فلنبدأ بالمطار
فادي عبّود
يتكاثر الاهتمام اليوم بموضوع مطار بيروت، وهو موضوع أساسي، إنْ من الناحية الأمنية أو من ناحية الخدمات، ولكن لا بدّ أن نذكّر القارئ بأنّ المطار هو نسخة مصغّرة عن لبنان، فهو يختصر كلّ شيء، ويعكس صورتنا بطريقة واضحة لا لبس فيها، واللافت للنظر أنّ المطار في حالته الراهنة اليوم يمثل ما يجري في لبنان خير تمثيل، من المحاصصة السياسية، وتوزيع الحصص للأزلام، إلى الاحتكار، إلى الفوضى التي تخدم الجيوب وترهق المسافر، كلها نسخة مصغّرة عن مشاكل لبنان الراهنة.
يدور الجدل اليوم حول تأمين المعدات الضرورية في غياب قدرة الدولة على التمويل، علماً أنّ المطار قادر على تمويل نفسه وتأمين مداخيل إضافية للدولة. يُعتبر المطار مورداً هاماً أُسيء استخدامه، وتمّ منحه بالكامل حصصاً للأزلام والمحاسيب، وتمّ التلزيم للشركات الصديقة… القصة معروفة ولا أريد أن أكرّر نفسي.
فالإيرادات التي يمكن استحصالها من المطار كبيرة، بدءاً من السوق الحرة الذي من المفروض أنّ فترة تلزيمه قد انتهت، بحصة زهيدة جداً للدولة، أما إذا تمّ تلزيم المطار بطريقة تحفظ حقوق الدولة فترتفع حصة الدولة إلى أضعاف وأضعاف عما هي عليه راهناً. ولا تقتصر القصة على السوق الحرة فقط. نحن نقدّر أنّ حصة الدولة من السوق الحرة يجب أن تفوق الـ60 مليون دولار سنوياً في الحدّ أدنى!
تفعيل الخدمات كافة في المطار، من خدمة الـVIP وغيرها، التي من الممكن أن تؤمّن مدخولاً أساسياً للدولة، وتلزيم خدمة الحمالين لقاء بدل، وهذا يمكن أن يؤمّن دخلاً أيضاً، كما زيادة رسم المغادرة من 50 ألف ل.ل. إلى 75 ألف ل.ل. للدرجة السياحية، ومن 75 ألف ل.ل. إلى 100 ألف ل.ل. لدرجة رجال الأعمال، ومن 100 ألف ل.ل. إلى 125 ألف ل.ل. للدرجة الأولى، شرط أن لا تؤثر الزيادة على أسعار تذاكر السفر إلى لبنان والتي تعتبر الأغلى مقارنة مع عواصم المنطقة، وهذا لن يتمّ ما لم تتحرك وزارتا الاقتصاد والنقل وجمعية حماية المستهلك إلى مراقبة ما تسمّيه شركات الطيران ضرائب، وهي بالفعل أموال تتقاضاها الشركات لمصلحتها، كما الاستقصاء عما يُسمّى رسم الوقود الإضافي fuel surcharge، فمن غير الطبيعي أن تستمرّ الشركات بفرض هذه المبالغ مع وصول برميل النفط إلى ما دون الثلاثين دولاراً.
ويبقى الأهمّ الحرص على إبقاء لبنان مقصداً تنافسياً بين العواصم القريبة، وهذا لن يتمّ في ظلّ ذهنية احتكارية تمنع التنافس في كلّ شيء، فالدول كافة اقتنعت اليوم أنّ زيادة التنافس تؤمّن للمستهلك السعر الأفضل والخدمة الأفضل، إلا في لبنان ما زلنا نحافظ على الاحتكارات بشكل غير مقبول أبداً.
يُضاف إلى ذلك العديد من الأخطاء التي تعرقل تطوير المطار إنْ من حيث الموضوع الأمني، وإنْ من حيث الخدمة للمسافر، وهذه مواضيع عملت جاهداً للسيطرة عليها والتوعية حولها، وهذه الأخطاء المتعمّدة والتي تسيطر عليها مجموعة من المافيات، وفي الواقع ليس من الصعب السيطرة عليها، ولكن لا نية حقيقية للسيطرة عليها كي لا تتوقف مصادر الدخل التي تدرّها، ابتداء من موضوع تقديم خدمات Vip للمسافر بطريقة راقية مع تأمين دخل للدولة من جراء هذه الخدمات، وليس كما يجري اليوم لجيوب المافيات التي تسرح على أبواب الطائرات لمساعدة المسافرين المحظوظين مقابل إكراميات.
لم يتمّ الاستمرار بما حاربنا لأجله بتفعيل عمل الشرطة السياحية في المطار والأسباب غير معروفة، علماً أنّ القانون كما المرسوم رقم 1157 تاريخ 2/5/1991 يحدّد مهام الشرطة السياحية بتأمين راحة السياح عند دخولهم الأراضي اللبنانية وتسهيل تنقلاتهم وحمايتهم من أيّ اعتداء أو أذى أأأو استغلال يتعرّضون له والسهر على تطبيق التعرفة الرسمية المحددة. وأما تاكسي المطار والتي هي في نظري من أهمّ المشاكل التي تواجه السائح، مجموعة من الانتهازيين الذين رجعوا إلى طريقتهم التي كانت متبعة «قد ما بتريد»، وهم يفرضون بالنتيجة تعرفة تصل إلى 100 وأكثر، وهذه أضعاف التعرفة الرسمية بكثير، من دون رقابة من أحد ولا مَن يُحاسب. وكنا وصلنا بعد اجتماعات عدة مع نقابة سائقي المطار إلى سبل لتحديث الخدمة وتحديث السيارات وتركيب شاشات داخلية وإعلانات خارجية وتأمين عمل لهذه السيارات من المطار وإليه، ولكن من تعوّد على سرقة السائح صعب عليه تغيير عادته…!
أما الآن وبعد أن تمكنا من وضع يافطة تعرفة على مدخل مكتب وزارة السياحة في المطار، إضافة إلى شرطي سياحي في موقف التاكسي يسجل اسم السائح والجهة التي يريد أن يذهب إليها، والأهمّ أن يُبلغه التعرفة، كلّ هذا توقف اليوم.
أما بالنسبة إلى الحمّالين، فما زلنا نرى الكتابات والتصريحات في المطار التي تشير بأنّ خدمة الحمالين من دون مقابل «نكتة الموسم»، ونحن نريدها بمقابل ولكن مقابل واضح المعالم، والجميع يعرف أنّ الشركة لا تدفع رواتب الحمّالين ويكتفون بإكراميات حسب رأس الزبون، والأفظع من ذلك بأنه في أوقات الذروة يُقام مزاد علني ولا يقبل الحمالين بتعرفة أقلّ من 20 دولاراً. الشركة ومَن وراءها معروفون، وتبقى هذه الخدمة ابتزازية ولزوم ما لا يلزم يمكن تحديد تعرفة واضحة يعود قسم منها للدولة.
وفي موضوع آلات الكشف عن الحقائب، أنا دائماً أسافر عبر المسارب العادية ولا أستعمل صالون الشرف أو مسارب خاصة، ولو استعمل المسؤولين كافة في لبنان المسارب العادية لتحسّنت خدمات المطار بنسبة كبيرة، وخلال كلّ سفراتي لم أر ولو مرة واحدة الآلات تعمل كلها في وقت واحد، وكأنّ الموظفين يستمتعون برؤية الطوابير التي تمتدّ عشرات الأمتار، ومع الطوابير تأتي المساعدات والسمسرات، وكم من مرة عرض عليّ الموظفون تخطي الطابور فرفضت.
ويبقى بالطبع أن يخضع أيّ مشروع أو تحديث أو شراء معدات في مطار بيروت إلى مناقصة شفافة، فمن خلال خبرتي في وزارة السياحة، أرى أنّ أيّ عقد في مطار بيروت، تخضع الأسعار فيه لنسبة كبيرة من العمولات. وبالتالي يجب أن يتمّ الإعلان بوضوح وشفافية عن الأسعار والعقود ونشرها على الإنترنت، على أمل أن يتمّ الإفراج عن قانون الحق في الوصول إلى المعلومات العالق في أدراج رئاسة الحكومة.
إنّ المطار هو التجربة الحقيقية لنيتنا الانطلاق في الإصلاح، فمتى يتمّ كسر المافيات والمحاصصات والفساد هناك، نكن خطونا الخطوة الأولى على طريق كسرها في لبنان كلّه.
وزير سابق