طلال مرتضى في كتابه النقديّ «قراءات تغوي الريح»… صياد القرّاء!

حاورته: ليندا نصار

طلال مرتضى، شاعر وناقد وإعلاميّ سوريّ يقيم حالياً في النمسا. كتاباته انطباعية تتناول الشعر والقصة والرواية وغيرها. وهو يتعامل مع النتاج الأدبي انطلاقاً من ذائقة خاصة به، ومن خلال إعجابه بالعمل المطروح.

«قراءات تغوي الريح»، كتابه النقديّ الأول، هو تجربة قرائية مهمة لاثنتن وخمسين مُنجَزاً أدبياً. وقد جُهّزت كمقالات، ونُشرَت تباعاً في صحف ومجلات عربية ودولية، ليصار إلى جمعها في كتاب من قبل «مؤسسة الرحاب الحديثة بيروت».

يعتني طلال مرتضى بعناوين نصوصه النقدية، خصوصاً أنه يؤمن بسلطة العنوان في النصّ كونه العتبة الأساس للولوج إلى أعماقه. بعد اختيار العناوين، ينتقل مرتضى إلى الكتابات فيعمل عليها كاشفاً ما فيها من معانٍ ورموز، مجتهداً في الإضاءة على ما تتضمنه من إبداع مضيفاً إليها لمسة خاصة من قلمه.

«البناء» أجرت حواراً مع مرتضى، وهذا نصّه:

«قراءات تغوي الريح» عنوان كتابك النقدي الأدبي الجديد وهو يقارب الحالات الشعرية. ما الذي دفعتك إلى اختيار هذا العنوان؟

ـ يقارب العنوان «قراءات تغوي الريح» الحالة الشعرية، وقد عملت بدأب ومثابرة على اصطياد القارئ بدءاً من العتبة الحامل: «العنوان»، حتى نهاية المقال، من تمرير المفاتيح النقدية وكل مضمرات الكتابة المقروءة، والكشف عن دوالها بأسلوبية شائقة، تجعل من القارئ تابعاً لا زاوية ثالثة في المعمار الأدبي بعد الكاتب والناقد.

سبق أن خضتَ مجالات كتابية عدّة منها الشعر والنقد. إلى أيّ مدى يتدخل الشاعر المرهف في داخلك ليشارك قلمك الناقد؟

ـ النقد أشبه بمعادلة خيميائية. قياساً وتعداداً، وبالتالي تكون النتيجة حسابية بحتة وجافة، وهذا ما ينفر قراءً كثيرين لصعوبة فكّ الرموز النقدية. وهنا لا بدّ من تدخل مبضع الشاعر الرهيف، والذي يحوّل تلك المعادلة إلى حالة بغاية السلاسة، لذلك تجدين في كل مقالاتي لغة شعرية طاغية، وهذا ما يجعل القلم الشاعر شريكاً أساسيا في العملية النقدية.

بما أنك متابع ملتزم الشأن الثقافي، ما هو دور الإعلام في التسويق للكتابات المطروحة في الساحة الثقافية؟

ـ لم يعد الأمر حكراً على وسائل الإعلام. فالعالم تحوّل إلى قرية كونية صغيرة، أي أنّ المناهل تعدّدت وهذا ما يفرز الكثير. قد تكون هناك تأثيرات سلبية على الذوق العام، لكن في نهاية الأمر، لكل منجز جاذبيته، إما أن يرسو في قاع الذاكرة إلى الأبد، أو يطفو كخشبة أرخميدس. وأكبر رهان على ذلك هي المعلقات التي لم تزل كأوابد إلى وقتنا الحالي.

كيف تقيّم الأعمال الأدبية اليوم؟ وما هو مقياس اختيارك الكتب والعمل على نقدها، وأنت ممّن يتجنّبون الحدّية في كتاباتك الانطباعية؟

ـ ثمة مراوحة جليّة تطغى على المشهدية الثقافية العربية عموماً. ويعود ذلك إلى أن المبدع العربي يمارس اليومي على حساب الإبداعي. ومردّ ذلك بسبب انعكاس الأوضاع السائدة، فالمبدع ينصرف إلى تدوين أوجاعه وتوصيفها، وهذا ما يجعله متقوقعاً في حيّز معيّن، وهذا ما يجعل الحالة الإبداعية مؤطّرة.

أما عن كيفية انتقاء كتاب ما، لأجل كتابة دراسة عنه، ففي الأغلب أختار جلّ كتاباتي لأدباء لا أعرفهم، وأكثر ما يشدّني إلى للقراءة والكتابة، الديوان أو الرواية الأولى لكاتب ما.

كما أسلفت، جل من كتبت عنهم هم أدباء مغمورون. والمنجز الأول لأي كاتب يجب التعامل معه بحساسية فائقة. فلنقل إن منجز ما قد طبع وصار في متناول الجميع، في حين يأتي ناقد ويطبق على هذا المنجز النظريات النقدية التفكيكية العالمية، بكل سلطتها التي لا تتقارب ولا تتساوق مع ثقافة هذا الأديب. أليس في الأمر شيء من الفجاجة حين يصير الناقد جلاداً في عيون الكاتب؟

لذلك تقصّدت أن أقارب هذا المنجزات انطباعياً مع تمرير بعض اللكزات الناعمة كجرعة منشّطة للمبدع لا محبطة له.

يقول الدكتور نضال الصالح في مقدّمة منجزك الجديد إنك مؤمن بما ينجزه سواك وهو جدير بالقراءة. إلى أيّ مدى ينطبق عليك هذا الكلام؟

ـ بالتأكيد هو أستاذي ويدرك عن سابق قراءة ما يدور في خلدي، حول إيماني بما ينتجه أيّ مبدع. وهنا أقول إن أيّ كتابة هي حالة نزوح أو نزوع لكاتبها، هذا يعني أنها جزء كلي من أناه. ألا يستحق شخص ما أن نقرأ له أو نستمع إليه، بعيداً عن روافع اللغة وممكناتها؟

لقد قاربت في كتابك أجناساً أدبية متعدّدة من رواية وشعر وغيرها. أيهما الأقرب إلى ذوقك؟ ولماذا؟

ـ جلّ ما كتبت عنه هو منجز عابر للأجناس، ما جعلني أنحو بدفتي نحو القارئ لتقديم ومضة تعريفية عما يتناوله في هذا المنجز، لأننا نجد اليوم الكثير من المطبوعات تخرج من تحت سقف الشعر. وحين نتلمسها قرائياً، نجد فيها الخاطرة والومضة وكلّ الفنون الأخرى، وهذا ما يجعلني أنوّه في معظم مقالاتي، من خلال نبذة عن ماهية ما يقرأ.

جواباً للشق الثاني من سؤالك، عندما أتعاطى مع أي مطبوع، أحاول بداية بناء علاقة بيني وبينه. أي مصالحة، وهذا ما يتيح لي مكاشفته بتجرّد.

يعتبر العنوان وسيلة مهمة لجذب الجمهور من خلال تعبير النقاد عن ذلك، كما نلاحظ اعتناءً كبيراً من جهتك بعناوين الكتب، وسبق أن كتبت مقالاً حول سلطة العنوان في النص. إلى أيّ مدى يجذبك هذا الأخير؟

ـ أدخل من حيث خرج «جيرار جينيت» الذي بين وظائف العنوان باختزال: التعريف والإغراء والتشويق والتسويق، كما اختصرها ضمن ثلاثة مصطلحات شاملة هي: التعيين، وتحديد المضمون، وإغراء الجمهور.

وغالباً ما يوقعني العنوان تحت بند الإغراء. وفي ما قدّمت من قراءات في هذا الخصوص أتعامل مع العتبة كما هي، لأنها في الغالب جزء من المنجز. كرمَه الكاتب ووضعه منارة لمنجزه، وهذا ما يؤكد قول الدكتورة الناقدة نوال الحلح، إن العنوان زبدة النصّ.

نلاحظ اليوم تنميطاً للقصيدة العربية في ظلّ ما يعانيه المبدع العربي. برأيك ما هي الأسباب التي أدّت إلى ذلك؟

ـ لعلّي أسلفت في القول إن الحالة الإبداعية العربية تدور في مضامير ضيقة ومخنوقة. ألا ما رحم ربي. ويعزى ذلك لما يعانيه المبدع العربي من استنزاف في ظل غياب الرعاية الرسمية للأدب والأدباء. أمتنا كما اللغة حية، تنجب كل يوم ألف مبدع، ولغتنا متفتقة.

وهنا أودّ السؤال: لماذا ينجح المبدع العربي في بلاد الغرب على عكس بلاده؟

والجواب مقتبس: «هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى