اعتذار أردوغان: ماذا بعد؟

حميدي العبدالله

أخيراً اضطر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للاستجابة لأهمّ مطلب روسي، وهو الاعتذار رسمياً عن إسقاط الطائرة الروسية، وجاء الاعتذار على أعلى المستويات، أيّ جاء من قبل الرئيس التركي في رسالة خطية موجهة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. والأرجح أنه سبقت وصول هذه الرسالة اتصالات بين الحكومتين، مباشرة أو عن طريق طرف ثالث.

لكن هل تقود هذه الرسالة إلى إسدال الستار على الخلاف الروسي التركي، وتعيد العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه قبل إسقاط الطائرة الروسية؟

إذا حكمنا على تصريحات بعض المسؤولين الروس الذين أدلوا بتصريحات تعقيباً على الاعتذار التركي يمكن القول إنّ تطبيع العلاقات بين روسيا وتركيا لن يكون سريعاً، وإنّ الاعتذار هو مجرد خطوة أولى كما قال مسؤول روسي كبير.

لكن لا شك أنّ الاعتذار وهو أعقد وأهمّ مطلب كانت تريده روسيا وترفضه تركيا أردوغان، وضع العلاقات بين أنقرة وموسكو على طريق التطبيع، ذلك أنّ روسيا لم يكن في حساباتها العمل على التصادم مع تركيا وهي تسعى لإدارة علاقاتها مع تركيا بالمعايير ذاتها التي تدير علاقاتها مع الدول الغربية حليفة الولايات المتحدة، أيّ عزل قضايا الخلاف عن قضايا المصالح المشتركة، ومن المعروف أنّ ثمة مصالح مشتركة بين البلدين إذا ما أخذنا بعين الاعتبار، مستوى ما وصل إليه التبادل التجاري بين البلدين، إضافة إلى النشاط السياحي.

لا شك أنّ الوضع الاقتصادي الذي تمرّ به روسيا وكذلك تركيا، يدفع البلدين إلى تطبيع علاقاتهما والحرص على استمرار التطور التجاري بينهما، ذلك أنّ العقوبات المفروضة على روسيا تجعلها بحاجة إلى الأسواق التركية، كما أنّ الأزمة الاقتصادية، أو على الأقلّ تراجع معدلات النمو الاقتصادي، تدفع تركيا للتمسك بقوة أكبر بعلاقاتها التجارية مع روسيا للتعويض عن تدهور علاقاتها مع سورية والعراق ودول عربية أخرى مثل مصر.

كما أنّ روسيا تحتاج تركيا وتركيا تحتاج إلى روسيا سياسياً لأنّ كلا البلدين لديه خلافات مع الحكومات الغربية، ويمكن للبلدين الاستقواء ببعضهما البعض، أو على الأقلّ توظيف علاقاتهما للضغط على الحكومات الغربية لأخذ رأيهما ومصالحهما وحساباتهما بعين الاعتبار.

يمكن الاستنتاج بشكل عام أنّ الاعتذار قد يعيد على مدى غير بعيد العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه قبل إسقاط الطائرة الروسية، لكن لن يجعلهما دولتين حليفتين، ولن يزيل الخلافات الاستراتيجية بينهما، سواء كانت حول سورية، أو حول عضوية تركيا في الناتو.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى