حزب الله يتفوّق على نفسه…

روزانا رمّال

لم يكن وارداً عند حزب الله التزام الصمت حيال ما يُقال ربطاً بمنطق الضغط الداخلي المحلي المالي والمعنوي على بيئته الشعبية التي تشكل نواة المقاتلين في سورية بين عناصره والبيئة المحيطة على مستوى مقرّرات الحزب التي تبدو بالنسبة للخصوم فرصة سانحة لاستغلالها في كلّ لحظة يصعّد الحزب فيها أو يكثف حضوره في سورية ليؤكد أمينه العام على بعض مما يجري في حلب ويشرح تفاصيل ومعنى التواجد فيها بدون أيّ إحراج حول «عديد وعتاد» ووضع الحزب المادي والمعنوي بعد اغتيال القائد الشهيد مصطفى بدر الدين وبعد الشروع باتخاذ المصارف المحلية بعض الإجراءات المستفزة لجمهوره.

يتمسّك حزب الله بما تتحدّث عنه مراكز الدراسات العسكرية «الإسرائيلية» كأساس في إدارة العملية الميدانية مع حاضنته وهو «الصراحة» والتوقف معهم عند كلّ تفصيل يعرفون من خلاله إلى أين يتوجهون بمصير أبنائهم والى أين تتوجه القضية التي من أجلها جنّدوهم فيها أو لم يمانعوا على الأقلّ بالانضمام إليها، وهذا أحد أبرز أسباب الربح والخسارة الذي يعادل عنصر دفع لا يُستهان فيه.

تخشى «إسرائيل» حسب لجنة فينوغراد التي عاينت أحداث حرب تموز وأعادت النظر بما صدر عن المؤسستين الأمنية والسياسية خلالها أن تجاهر بحقيقة الوضع أمام جنودها الذين يتركون قيادتهم في حيرة لجهة الاندفاع نحو المكاشفة أو الانكفاء وراء تاريخ تفوّق معنوي وعسكري «إسرائيلي» بالمنطقة. فالانضمام لجيش الاحتلال بين احتياط أو تجنيد لم يعُد يروق للكثير من المستوطنين نظراً لما خلفته الهزيمة مع حزب الله من خسائر نفسية كبيرة أحبطت عزيمتهم وأفقدتهم الثقة بأنفسهم وبدولتهم، وليس خفياً ما كثر ذكره على لسان مستوطنين عن تصديقهم أمين عام حزب الله أكثر من قيادتهم، وهنا يتحدّى حزب الله خصومه بمكاشفتهم لقاعدتهم بحقيقة الأمور.

تخطى أمين عام حزب الله بخطابه بمناسبة ذكرى أربعين الشهيد بدر الدين التوقعات في خوضه غمار شرح ما يجري على الأرض في حلب وشرح أسباب التصعيد المفاجئ من قبل الخصوم مع ما لفت من عتاب مبطّن لروسيا يختلط بين مشاعر الخضوع للغرب أو وقوعها تحت ابتزاز مريب لحق بالوضع الأمني بحلب جراء القبول «بالهدنة» التي بدا اليوم حسب السيد نصرالله أنها سبب أساسي لهذا التراجع، علماً أنّ حزب الله لا يعوّل كثيراً على استعادة قرية أو قريتين أو ثلاث، فهي ليست المعركة ولا بيت القصيد، حسب قوله. معركة حلب تطلّبت من السيد نصرالله توضيح مخاطرها وإعلانه عن أنّ أعداداً غير قليلة من حزب الله تشارك في القتال وأنّ زخماً جديداً قد ضخّ اليوم هناك، فالأمر أخطر مما يتوقعه البعض، خصوصاً أصدقاء سورية الذين ظنوا للحظة أنّ التقدّم في حلب تحديداً بات محسوماً لجهة انتصار سورية وحلفائها وأنّ المسألة مسألة وقت.

تحدث السيد نصرالله عن عدد شهدائه وعن عدد قتلى الإرهابيين منذ معارك أوائل شهر حزيران أيّ حوالي 25 يوماً راسماً مشهد التوازنات هناك بوضوح للمرة الأولى. فمقابل أكثر من 617 قتيلاً للإرهابيين 26 شهيداً لحزب الله أمام هجمة دولية جديدة بضخّ أميركي، وهذا وحده ملف طارئ ستأخذه القيادة «الإسرائيلية» العسكرية للدرس مجدّداً بعد أن تحدّث السيد نصرالله رسمياً عن قدرات تبدو مذهلة لحزب الله كتنظيم أمام الخصوم الدوليين، هذا ما لن يُنذر خيراً عند أجهزة الأمن في تل أبيب والتي تقرّ اليوم بمناسبة ذكرى حرب تموز باكتساب حزب الله قدرات وخبرات كبرى بعد تجربته في سورية، ولكلّ هذا حساب خاص عن مستقبل «إسرائيل» المقلق وتسليم باستحالة خوض معركة برية مع حزب الله بجنوب لبنان مجدّداً.

سمع العدو والصديق مصارحة السيد نصرالله ومكاشفته وعاين إصرار حزبه على الوصول حتى العراق إذا اضطر الأمر، مؤكداً أنه عبر كلّ حدود وأنّ الأمر محسوم «لا حدود ولا قيود» بمسألة الإرهاب وانتهى.

محلياً، يقدّم حزب الله وأمينه العام نموذجاً فريداً من التعاطي مع السلوكيات العامة ويتفوّق على نفسه في تقديم كلّ ما يُبهر، فيحرج الأحزاب الأخرى باهتمامات لم تصبح يوماً ثانوية بانشغاله بالمعركة الكبرى في سورية، وليس واضحاً عما إذا كان خصومه المحليون قادرين على استيعاب هذه الإدارة الدقيقة واستيعاب العلاقة بينه وبين جمهوره من جهة وبينه وبين نظامه الداخلي من جهة أخرى الذي يتقيّد فيه عناصره بشكل دقيق، فما أعلنه نصرالله ليس عادياً بالقدرة على فتح سجالات أو مشاكل داخل الحزب تنظيمياً، فحزمه بشأن «فصل» كلّ مَن يطلق النار في الهواء احتجاجاً أو ابتهاجاً سواء كان له في الحزب 30 عاماً من الخدمة وحتى لو كان قد قاتل «إسرائيل» وساهم في الانتصار ليس موقفاً عادياً. فنصرالله يرفع معركة الأخلاق إلى أعلى مستوياتها ويؤكد انه مستعد للتخلي عن عناصره كرمى للاحتفاظ بصورة الحزب المنضبط والمنظم الذي لا يضيع البوصلة عن القضية الأكبر.

يتفوّق حزب الله على نفسه مجدّداً ويؤكد أنّ شيئاً لا يمكن أن يُستهان فيه في معركة يعتبر أنّ الأخلاق فيها هي الأولى مهما اجتمعت عوامل الضغط وتعقيدات السياسة، لعل بعض ما سيلاحظه خصومه باستعداد الحزب لتخليه عن عناصره المخالفين على سبيل الفكاهة أن الحزب مرتاح لدرجة استعداده التخلي عن بعض «عديده»، بدل ضم المزيد إليه كحزب متّهم بتراجع نسبة تأييد بيئته الانضمام إليه!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى