أزمة الصحافيّين مع الداخلية…أخطاء أم إجراء؟

بشير العدل

يحلّ الثالث من أيار/ مايو من كلّ عام، يوماً عالمياً للاحتفال بحرية الصحافة، ففيه يتمّ داخل أروقة المؤسسات النقابية العربية والمحافل الدولة، الحديث عن تلك الحرية، التي تأخذ شكلاً مستفيضاً في الندوات السياسية، ومساحة كبيرة على طاولة الحوارات والندوات المهنية، وعبارات كثيرة في بيانات الجهات المدافعة عنها، لتتحوّل حرية الصحافة في ذلك اليوم معياراً ومؤشراً لمدى نجاح أو فشل حكومات العالم في توسيع نطاق تلك الحرية وكفالتها.

غير أنّ 3 أيار/ مايو لهذا العام 2016 حلّ في بلادي مصر بحالة غير تلك التي سبق الحديث عنها، فقد جاء وقد شهدت الصحافة والعمل النقابي المصريّين واقعة غير مسبوقة في تاريخها القديم والمعاصر، تمثّلت في اقتحام قوات الأمن المصرية مقرّ نقابة الصحافيين بوسط العاصمة، واعتقلت اثنين من أعضائها المعتصمين داخلها، وهو الحدث الذي أثار حفيظة الكثيرين من أبناء الجماعة الصحافية وأنا منهم نظراً لما شكلته الواقعة في ظاهرها من مخالفة قانونية صريحة لنقابة الصحافيين.

ونظراً للظروف التي تمرّ بها بلادي مصر، فقد أخذت الواقعة حجماً كبيراً وصل إلى ما يشبه الصدام الحقيقي بين الصحافيين ممثلين في النقابة من ناحية، وبين أجهزة الدولة ممثلة في وزارة الداخلية من ناحية أخرى، وصل في خطورته إلى أنه خرج إلى دائرة استثمار البعض له لإحداث وقيعة بين الصحافيين والدولة، وكان منهم الكتائب الالكترونية لجماعة الإرهاب والتضليل، التي دائماً ما تصطاد في الماء العكر بغية الوقيعة بين الشعب وقيادته السياسية.

وحتى لا يكون ما نقوله أشبه بحديث الطرشان، وحتى نضع الأمور في نصابها تحديداً في تلك الواقعة، فإنّ الأمر عندي في حاجة إلى مكاشفة ومصارحة لتحليل الواقعة وأبعادها حتى لا تأخذ أكثر من حجمها، وحتى لا تتمّ من شررها صناعة نار تأكل الوطن، وتحقق أهداف المتربّصين به من قوى الشرّ في الداخل والخارج المصريين.

ومن بين عوامل المكاشفة محاولة الإجابة على تساؤل في نقاط قد تبدو على الأقلّ عندي على جانب كبير من الأهمية وهي: ما الذي أوصل العلاقة بين الصحافيين وأجهزة الأمن إلى ما يشبه الطريق المسدود؟ ولماذا أخذت تلك العلاقة منعطفاً خطيراً لم يسبق له مثيل؟ وكيف وصلت الحال بأجهزة الأمن لاقتحام مبنى نقابة الصحافيين؟ وكيف وصلت الحال بالنقابة لأن تأخذ موقفاً يعتبره البعض ضدّ الصالح العام؟

للإجابة على تلك النقاط وإجمالاً لا بدّ من الاعتراف بالظروف غير الطبيعية التي تمرّ بها بلادي مصر، خاصة بعد ثورة 30 حزيران/ يونيو 2013 التي أطاحت بجماعة «الإخوان» من سدة الحكم، فقد تلتها أحداث إرهابية واسعة النطاق مارسها أنصار الجماعة وحلفاؤها، ولم تتوقف عند حدّ إرهاب الحديد والنار الذي استهدف الأبرياء من قوات الجيش والشرطة، وترويع الآمنين من المواطنين، ولكنه امتدّ إلى الإرهاب الفكري، الذي عمل بالتوازي مع إرهاب الحديد والنار، فكانت «كتائب الإخوان» الالكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، ومواقعهم الإخبارية على الشبكة العنكبوتية، والتي تتستّر بصفة الصحافة الالكترونية، ومارست تضليلاً في الرأي والفكر، فروّجت للأكاذيب بل وحرّضت أيضاً على استهداف الوطن وحماته من قوات الجيش والشرطة.

هذا الطرف غير الطبيعي كان من نتيجته إحداث حالة شدّ وجذب بين الصحافيين ممثلين في نقابتهم والدولة ممثلة في وزارة الداخلية، فقد مارست النقابة ضغطاً على الدولة، من أجل انتزاع ما تراه النقابة باغتصاب حرية الصحافة، وعدم كفالة حرية الرأي والتعبير، فكانت بيانات نقابية شديدة اللجهة ضدّ أجهزة الأمن، وصلت في بعضها إلى أنها تناولت أرقاماً عن الصحافيين الموقوفين والمحبوسين، رأت الدولة أنها غير موثقة أو دقيقة، وتعاملت معها على أنها ترويج لأفكار غير دقيقة وساندتها في ذلك منظمات حقوقية تناولت الشأن الأمني على أنه قمعي، وهو ما دفع بالدولة ممثلة برئيسها عبد الفتاح السيسي لأن يطالب من النقابات المهنية أن تبتعد عن السياسة وأن ينصبّ عملها على خدمة أعضائها.

وفي ما يتعلق برواية اقتحام النقابة، فإنه من الناحية القانونية مخالفة صريحة وانتهاك صارخ لحرمة النقابة، وذلك لما سبق أن أوضحناه بأنّ ذلك يخالف قانون النقابة وتحديداً المادة 70 منه التي لا تجيز تفتيش مقار نقابة الصحافيين ونقاباتها الفرعية أو وضع أختام عليها إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة وبحضور نقيب الصحافيين أو رئيس النقابة الفرعية أو مَن يمثلها، غير أنّ رواية الداخلية بأنها التزمت ذلك وقامت بالتواصل مع النقابة بشأن اثنين من المعتصمين بداخلها كان مطلوباً لهما عملية «ضبط وإحضار»، وهو ما لم تستجب له النقابة، مما دفعها لعمل ما قامت به، وهي الرواية التي نفاها نقيب الصحافيين يحيى قلاش، لتبقى العلاقة بسبب الواقعة متوترة تمّ على أثرها دعوة مجلس النقابة والجمعية العمومية إلى اجتماع طارئ «الأربعاء» لبحث الموقف وكيفية الردّ عليه.

وحتى تتضح الأمور أكثر، فإنّ النقابة قامت وقبل تلك الواقعة بتقديم بلاغ ضدّ وزير الداخلية تتهمه فيه بملاحقة الصحافيين ومنعهم من أداء عملهم ووصولهم إلى مقرّ النقابة يوم 25 نيسان/ ابريل الماضي، وهو اليوم الذي كان يوافق ذكرى تحرير سيناء، والذي دعت فيه بعض الفصائل لتظاهرات أمام نقابة الصحافيين احتجاجاً على ترسيم الحدود المصرية السعودية، وهي التظاهرة التي كان مقرّراً تنظيمها في أعقاب تظاهرة سابقة تمّت قبل نحو أسبوعين، وهو ما تعاملت بسببه الأجهزة الأمنية مع محيط نقابة الصحافيين على أنه مكان آمن للتجمهر من جانب فصائل أخرى غير الصحافيين.

خلاصة القول إنّ عوامل مشتركة دفعت إلى حالة الشدّ والجذب بين نقابة الصحافيين والأجهزة الأمنية، غير أنها علاقة تظلّ في إطار الفصل بين السلطات، والحرص الثنائي على مصلحة الدولة العليا، فنقابة الصحافيين لها دورها الوطني الذي يعرفه وسطّره تاريخها القديم، والصحافيون هم بالأساس سلطة رقابية شعبية، لهم دورهم في التحوّل السياسي والاقتصادي الذي تشهده مصر، ولا يمكن لأحد أن يزايد على وطنيتهم جميعاً، وهو ما أظنّ أنّ الدولة تعيه بشكل جيد، وظهر ذلك في رعاية مؤسسة الرئاسة لاحتفالية اليوبيل الماسي لنقابة الصحافيين.

في المقابل تعمل الأجهزة الأمنية وفقاً لسياسة حرب الدولة على الإرهاب بما فيه الإرهاب الفكري، وهو ما يعيه الصحافيون جيداً الذين بذل الكثيرون منهم أرواحهم فداء للوطن ولتحريره من براثن الإرهاب سواء كان الاستيطاني أو الفكري.

العلاقة بين الصحافة والدولة إذن علاقة تكاملية، يسير دورهما جنباً إلى جنب من أجل خدمة الوطن وتحقيق أمنه وسلامة أراضيه، وإذا كانت هناك أخطاء هنا أو هناك، فإنها من المؤكد راجعة إلى سوء الفهم وتقدير الموقف.

بقي على الطرفين عدم السماح بتوسيع دائرة الخلاف حتى لا يتمّ فتح الثغرات لدعاة الفتنة والراغبين في استثمار الأحداث لتفتيت الوطن وإحداث الوقيعة بين الشعب وقيادته السياسية.

كاتب وصحافي مصري

eladl254 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى