الضغط على حزب الله بين المفاوضات ومتلازمة المسارات السياسية

روزانا رمّال

تبدو المفاوضات اليمنية وبغضّ النظر عن التطرّق إلى جدوى الدعوات لوقف إطلاق النار في ظلّ المباحثات القائمة في الكويت تتجه الأنظار بشكل أساسي إلى ما ستؤول إليه الخيارات السياسية هناك، خصوصاً أنّ التوصل إلى أرضية تعترف بضرورة تلاقي الطرفين المتنازعين كان غير ممكن قبل أشهر من اليوم. يبلي المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ احمد لعملية السلام في اليمن بلاء حسناً في ما يتعلق بمساعي جمع الطرفين بالحضور الأبرز المتمثل بالتيار الحوثي أو أنصار الله ومجموعة الرياض اليمنية بما يشكل بطريقة أو بأخرى مؤشراً أولياً على إمكانية بدء انفراج في التعاون الإيراني السعودي، تحت مسمّيات ضرورة المشاركة لإنجاز الحلّ المشترك في اليمن بقوة ما يمثله الطرفان.

سياسياً، القبول الذي أفردته السعودية على الفريق اليمني الموالي لها لجهة الاعتراف بضرورة الحلّ سياسياً، والشراكة مع أنصار الله تحديداً، يشكل وحده إعلان فشل سعودي لأهداف أساسية كانت قد أعلنت عنها منذ بدء «عاصفة الحزم» أيّ قبل حوالي السنة المتمثل بضرورة التخلص من هذه الجماعة وعدم تمكينها من التوغل أكثر في العمق اليمني سياسياً أو شعبياً، بالتالي فإنّ مجرد الاستدارة السعودية من الخيار الاستئصالي إلى الخيار السياسي يشكل نقطة تصبّ في مصلحة الشرعية التي تعطى للحيثية الحوثية التي ستتقدّم في البلاد كحالة مكرّسة في المستقبل، وهنا تدخل الرياض في أول مرحلة من مراحل التعاون والاعتراف بنهاية زمن التفرد باليمن.

اللافت بالإيجابية الحذرة المقبلة من أروقة الدبلوماسية الدولية المخصصة بتقدّم المباحثات اليمنية تعثر تلك المتعلقة بالمباحثات السورية بما يشكل مصادفة محسوبة لجهة موقع اللاعبين الأساسيين في الأزمتين أيّ أنّ التوتر السياسي الحاصل في إطار مساعي جنيف السوري يترجم قدرة تعطيل مقبلة من المعنيين بتحفيز العملية السياسية في اليمن ما يؤكد أنّ التلازم بين الأزمتين، المتوجه باليمن لصالح نكسة سعودية استباقية لمجرد الجلوس مع الفريق الآخر تعني إمكانية أن تكون عرقلة التسوية السورية وتأزيم المشهد الميداني في سقوط الهدنة بحلب وتوقعات التوجه لعملية كبرى هناك هو عملياً ردّ فعل سعودي وتحويل الأنظار عن تحسّن قد يطرأ في الأزمة اليمنية، وإعلان عن انتهاء العمليات العسكرية العربية بقيادة سعودية، لما في ذلك من مخاطر في ظهور الرياض في الأزمتين مستسلمة لأمر واقع قاس يعترف بضرورة المشاركة مع الحوثيين في اليمن من جهة، ويعترف بشرعية الفريق السوري المفاوض وحتمية تشارك المعارضة السورية مع النظام السوري في الحلّ السوري. كلّ هذا يُضاف إلى النقطة المفصلية التي افتتحت عهد الانتكاسات السعودية، وهي حلّ المسألة النووية الإيرانية مع الغرب بشكل يوحي بقناعة أميركية في هذا الملف تصبّ في مصلحة اعتبار إيران شريكاً في المنطقة وليس لاعباً متأثراً فيها.

ما يجري في سورية يقلق على صعيد الذهنية التي تتعاطى فيها المملكة وتركيا، بما تمثلان من قدرة على تعطيل وتمرير او ربما تأجيل بعض الاستحقاقات وحرف الأنظار عن أيّ انتكاسة تسجّل في مرماهما، هكذا استطاع الطرفان تأجيل عملية دقيقة وخطيرة في لبنان كمعركة عرسال التي كادت تشهد على انقلاب بالحدث اللبناني بعد ظهور إرهابي مسلح وسط المدينة ما لبث أن تمّت السيطرة عليه بطريقة مفاجئة. وبهذا الإطار تمّ تجاهل الملف لبنانياً والإقلال بالحديث السياسي عنه إعلامياً في بشكل أشّر إلى رغبة إقليمية بذلك.

وعلى أنّ البورصة الميدانية تلعب للحسابات السياسية فمع تقدّم أيّ تسوية في اليمن أو سورية يرتفع منسوب استخدام الورقة اللبنانية كعامل ضاغط تعرف السعودية وتركيا صعوبة كسبه مقابل حضور حزب الله المكثف في ملفّ الحدود، وذلك من أجل احتسابها ضمن نقاط المواجهة مع إيران، حيث على منسوب التحدّي منذ لحظة الاستفزاز الغربي للرياض في الاعتراف بضرورة التلاقي مع طهران.

قيادة الجيش اللبناني أعلنت في إطار العمليات الاستباقية والنوعية التي تقوم بها وحداتها على الحدود اللبنانية الشرقية ضدّ التنظيمات الإرهابية، الهجوم على مركز قيادي لتنظيم «داعش» الإرهابي في أطراف عرسال ما أدّى إلى مقتل أمير «داعش» في المنطقة المدعو فايز الشعلان، مشيرة إلى أنّ الإرهابيين كانوا «قد شاركوا في قتال الجيش خلال العام 2014، وهم مسؤولون عن تجهيز عدد من السيارات المفخخة، والقيام بعدّة تفجيرات استهدفت مراكز الجيش ومدنيين في بلدة عرسال ومحيطها».

هذا التفصيل الأمني يؤكد أمرين: الأول عزم قيادة الجيش اللبناني على عدم تمرير أيّ فرصة للاقتصاص من الإرهاب في الجرود، وثانياً إمكانية اعتبار أيّ من هذه العمليات التي تتكثّف يوماً بعد يوم ذريعة تستخدمها المجموعات الإرهابية لبدء المعركة، وهنا فإنّ التطورات السياسية في اليمن أولاً، وتأثيرها على جنيف السوري، تؤكد إمكانية استخدام عرسال في وقت قريب كحاجة تفرضها ضرورة البدء بفضّ النزاعات بما يحفظ أكبر قدر ممكن من المكتسبات، وهنا يبقى اليمن مختبراً هاماً باعتباره آخر الجروح وأول ملف قابل للالتئام. عملياً الحديث عن انتظار جديد لقدوم موسم الثلوج غير مجدٍ هذه المرة، ما يعني أنّ التوجه نحو فتح المعركة بعوامل متكاتفة تتوجه نحو اقتراب الحسم في هذا الصيف، أيّ بالأشهر القليلة المقبلة كأبعد تقدير، وهنا فإنّ التطورات الأمنية في لبنان قد تكون إحدى أقوى الضغوط الممكنة على حزب الله، خصوصاً إذا استمرت السعودية في حملتها عليه ونياتها الواضحة بإنهاكه مالياً وأمنياً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى