدة ترغب بشدة في إعادة رسم خريطة المنطقة، ولن تقبل بوجود أيّ دولة تمتلك القوة حتى لو كانت تلك الدولة حليفة لها، فبمراجعة بسيطة للعلاقات الأميركية الدولية نجد دائماً أنّ أميركا تبحث عن تابع لها وليس عن حليف، ودائماً تدعم أميركا الحلفاء وتترك في جدار الدعم هذا نقاطاً هشة قابلة للتدمير في أيّ لحظة، وهذا يعني أنّ الولايات المتحده تريد توريط الجميع لتحقق بذلك مكاسبها الخاصة، وعلى رأس تلك المكاسب ما يسمّى «أمن إسرائيل».

فالتناقض الواضح في التصريحات الدبلوماسية بين دول العدوان على سورية يشير إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية تريد أخذ دور حمامة السلام، وأنّ الحلفاء يريدون دور الصقور، ولكن الأميركيين راضون عن هذا الدور بما أن الحلفاء سيدفعون، وإذا ما حققوا أيّ نتيجة على الأرض فأميركا ستحصد بالتأكيد.

الخاسر الأكبر في هذه اللعبة هم حلفاء أميركا أولاً وأخيراً، لأنّ أحتمال نجاحهم على الأرض ضعيف، وهذا بالتأكيد ليس كلاماً للتسويق، فبمقارنة بسيطة بين القوات الأميركية والبريطانية التي دخلت بغداد وكانت تسمّي تلك الحرب نزهة… وبين القوات المتوقع إرسالها من قبل الدولتين سنجد الجواب، فأميركا التي دفعت بأحدث المعدات وأفضل الجنود خرجت خاسرة من حربها في العراق وانسحابها كان قهرياً ولم يكن اختيارياً، فأين ستكون قوات السعودية وتركية إذا ما دخلوا الى سورية؟ والانفعال الدبلوماسي الذي لا تعلق عليه الحكومة السورية بشيء اليوم، هو بداية الهزيمة لأيّ دولة تفكر بالاعتداء على السيادة السورية، فمحاربة الإرهاب مستمرة، وتحرير المناطق من الجيوب الإرهابية مستمرّ، رغم هذا الضجيج الإعلامي عن جيوش التحرير التي وعد بها ما يسمّى ائتلاف الدوحة الخائن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى