الاستسلام والتعايش مع «إسرائيل» بسلام هو مشروع السعودية الوحيد

د. رفعت سيد أحمد

يحدثنا التاريخ السابق لما سمي زيفا بربيع الثورات العربية 2011 عن العديد من المؤشرات المتسارعة حول خريطة التقارب السعودي «الإسرائيلي» في السنوات السابقة منها:

1 – كان تركي الفيصل، سفير المملكة العربية السعودية السابق في واشنطن، ورئيس جهاز مخابراتها الاسبق، أول من دشن هذا التوجه الإنفتاحي العلني، ولا يزال يمارسه بقبح وفجور لا يليق بعربي أو مسلم، بدأه عندما استقبل صحافياً «إسرائيليا» أثناء مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي، الذي عقد دورته الشرق الاوسطية في منتجع شرم الشيخ في ربيع 2006، وأعطى هذا الصحافي حديثاً صحافياً مطولاً نشره في صحيفته، تضمن مجموعة من النصائح لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» إيهود أولمرت حول كيفية دفع عملية السلام في المنطقة. وبعدها بشهر تقريبا، أكد تركي الفيصل أن بلاده تحاول اقناع الفلسطينيين، بكل الوسائل، باتباع أسلوب المقاومة السلمية، على طريقة المهاتما غاندي، والتخلي عن الكفاح المسلح لعدم جدواه، بسبب الفارق الهائل في موازين القوى لصالح «الإسرائيليين».

2 – فاجأت الحكومة السعودية المراقبين عندما تبنت موقفاً متسرّعاً وواضحاً، ورد على لسان متحدث رسمي باسمها، أدانت فيه أسر «حزب الله» لجنديين «إسرائيليين» والتسبب بالعدوان «الإسرائيلي» على لبنان. وحمّلت الحزب مسؤولية هذا العدوان ونتائجه. ولم تدن بكلمة واحدة الطرف «الإسرائيلي» الذي كان يدمر لبنان وعاصمته بيروت، ويقتل المئات من أطفاله.

طمأنة «أسرائيل»

ويتضح مما سبق، أن العلاقة السرية بين الكيانين أخذت طورا جديدا، وهو ما يوضحه مقال الكاتب الاميركي «سيمور هيرش» الذي نشرته مجلة «نيويوركر « في 5/3/2007، تحت عنوان «إعادة التوجيه».

يقول هيرش عن العلاقة بين المملكة و«إسرائيل»: أن التحول في السياسة دفع السعودية و«إسرائيل» إلى ما يشبه «العناق الاستراتيجي الجديد»، لا سيما أن كلا البلدين ينظران الى إيرأن على أنها تهديد وجودي. وقد دخلوا السعوديون والإسرائيليون في محادثات مباشرة، حيث يعتقد السعوديون أن استقراراً أوسع في «إسرائيل» وفلسطين، سيعطي لإيران نفوذاً أقل في المنطقة. ومن ثم أصبحوا أكثر تدخلا في المفاوضات العربية «الإسرائيلية». وخلال العام الماضي، توصل السعوديون و«الإسرائيليون» وإدارة بوش، إلى سلسلة من الاتفاقات ـ غير الرسمية ـ حول توجههم الاستراتيجي الجديد، وشمل هذا الامر عناصر أهمها: طمأنة «إسرائيل» إلى أن أمنها هو الامر الاسمى، وأن واشنطن والسعودية والدول الخليجية الاخرى تشاركها قلقها حول إيرأن.

وينقل سايروس فانس، في مذكراته عن زيارة فهد للولايات المتحدة الاميركية، وبعد تأكيد رئيسها له على التزامه الذي لا يتزعزع بأمن «إسرائيل»، وحينما يسأل الملك فهد عن رأيه يجيب: «إن هذه السنة ميمونة للتوصل الى حل شامل للمشاكل العربية الإسرائيلية». ولم يحدث أن توترت علاقة السعودية مع الولايات المتحدة الحامية الاقوى لدويلة «إسرائيل»، وحتى بعض المواقف السعودية التي تبدو وكأنها مخالفة لسياسة أميركا، فأن ذلك «نوع من الخلاف بين الاحباب».

ينقل كارتر في مذكراته، أن السادات «كان يرغب في أن يعلن على الملأ بأنه غير راغب في إيجاد دولة فلسطينية مستقلة. وهو يرى أن وجهة النظر هذه مشتركة بينه وبين السعوديين والعرب المعتدلين». هذه الحقيقة التي يكتمها أل سعود عن موفقهم من «كامب ديفيد» ومن عدم قيام دولة فلسطينية مستقلة، فالنظام السعودي لا يمتلك اي مشروع جدي يقضي بحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً، بل أن الاستسلام والتعايش مع «إسرائيل» بسلام هو مشروعهم الوحيد. هكذا طرح فهد مشروعه الفاشل في قمة «فاس». وتلاه الملك عبدالله في مبادرة السلام العربية 2002، ثم سلمان وابنه محمد في تواصلهم المباشر، أو عبر وكلاء أمثال تركي الفيصل أو أنور عشقي، والحبل على الجرار. كان يحوي هذا المشروع على ثمان نقاط أهمها إنسحاب «إسرائيل» من جميع الاراضي العربية التي احتلت عام 1967، بما فيها القدس، وإزالة المستعمرات التى أقامتها «إسرائيل» في الاراضي العربية بعد عام 1967، وخضوع الضفة الغريبة وقطاع عزة لفترة إنتقالية تحت إشراف الامم المتحدة، لمدة لا تزيد عن بضعة أشهر، وتأكيد حق دول المنطقة في العيش بسلام ومن ضمنها «إسرائيل» طبعاً، فقوبل المشروع بالرفض القاطع من قبل دول «جبهة الرفض» سورية وليبيا واليمن والجزائر . أما الدول الاخرى بما فيها الدول الخليجية، فقد أيدت المشروع تبعاً للسعودية. وما حقيقة هذا المشروع الا دفع أميركي لإشاعة روح الإنهزام والتخاذل عن المطالبة بالحقوق المشروعة للمسلمين وخصوصاً الشعب الفلسطينية، وهذه الايام لا نحتاج لإثبات الدور السعودي في إقرار أمن «إسرائيل» والاعتراف بها.

«العشق» والمصلحة

ومن الامور المضحكة في علاقة «أولاد العم» آل سعود و«الإسرائيليين» أن ينكر «آل سعود» أنهم يطبّعون مع العدو الصهيوني. وعندما تشتد الحملة على مندوبيهم المطبعين أمثال أنور ماجد عشقي، الجنرال المهأن يتبرأون منه وكأنه يستطيع أن يذهب الى حمام بيته بحرّية ومن دون استئذان مشغليه، فلا الرجل ولا أي مسؤول سعودي، صغر مقامه أو كبر، يجرؤ على أن يتحرك من دون إذن حكامه آل سعود، أو أن يذهب لمدينة سعودية أخرى، وليس إلى دولة ودولة عدوة وفقا للأعراف الإسلامية والعربية التي تدعي السعودية الإنتماء اليها .

إن التاريخ يحدثنا بأن الملك الراحل فهد هو الذي دفع عدنان خاشقجي، رجله في مجال الإستثمار والمال، إلى القيام بنقل يهود «الفلاشا» الى «إسرائيل» والملك الراحل عبدالله الذي صدعونا بأنه عروبي هو أصلاً لا يفقه معنى كلمة عروبة، وهو الذي دفع بندر بن سلطان، السفير السعودي السابق في أميركا، ومسؤول الامن القومي الحالي، لاقامة علاقات وزيارات وطيدة مع رجال «الموساد» إبّأن الحرب على لبنان 2006 . والمعروف أيضا، أن الشركات «الإسرائيلية» التي تعمل في الرياض، منذ الثمأنينات وحتى اليوم، وصل عددها الى 19 شركة، وهي تحمل أسماء اميركية، حتى لا يغضب الرأي العام ويكتشف إزدواجية آل سعود التاريخية، في ادعاء الاسلامية والعروبة، في الوقت الذي يمارسون فيه التطبيع الاقتصادي مع عدو العروبة والاسلام! ثم بماذا نسمي العلاقات النفطية والاقتصادية وصفقات شراء السلاح السنوية ـ التي لا تصل أصلا ـ مع دول الغرب، والتي تصب عوائدها في جيوب الصهاينة، أليس هذا تطبيعاً ودعماً غير مباشر لـ«إسرائيل»، في الوقت الذي يبخلون فيه على أهل غزة وفلسطين بما قيمته واحد في المئة من هذه الصفقات الحرام، ويتركون أهلها يموتون جوعاً وحصارا! وبماذا نسمي حوار ألاديان مع شيمون بيريز، والعشاء الفاخر لـ«خادم الحرمين» الراحل الملك عبد الله معه، وقوله لشيمون أثناء إزدراده الطعام: أسمعك اه… أصافحك لا ، على وزن أغنية الفنانة اللبنانية نانسي عجرم! ثم أنه بعد ذلك خيب ظن نانسي ورفيقاتها وصافح الرجل بعد الاكل معه! أليس هذا تطبيعاً؟

وبماذا نسمي مبادرة السلام التي روج لها ودفع الملايين للإعلان عنها، رغم إسقاطها لحق العودة واحتواءها على بنود تفرض رفع العلم «الإسرائيلي» فوق العواصم العربية كلها، بما في ذلك مكة المكرمة، بعد قبول «إسرائيل» بعودة شكلية لحدود 1967! أليس هذا تطبيعا مجانياً مع عدو الامة ومقدساتها!

الاطماع الإسرائيلية

لم يحل دخول المملكة السعودية، وما يحيطها من إمارات خليجية، ضمن منطقة نفوذ أميركية خالصة، إثر اللقاء الذي جمع الرئيس الاميركي روزفلت وعبدالعزيز ابن سعود، في شباط/ فبراير 1945، دون أن يكون للحركة الصهيونية و«إسرائيل» منظورها المستقل بخصوص شبه الجزيرة العربية، رغم تمتع الاخيرة بذات المزايا التي وفرتها مظلة الامان الاميركية، ففي كتابة «أرض عظيمة وأمة عظيمة» يدعو أحد قادة حركة «من اجل ارض إسرائيل الكاملة»، وهو المدعو «تسفي شيلواح» إلى «فتح بغداد والكويت لإفساح المجال أمام غالبية اليهود كي يستقروا في وطنهم، الذي يمتد بين البحر المتوسط وبلاد فارس».

وسواء عكست مثل هذه الدعوات أشكالا من الابتزاز الصهيوني للحليف الاميركي، أو إرهابا مبرمجا للاطراف العربية، بغية انتزاع مكاسب جيوإستراتيجية، فالمتتبع لمسار الدعوات الصهيونية، في هذا الصدد، سيلحظ تحقق بعض منها في اللآونة الاخيرة، خصوصا بعد الغزو العراقي للكويت في العام 1990، والغزو الاميركي للعراق، في العام 2003، اللذين ترتب عليهما مقدمات تفسح المجال فعلياً أمام النفوذ اليهودي، في الكويت والعراق.

وكان أرييل شارون، عندما كان وزيراً للدفاع، أعد محاضرة لحساب مركز «جافي للدراسات الاستراتيجية « بجامعة تل ابيب، عام 1981، أشار فيها إلى ضرورة توسيع المجال الاستراتيجي والامني لـ«إسرائيل»، بحيث يشمل « تركيا وإيران وباكستان ومناطق مثل الخليج وافريقيا». وهي الدعوة التي أثارت تعليقات واسعة في «إسرائيل»، وكان منها الحديث عن الآثار المترتبة على تحول النفط العربي الى نفط يهودي، وذلك في ضوء إحتلال الكويت، حيث لن يعود النفط سلاحاً عربياً، بل مجرد وقود لا أكثر، وهو ما حمل كاتب إسرائيلي آخر، في تلك الفترة، على تحرير مقال حمل عنوانا ذا مغزى، هو «إستراتيجية إسرائيل في الثمانينيات» خلص فيه إلى أن إقليم «شبه جزيرة العرب، بأسره، مرشح طبيعي للأنهيار»، «خصوصاً في السعودية، سواء بقيت قوتها قائمة على النفط أم انخفضت على المدى البعيد».

مشاريع الهيمنة

والمثير، أنه لم تمض سنوات قليلة على تصاعد تلك الاحاديث حتى أصدرت «إسرائيل» عام 1986 قطعة نقدية معدنية، نحاسية اللون، من فئة عشرة أغورات، تحمل على وجهها الثأني اسم «دولة إسرائيل»، باللغات العبرية والعربية والأنجليزية، ضمن خريطة نافرة، تغطي المساحة الممتدة من دلتا النيل مروراً بسيناء وفلسطين ولبنان وسورية والعراق، ثم إلى منطقة الخليج العربي، إمتداداً إلى جنوب شبه الجزيرة العربية، والتي تجاوزت مساحتها كثيرا المساحة التي حددتها الخرائط الصهيونية السابقة، مما يعكس تقنينا لتوجه صهيوني، يبغي تحويل الأمنيات القديمة إلى أهداف فعلية على الارض منها:

– توفير أو زيادة فرص تدخل «إسرائيل» في شؤون شبه الجزيرة العربية، بما يخدم مصالحها الاقتصادية والسياسية والامنية.

– مقاومة أي توجه لإنخراط دول شبه الجزيرة العربية في التعاون أو الائتلاف والتضامن مع دول المواجهة العربية.

– الابقاء على الخلل القائم في ميزأن التسلح لصالح «إسرائيل».

وبحسب أحد الباحثين الفلسطينيين، فإن هذه الاهداف لم تكن محض خيارات نظرية، لدى دوائر صناعة القرار الإسرائيلية، وإنما برزت كأطر عامة تنظًم جملة أنواع السلوك السياسي والعملي لـ«إسرائيل»، تجاه دول شبه الجزيرة العربية.

وفي هذا الاطار، يعد مشروع « الشرق الاوسط الجديد « أبرز الاطر النظرية، التي حددتها «إسرائيل» للعلاقة بينها وبين العرب في المستقبل المنظور، والتي تؤدي دول الجزيرة العربية فيها دوراً محورياً، من خلال موضوعات التعاون المشتركة، كالبنية التحتية للنقل والمواصلات، التي تشمل: طرق السكك الحديدية عبر المملكة العربية السعودية والخليج العربي، الطرق السريعة التي تمر خطوطها عبر أماكن في الخليج العربي، والتي تطرح فيها مسالة التنمية والتطوير كوسيلة للترغيب والاستدراج الى بناء هذا الأنموذج الجديد من «الشرق الاوسط» ، الذي سعت ادارة بوش الابن، أنذاك، إلى إعادة تبنيه تحت مسمى آخر هو «الشرق الاوسط الكبير» بغية تسويقه إقليميا، بعد تعثر الأنموذج «الإسرائيلي» الأصل، بفعل القمع «الإسرائيلي» للإنتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000. ولازالت المشاريع قائمة والإنتفاضات في مواجهتها أيضاً قائمة، وأخرها إنتفاضة السكاكين 2016 .

مخطط استراتيجي للتواصل

إن مخزون الأفكار والبيانات لمتخذي القرار في «إسرائيل» خصوصا قبل ما سمي الربيع العربي 2011 ، لم يعدم صياغة التصورات والمشروعات المتعلقة بالتعاون الاقتصادي بين «إسرائيل» ودول الخليج وعلى رأسها السعودية بشكل خاص، حيث يُقدر الاقتصاديون «الإسرائيليون» زيادة في الصادرات «الإسرائيلية» بمقدار الثلث، في حالة إستيراد السعودية ودول الخليج عشرة بالمئة فقط، من إحتياجاتها من الواردات، التي قدرت بأربعين بليون دولار، في العام 1991، من الدولة الصهيونية. لذا بدت دول شبه الجزيرة العربية، في الخرائط «الإسرائيلية»، المرتبطة بالمشروعات المقترحة، جزءا من الكيان الاقتصادي الشرق أوسطي الموحد، الذي يخترق الحدود بالطرق الدولية، وخطوط السكك الحديدية، وشبكات الكهرباء، وأنابيب النفط والغاز ، وقنوات المياه، ومسارات الطيران وأنظمة الاتصالات، حيث وضع الجانب «الإسرائيلي» المملكة السعودية في صدارة قائمة الدول التي يتطلع الى التعاون الاقتصادي معها، وذلك بحسب ما أكده عام 1994 رئيس شعبة الميزانيات في وزارة المالية دافيد برودت، لكون السوق الاهم للصناعات «الإسرائيلية» بين الاسواق المستقبلية في المنطقة، هي السوق السعودية، وما يقترن بذلك من مشروعات لنقل نفط دول الخليج عبر «إسرائيل»، منها مشروع الاقتصادي «الإسرائيلي» جدعون فيشلزون، الذي عرض خيارات عدة لإنشاء خمسة خطوط نفط جديدة تربط بين «إسرائيل» والاردن ودول الخليج العربية ، هي :

أ خط ينبع العقبة، بطول 950 كلم، الذي يتفرع من خط راس تنورة العقبة.

ب خط رأس تنورة العقبة، بطول 1550 كلم.

ج خط من جنوب الكويت العقبة بطول 1300 كلم.

د خط يربط أنبوب شركة نفط العراق، بخط الكويت العقبة داخل الكويت، أو بجوارها، بطول 170 أو 270 كلم.

هـ – تمديد خط «التابلاين» إلى حيفا، بطول 1700 كلم. من الخليج العربي السعودية الاردن، بمحاذاة الخط الاصلي لأنبوب شركة نفط العراق.

وبخلاف الخيار الاخير، يتم نقل النفط في الخطوط المقترحة من خليج العقبة / ايلات، عبر خط إيلات عسقلأن على البحر المتوسط، لذا، جاء وقتها – إنشاء ميناء في غزة لاستخدامه لهذا الغرض، إو لغرض تجاري مشترك. وهو خيار يتطلب، برأي فيشلزون، شق طريق برية تمتد من الكويت، أو من ميناء سعودي على الخليج العربي، إلى العقبة فالبحر المتوسط. وبذلك يدمج فيشلزون عملية نقل النفط بمشروع الطرق والمواصلات، التي تربط بين «إسرائيل» ودول الخليج العربية، ثم الاهم والاخطر، الأن، هو إستخدام آل سعود لجزيرتي «تيران» و«صنافير» المتنازل عنهما من مصر، لصالح دفع التطبيع الاستراتيجي بين السعودية و«إسرائيل» خطوات واسعة وخطيرة للامام.

لكل هذه الاهداف والمخططات، أقيمت بين «إسرائيل» وبعض دول الخليج العربية، وفي مقدمتها السعودية، جسور إتصال وتفاهم متعددة، كأحد ملامح «الشرق الاوسط الجديد»، منذ إعلأن الملك السعودي الراحل فهد عن مبادرته للسلام بين العرب و«إسرائيل»، مروراً بمؤتمر مدريد للسلام في العام 1992، فمبادرة الملك عبد الله للسلام، في بيروت، في العام 2002، وما صاحب ذلك من إقدام دول الخليج على إلغاء مقررات المقاطعة العربية لـ «إسرائيل»، من الدرجتين الثانية والثالثة في أيلول/ سبتمبر 1994، ثم إنخراط بعض هذه الدول في علاقات إقتصادية وتجارية مباشرة مع «إسرائيل» مثل: قطر، سلطنة عُمأن، البحرين والسعودية!

وتمتد العلاقات الإسرائيلية / السعودية وتتشعب ولا تتوقف عند مبادرات الملك عبد الله ولا عند موقف دولته المخزي أثناء حرب لبنان، لكنها تمتد بعمق التاريخ وتحمل حقائق مذهلة ، ولاتزال أصداءها ترج أركان الأمة، خصوصا بعد زيارة أنور عشقي إلى تل أبيب وتطبيعه المجاني بأمر الملك مع الصهاينة.

تطبيع إعلامي

لا يخفى على العقلاء من سياسيي وإعلاميي الامة، الحاجة «الإسرائيلية» التاريخية للتطبيع الإعلامي والثقافي مع مؤسسات الاعلام والثقافة في بلادنا، وأن العدو الصهيوني بالمناسبة لا يزال عدوا رغم ميوعة البعض وتزييفه لطبيعة الصراع ولا يزال يحاول وبدأب يومي إختراق إعلامنا، إما مباشرة أو عبر وسائط، بهدف تطويعه ونزع قيم الصمود والمقاومة من داخله، وإحلال قيم الاستسلام والهزل مكانها. هذا القول ياتي بمناسبة ما ينشر تباعا عن علاقات تطبيعية بين الإعلام السعودي وأباطرة الاعلام والمال الصهاينة في أميركا مثل «مردوخ». وأيضاً، مع الصهاينة في فلسطين. ومنذ سنوات عدة نشرت الكاتبة إيمان النقشبندي، على موقع صحيفة «المدار»، حقائق خطيرة عن علاقات مشبوهة لشركة فنية، يملكها الأمير الوليد بن طلال، مع «إسرائيل»، وكيف أصبحت بوابة للتطبيع الفني مع هذا العدو. وهو الأمر الذي يهدد ثقافتنا وأدبنا وفننا العربي.

…وتطبيع فني سعودي

في البداية، تذكر الدراسة أن أصحاب شركة «إسرائيلية» إسمها «نيوساوند أنتراكتيف م.ض» كلفتهم شركة بن طلال تمثيلها في «إسرائيل» لترويج وبيع إنتاجها الفني داخلها.

ورفع اصحاب شركة «نيوساوند» وهما الإسرائيليان: داهود أمسيس ويوسف خلف، دعوى قضائية أمام قاضي المحكمة المركزية في تل أبيب، طالبا فيها بوقف بث الشركات «الإسرائيلية» للاغاني التي تنتجها تلك الشركة، إلا بعد الحصول على إذن من شركتهم أي بعد بيع الشركة «الإسرائيلية» الاغاني للجهة العارضة ، بعد أن كانت شركات البث «الإسرائيلية» تبث هذه الاغاني مجاناً، لعدم وجود وكيل حصري لـها في «إسرائيل».

كما شملت الدعوى التي رفعها أصحاب الشركة الممثلة فرض غرامات على جميع مواقع «الأنترنت» التي بثت أغانيها، بعد توقيع عقد الشراكة بين الشركتين.

وقدمت شركة المحاماة الشهيرة في «إسرائيل» شيبوليت بصفتها ممثلة لشركة «نيوساوند أنتراكتيف»، للمحكمة وثائق ومستندات صادرة عن الشركة السعودية، تكلف بموجبها الشركة «الإسرائيلية» بتمثيلها في «إسرائيل»، وذلك عن طريق أحد فروعها في مصر.

محامي شركة «شيبوليت» من تل ابيب، طلب من المحكمة إستصدار أمر بوقف إستعمال أغاني محسوبة للشركة السعودية فوراً، وأن يتم دفع مبالغ معينة من المال لمبعوثيها وهم أصحاب شركة «نيوساوند أنتراكاتيف م.ض- الإسرائيلية». واستند المحامون إلى مستندات ووثائق مأخوذة من ادارة شركة الوليد بن طلال.

صحيفة «إيس»- «الإسرائيلية» نقلت عن محامي شركة «نيوساوند أنتراكتيف» قوله: «إذا لزم إحضار توكيل من الشركة السعودية لابرازه أمام المحكمة «الإسرائيلية» فإننا سنحضر التوكيل منها».

أخطر ما في القضية أن القانون «الإسرائيلي» ينص على أن أصحاب الأنتاج الفني نفسه، أي المطرب أو المطربة، هم الوحيدون الذين يمتلكون حق طلب ثمن أنتاجهم من «الإسرائيليين»، وهذا معناه أن الشركة الفنية السعودية، وفقا للقانون «الإسرائيلي»، وقّعت على العقد نيابة عن عدد كبير من المغنين العرب. وأن أصحاب الإنتاج المطربون العرب أنفسهم هم الذين وكَّلوا شركة نيوساوند بتمثيلهم أمام المحاكم الإسرائيلية.

ماذا تعني هذه الحقائق الخطيرة؟ إنها تعني من وجهة نظرنا الاتي:

1- إن الشركات الفنية السعودية تفتح باب التطبيع الفني مع «إسرائيل»، لاهداف سياسية، وليس لاهداف مالية، فهي لا تهمها هذه المئات أو الالوف من الدولارات، فصاحبها الوليد بن طلال حسب علمنا، هو من أغني مائة شخصية في العالم. والأمر بالنسبة إليه ليس أمر مال، الأمر أمر سياسة. ويعتقد كثير من المتابعين لعلاقات دولته السرية بـ«إسرائيل» أن أعمامه وإخوته وعائلته الحاكمة في أرض الحجاز تعلم ذلك، وتباركه، بل وربما، هي التي طلبت منه ذلك.

2- نسال وببساطة شديدة، أين نقابات مصر والوطن العربي الفنية من هذا العبث بحقوق مطربينا وبالدور الوطني لفننا وثقافتنا، وهي النقابات الرافضة للتطبيع وفقا لقرارات وتوصيات جمعياتها العمومية. وما هو موقف المطربين والمطربات العرب مما يتم باسمائهم في «إسرائيل»، وهل سيصمتون أم سيرفضون؟ وإذا رفضوا، كيف يحولون هذا الرفض إلى فعل جاد حقيقي يجبر تلك الشركة علي التراجع؟

قواسم المشتركة بين آل سعود والصهاينة

يحدثنا التاريخ بوقائعه أن الدولتين تشتركان في أنهما قامتا على أساس علاقة متشنجة مع الدين، وعلى وهم أن العالم الخارجي مستعد دائما للإنقضاض عليهم. والسعودية تبني جدارا عنصريا عازلا مع العراق، وتضرب الأن اليمن بالقنابل المحرمة دولياً، وتدمر سورية بالطريقة ذاتها التي تعتمدها «إسرائيل» في بناء الجدار العازل مع الفلسطينيين، وفي قتلهم إنطلاقا من نقاء الجنس السعودي والجنس اليهودي ودنس الآخر الموجود خلف الجدار.

وتشترك الاسرة السعودية مع «إسرائيل» في إمتلاك الروح العنصرية نحو الآخر، في الداخل والخارج.

ويتفق حكم آل سعود مع «إسرائيل» في أنهما عاشا بالعنف وسلاح الارهاب ضد الآخر، ووهم التوسع لدى كليهما لا تحده حدود جغرافية.

إن جوهر فكرة الحكم السعودي والكيان الصهيوني تقوم على الاعتماد المستمر على الخارج، ليس فحسب في النشأة، بل في كل مراحل الحياة وحتى اليوم. ودعونا نفصل قليلا :

إن الفهم الخاطئ لعدم تطبيع السعودية مع «إسرائيل» وأنها دولة مستقلة وتدعي تطبيق الشريعة والاسلام النقي، كل هذا لايزال يحتاج الى تفنيد، والافضل أن يكون هذا التفنيد من داخل المملكة، وهنا مهم أن نقدم شهادات من داخل «السعودية»، شهادات علماء وخبراء ومعارضين شرفاء لا يبغون سوى وجه الحقيقة. ونحسب أن شهادة الدكتورة/ مضاوي الرشيد، الباحثة والخبيرة في شؤون بلادها، والمعارضة التي تعيش في لندن، وابنة العائلة الحجازية العريقة التي إضطهدها آل سعود عائلة الرشيد عبر التاريخ، تعد هي الشهادة الأهم هنا، خصوصا في ذلك الملف الشائك الذي لا يريد أحد من إعلامينا وسياسيينا المنافقين فتحه، ألا وهو: العلاقات غير المعلنة بين السعودية و«إسرائيل». اليوم نقدم رؤية تحليلية رائعة للقواسم المشتركة بين المشروعين: مشروع آل سعود، ومشروع آل صهيون. وهي القواسم التي تفسر للامة كلها لماذا يتحالف ويتآمر آل سعود مع الصهاينة والاميركيين سراً وعلانية ضد المقاومة العربية والاسلامية وفي مقدمتها المقاومة الفلسطينية؟ ولماذا تضخ المؤسسة «الوهابية» التكفيرية، صباح مساء، فتاوى تؤيد الارهاب التكفيري في سورية وسيناء والعراق، وفي الوقت نفسه، ترفض الجهاد الحقيقي ضد الكيان الصهيوني، وتكفّر من يقوم به من غير إذن ولي الامر. ويا لها من نكتة عندما يكون ولي الامر هو هؤلاء الحكام العرب المتحالفين مع واشنطن وتل ابيب.

ماذا تقول دراسة الدكتورة مضاوي الرشيد، والتي نشرت قبل فترة لكنها ما تزال حية وجديرة بالقراءة، هي موضوع الحلقة الخامسة والاخيرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى