كيف قال السيد نصرالله للإسرائيليين والسعوديين: لا تتعبوا أنفسكم… اللعبة انتهت؟

ناصر قنديل

– ربما ينتبه السعوديون وربما تأخذهم الكيدية فلا ينتبهون، ولا يقرأون من كلام السيد حسن نصرالله إلا ما يكفي للاستنتاج أنه كلام تصعيدي، لكن الإسرائيليين سينتبهون حكماً، إن لم يكن اليوم أو غداً فبعد أن يخرجوا من صدمة القول السهل، أن السيد أكد المعادلات القديمة، ويتذكّر النبهاء بينهم إلى أنهم يلاعبون رجلاً لم يمر عليهم مثله، وإذا وجدوا كلامه تأكيداً لما سبق فيجب أن يعيدوا ويعيدوا حتى يكتشفوا بين السطور جديداً، وينتبه الذين يصنعون المعادلات الاستراتيجية من بقية ما بقي بينهم من هؤلاء إلى أن المعادلة المركّبة لهم وللسعوديين متداخلة بعضها بالبعض الآخر، وأن عليهم فك الشيفرة في الاثنتين حتى يصلوا إلى ضالتهم، وبدلاً من أن يرتاحوا يصابوا بالذهول.

– رسم السيد نصرالله معادلة للإسرائيليين عبر مناقشة رهاناتهم الدولية والإقليمية، يختصرها حديثه بثقة عن متانة الحلف الذي يجمع سوريا والمقاومة وإيران وروسيا، وتنسيق خطوات هذا الحلف بالتفاصيل ليقول أولاً لا تضيعوا وقتكم بأوهام الرهانات على تضارب حسابات وضغوط ورسائل بين أطراف هذا الحلف ليمكنكم النفاذ من بين ثقوبها. وثانياً وضع السيد تفاصيل قراءته للمشهد المحيط بالحرب حول سوريا وفيها وعليها، ليخلص إلى معادلة مزدوجة قوامها أن ثبات الرئيس السوري بشار الأسد خط أحمر متفق عليه في كل تسوية أو حل سياسي من جهة، وأن أي عودة للمواجهة الميدانية تعني المزيد من التقدّم للجيش السوري وحلفائه من جهة أخرى، خصوصاً بعد النجاح بفرض استثناء حصان طروادة الذي يراهن عليه كل خصوم سوريا، والذي تمثله جبهة النصرة، من أي هدنة أو وقف للنار أو حل سياسي. وثالثاً حسم السيد أن الأميركيين قد سلموا بصيغة تسوية في سوريا تضع الأولوية للحرب على الإرهاب ويكون الرئيس الأسد جزءاً منها، وأن الأتراك يتعقلون، وأن الأمر منوط بالسعودية لتستنقذ فشلها في سوريا واليمن بدخولها مائدة التسويات بدلاً من الحرب المعلنة ضد حزب الله.

– إسقاط الرهانات الإسرائيلية على حروب بالوكالة يسير تدريجاً في كلام السيد حتى يصل للسعودية، فيرسم معادلة الصبر بدلاً من المواجهة، مسقطاً الرهان الإسرائيلي على استدراجه إلى لعبة الاشتباك الأمني التي نجح الإسرائيلي بإغراء السعودي ببدئها ووعده بأكذوبة التدخل لمساندته عند الضرورة، لترتسم رسالة السيد للسعوديين، بمعادلة، لا تتعبوا ولا تجهدوا أنفسكم، فلا التوازنات ستتغير في سوريا ولا في اليمن، ولا نحن سنلبي استفزازاتكم بالبحث عن مواجهة، ولا إسرائيل قادرة على خوض حرب، كما تعهّدت لكم لتورطكم أكثر، ولا بديل أمامكم سوى التسريع بالالتحاق بقطار التسويات قبل أن تزيد خسائركم، لأن كل يوم يضيع عليكم يعني المزيد من الخسائر.

– بعد أن يُسقط السيد الرهان الإسرائيلي على الحرب البديلة، التي يريدون للسعودية أن تخوضها نيابة عنهم بوعد منهم بالتدخل، ويحدد منهج المواجهة بالصبر، يلتفت صوب الإسرائيليين، ليرسم معادلة ردعه الاستراتيجي التي تعني نهاية سباق توازن الرعب، وقوامها فهم معقّد لتركيبة الجغرافيا العسكرية والاقتصادية للحروب الإسرائيلية، التي تقوم على ضعف المدى الجغرافي الطبيعي للأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحول جغرافيا الكيان إلى شبه جزيرة محاصرة براً وبحراً في أي حرب، ما يفرض في ظل غياب العمق الآمن، خشية إسرائيلية دائمة من حرب تطول تدفع بالقيادة الإسرائيلية إلى التصرف دائماً على خلفية الذعر من الانقطاع عن الخارج وفقدان المخزون اللازم للحرب سلاحاً وذخائر ومحروقات وكهرباء ومواد استهلاكية حيوية ما يستدعي أن تقيس إسرائيل مصادر قوتها وقدرتها على خوض الحروب بكميات مخزونها الاحتياطي الموجودة في المزيد والمزيد من المستودعات المحصّنة، والتي يتمّ توضيعها بعيداً عن المدى المجدي للأسلحة التي يمتلكها مَن تعتبره عدواً خطراً، ولذلك فإن خاصرة إسرائيل الرخوة التي أمسكت بها المقاومة هي هذه، وقد بلغت المرحلة التي بات بمستطاعها معها أن تقول للإسرائيليين، لا عمق آمناً تستندون إليه في مخزونكم الاستراتيجي فصواريخنا تطال كل نقطة من فلسطين وتصيب بدقة كل أهدافها وتخترق بما يكفي من تحصيناتكم لتفجير وتدمير كل مخزونها عندكم، وتحويل هذا المخزون إلى كرات لهب متفجرة طائرة تنتشر على مدى جغرافيا الاحتلال، واعلموا أن جعل مناطق سيطرتكم آمنة من خطر الاستهداف المدمر والمزلزل، يستدعي أن تكون خالية من أي مخزونات للوقود والغازات والأمونيا والمفاعلات النووية وسواها من المواد القابلة للتحوّل مصادر تدمير ذاتي، لدى تلقيها إصابة قادرة أن تطال أهدافها بدقة وتملك قدرة اختراق للتحصينات وتفجير المخزون ليصير هو القنابل التي تمتلكها المقاومة بالواسطة، وفي هذه الحالة على إسرائيل أن تخلي كل مناطق ومدن ووديان وجبال فلسطين المحتلة من أي مخزون فتخوض حرباً ليوم واحد، أو تمتنع عن الحرب، وكلما تناقص المخزون تناقصت أيام الحرب، وكلما زاد المخزون زادت قدرة المقاومة على تدمير إسرائيل ببلوغ صواريخها الدقيقة والفعّالة لتفجّر ما تم تخزينه وتفجّر عبره بأضعاف مضاعفة كل ما حوله.

– معادلة الردع الاستراتيجي بين السطور كتبها السيد وقوامها أن على السعودية أن تختار بين التسوية الصعبة اليوم والتسوية الأصعب غداً، وأن على إسرائيل أن تختار بين الحرب القصيرة التي تسهّل هزيمتها فيها، والحرب الطويلة التي تتكفل بتدمير نفسها فيها، والمعادلة هي كلما وثقت إسرائيل أنها صارت أقوى صارت أمام المقاومة أضعف، وصارت أسهل منالاً، والمقاومة قد امتلكت وستمتلك كل يوم أكثر من كل ما يلزم لتحقيق أدق وأفعل لهذا الهدف. والقضية ليست منشآت الأمونيا ولا المفاعلات النووية، بل كل ما تحتاج إسرائيل لتخزينه كي تشعر بالاطمئنان، لأن المقاومة هي مَن سيشعر بالاطمئنان إلى أن أسباب تدمير إسرائيل وزوالها باتا بين أيديها طالما أنها تملك بنك معلومات يكشف كل ما لدى إسرائيل بدقة، ولديها شبكة صاروخية تغطي كل مساحة فلسطين ولا تبقي للكيان عمقاً آمناً، وتصيب أهدافها بدقة وتخترق التحصينات التي تحمي مخزون الاحتياط من كل نوع وصنف، وقادرة على تفجيره وتحويله إلى بركان ثائر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى