وقع المحظور… فما هو المخرج؟

مصطفى حكمت العراقي

مثل إعلان زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر إيقاف العمل السياسي للتيار ومقاطعة كلّ السياسيين القشة التي قصمت ظهر التواصل مع قيادات العراق السياسية، فاقتحم أنصاره مقرّ البرلمان المحصّن داخل المنطقة الخضراء التي تعجّ بالمقرّات الحكومية والبعثات الديبلوماسية، فكان ذلك بمثابة ضربة قاسية لهيبة السلطة في العراق بعد أن أجبر حكّام العراق الشعب على اللجوء إلى هذا الخيار.

قال الصدر إنّ جلسة البرلمان التي كان موعد انعقادها السبت الفائت ولم تنعقد لعدم اكتمال النصاب القانوني، أجمع المجتمعون فيها على وأد الحركة الإصلاحية التي لا تريد انتقاماً ومساساً بأحد، ودعا الصدر كتلة الأحرار التابعة له إلى مقاطعة الجلسات التي يكون فيها أيّ نوع من أنواع المُحاصصة الحزبية، لذلك فشل مجلس النواب في تحقيق نصاب قانوني للجلسة النيابية ثم بعد أقلّ من ساعة واحدة على بيان زعيم التيار الصدري اقتحم أنصاره المنطقة الخضراء ومقرّ البرلمان احتجاجاً على رفع جلسته إلى الأسبوع المقبل قبل التصويت على استكمال التغيير الوزاري، وأعلنوا اعتصامهم فيه.

وكان الصدر قد أعلن أنه لن يشترك في أي عملية سياسية فيها أي نوع من المُحاصصة ولو بعنوان «التكنوقراط» لأنّ إرادة الشعب أعلى وأهم، مؤكداً إيقاف كلّ عمل سياسي في مفاصل التيار إلا ما كان في تأسيس ائتلاف عابر للمُحاصصة على أن لا يكون في واجهة تيارية فقط، مؤكداً أنّ الشعب يأبى إلا أن تنجح ثورته ولو كره المفسدون، معلناً رفضه أن يجالس أي سياسي مهما كانت مطالبه دون الإصلاح الجذري. وأضاف الصدر: إما بقاء الفاسدين والمحاصصة أو إسقاط الحكومة برمتها ولا يستثنى من ذلك أحد لكي لا تكون فتنة واتفاقات خارج إرادة الشعب.

هذه الكلمات أعطت الضوء الأخضر لكلّ ما حدث بعدها فلم يعد شيء محصّناً بعد وصول الشعب إليه، واستبق السيد الصدر توجه السياسين المؤكد نحوه بإعلان المقاطعة والاعتكاف لأنّ الجميع في العراق يعلم أنّ الداخلين إلى الخضراء لن يخرجوا منها إلا إذا طلب منهم السيد الصدر ذلك، وهو ما لن يحصل إلا إذا تحققت خطوات عملية وجذرية لإقناع الشعب بالرجوع عن خياره التصعيدي الأخير وهذا يعتمد على تعامل القيادات العراقية مع هذه الخطوات وعدم تجاهلها كما كان سابقاً، وعلى رأس هذه القيادات رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي قال عنه الصدر إنه يتعرض لضغوط من قبل تيار المُحاصصة، كما أنّ هناك أنباء أشارت، نقلاً عن العبادي، إلى أنه هو من أمر بفتح أبواب المنطقة الخضراء أمام المتظاهرين رغم نفي مكتبه هذه الإشارات، إلا أنّ العبادي حتى الآن لم يكن بمستوى الحدث، وقد اكتفى بالتجول أمام مكتبه والذهاب نحو مجلس النواب بعد أن انسحب المتظاهرون منه والذين اتخذوا من ساحة الاحتفالات وسط الخضراء مركزاً لاعتصامهم.

كلّ ذلك لم يولد سوى اجتماعاً ضحلاً للتحالف الوطني الذي خرج ببيان لم يكن بقيمة الحبر الذي كتب فيه. فكيف لهذا البيان أن يهدّئ الشارع ويعيد الأمور إلى نصابها كما خرجت العديد من المعلومات المشيرة إلى فشل اجتماع الرئاسات الثلاث وقادة الكتل السياسية الذي عقد برعاية الرئيس العراقي فؤاد معصوم، ما يوحي بتعمُّق الأزمة أكثر.

ومن خلال تشخيص دقيق لهذا التطور يمكن وصفه بالفوضى المسيطر عليها، رغم بعض التصرفات المستهجنة كالاعتداء على بعض النواب وما رافقه من اعتداءات بسيطة على بعض المقتنيات داخل قاعة المجلس، ما جعل قادة الاعتصام يأمرون الجمهور بالانسحاب من قاعة المجلس والتوجه نحو وسط المنطقة الخضراء للاحتفاظ بالصفة السلمية لهذه التظاهرات المستمرة منذ ما يقارب العام، إضافة إلى معرفة المحرك الرئيس لهذه الاحتجاجات بما يريد الوصول إليه جيدا لجهة عدم التوجه نحو مواقع أخرى كالقصور الرئاسية وبعض السفارات والوزارات وبيوت أغلب المسؤولين العراقيين الواقعة داخل المنطقة الخظراء، رغم قرب هذه المواقع من بعضها البعض، ما يشير حكماً إلى وعي المتظاهرين وقادتهم جيداً أنّ الإصلاح المنشود لايتحقق إلا من خلال مجلس النواب لضمان دستورية وقانونية هذه الإصلاحات. من هنا يمكن القول إنّ هذه الخطوة هي حلقة من سلسلة التصعيد في لهجة الاحتجاج التي أعلن عنها السيد الصدر في وقت سابق، لذلك فإنها لم تكن مفاجئة لمن يقرأ سلوك وتحرك السيد الصدر جيداً. أما الحلول الواجب اتخاذها لمنع توسُّع الاحتجاجات فتتمثل بمسارين للحلّ لا ثالث لهما، فإما تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة بشكل كامل، أي لا يكون للأحزاب أي دور في صياغتها وهو ما قد يصعب تحقيقه بالنظر إلى تشبث هذه الأحزاب الواضح بمناصبها وعدم أكتراثها بكلّ ما يحصل للشعب ما قد يصعِّب مرور هذه التشكيلة إن حصلت في مجلس النواب أو اللجوء نحو الخيار الثاني، إن فشل الأول، والمتمثل بالتوجه نحو تشكيل حكومة طوارىء مصغرة والتحضير لإجراء انتخابات مبكرة خلال مدة أقصاها 6 أشهر مع تشكيل مفوضية انتخابات مستقلة بإشراف أُممي وإقرار قانون انتخاب جديد بأسس عالمية لضمان تحقيق أعلى نسبة من الشفافية في تطبيق قرار الشعب الذي سيكون الحكم في صناديق الاقتراع. أما إن بقيت الأمور على ما هي عليها الآن، فسيتم تقسيم العراق بحجة أنّ الساسة غير قادرين على حكم بلد موحّد والأفضل تطبيق «مشروع بايدن» الرامي إلى هدم العراق وتقسيمه إلى دويلات طائفية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى