لماذا تتحاشى الأمم المتحدة الوقاحة التركية في العراق وسورية؟

شارل أبي نادر

لا يمكن فهم، أو تفهّم، النظرة الدولية الأممية للدور التركي في العراق وفي سورية، لناحية التدخل العسكري المفضوح، الذي لا يمكن للتبريرات المبتذلة وغير الواقعية أن تعطيه مشروعية دولية قانونية، أو ديبلوماسية، أو لناحية الغطرسة الرسمية التركية، في مقاربته، من خلال التهجّم على المسؤولين العراقيين أو السوريين. والذي، أيضاً، لا يمكن للادّعاءات التركية الوقحة، أن تجعله مقبولاً أمام المجتمع الدولي وما يمثّل وما هو بالمبدأ مؤتمن عليه، لناحية احترام الأصول والأعراف والأنظمة والقوانين الدولية الثابتة تاريخياً.

بالعودة إلى فلسفة وجود الأمم المتحدة ومهمتها والأهداف التي تأسّست من أجلها تاريخياً وأيضاً، بالعودة إلى مسؤوليات المؤسسات الدولية التابعة لهذه المنظمة، نجد أنّ هذه الأخيرة لا تمارس أيّ دور لها في هذا المجال، حيث هناك دولة كتركيا، معروفة بحدودها وبسلطتها وهي عضو أساسي وفاعل في المنظمة الدولية المذكورة، تنفذ اعتداءً واضحاً على سيادة دول أخرى قريبة، كالعراق أو سورية. دول مستقلة وعضو في المنظمة ذاتها، تخضع لقوانينها وتستفيد من حمايتها ورعايتها الأممية بالمبدأ ، حيث تقوم تركيا، بشكل علني ومكشوف، بإدخال وحدات عسكرية واحتلال مناطق ومهاجمة عسكريين، أو مدنيين أحزاباً أو مجموعات إرهابية أو معتدلة من دون أن تعير اهتماماً للنداءات الرسمية والشعبية للدولة الضحية، العراق أو سورية. وهي تمعن، أيضاً، في التدخل لمصلحة فريق ضدّ آخر. وتشرّع حدودها لإدخال الأسلحة والمقاتلين بشكل سافر. وايضاً، تسمح لمافيات ولمجموعات إرهابية، أو لغيرها، بتصدير النفط المسروق من الآبار السورية والعراقية. وتساهم، بذلك، في حرمان الشعب العراقي والسوري من حقوقه ومن ثروته الوطنية.

من هنا ولكي نستطيع فهم حيثيات هذا التهرّب الدولي من المسؤولية، أو استيعاب هذه اللامبالاة الأممية، أمام الاعتداءات الفاضحة على سيادات دول وعلى شعوبها، لا بدّ من إدراج عرض بسيط لتاريخ الأمم المتحدة القريب، أو البعيد، في كيفية تحمّلها مسؤولياتها الأساسية في حماية الدول والشعوب والسيادات والقوانين الدولية:

بموضوع الاحتلال الصهيوني لفلسطين ولبعض الأراضي العربية الأخرى، خصوصاً في لبنان وسورية ومصر. وحول الاعتداءات والحروب التي نفذتها «إسرائيل» على خلفية احتلالها المذكور، لم يكن للأمم المتحدة، عملياً، ايّ دور في وقف هذه الاعتداءات، لا بل بالعكس، كان يتبيّن أنّ لها دوراً مساعداً في تعزيز الاحتلال وحمايته، عبر الوصاية الغربية المباشرة على مسؤوليها وخصوصاً من قبل الإدارة الأميركية. ولم يحدث أن صدر أيّ قرار له علاقة بإعادة الحقوق إلى أصحابها ووصل برعايتها إلى خواتيمه الصحيحة وبقي دائماً للمقاومات المختلفة في تلك الدول، الدور الأساس في استرجاع بعض هذه الحقوق وفي مناطق محددة.

بموضوع الاحتلال الأميركي للعراق وتدميره وسرقة ثرواته وتفتيت مجموعاته الثقافية والدينية والقومية وإشعال الفتن والحروب الداخلية، لعبت الأمم المتحدة، عبر لجان التقصي والتفتيش التابعة لها، على خلق أكبر عملية تزوير في تاريخ البشرية، عندما ساقت ذرائع وأكاذيب عن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، ليتبيّن لاحقاً وباعتراف الكثير من رؤساء الدول التي نفذت جريمة احتلال العراق، عدم صحة هذه الادّعاءات والتلفيقات.

في سورية لعبت الأمم المتحدة دوراً رئيساً، بدفع وتوجيه من دول غربية وإقليمية معروفة، خلقت ذرائع وهمية وأكاذيب مضللة، نسبتها إلى ثورة سلمية داخلية ضدّ النظام، استندت عليها لتبرير دخول مئات المجموعات الإرهابية التي دعمتها تلك الدول المجرمة، بهدف تخليص الشعب السوري من النظام، كما ادّعت. تمّ تدمير سورية وقُتل أبناؤها وشرّدوا. وهي ما زالت منظمة الأمم المتحدة تشترك في مناورات احتيالية تحت شعارات إنسانية، لحماية المدنيين والهدف هو انتزاع ما حققه الجيش السوري من تقدّم ومن نجاح، في مواجهة الحرب التي تشنّ ضدّه.

وفي اليمن، حدّث ولا حرج، فلم تحرك ساكناً بالأساس، في ما خصّ الاعتداء الواسع على اليمن وعلى شعبه. وأيضاً وقفت تتفرّج على مئات المجازر التي تنفذها وحدات سعودية وعربية أخرى، بحق المدنيين والمؤسسات الصحية والإنسانية والتعليمية والدينية والثقافية. وهذه المنظمة الدولية صمّاء وعمياء عن هذه المجازر، تخاف أن تقوم بإدانة ولو خجولة، بحق المجرمين أبطال هذه المجازر، على خلفية تهديد هؤلاء بوقف الدعم المادي لمؤسسات خاصة بها، يشترونها من خلالها، كما يشترون دولاً وحكومات فقدت مصداقيتها واخلاقيتها وكرامتها.

بعد هذا كله، من الطبيعي أنه لن يكون للأمم المتحدة أيّ دور في وقف الاعتداء التركي على سيادة وأرض كلّ من العراق أو سورية. ومن الطبيعي أيضاً، أن تلعب هذه المنظمة الأممية دور المراقب الفاشل العاجز المتواطئ، أمام ما تقوم به تركيا من جرائم ومخالفات للقوانين والأعراف الدولية والإنسانية. وطبعاً، سوف تبقى هذه المنظمة الدولية تلعب دور الغطاء المقنّع لما تحتاجه دول مجرمة تستغلّ قدراتها وسلطتها وامكانياتها، في سبيل تغطية اعتداءاتها الواسعة على الدول والشعوب التي تواجهها، أو تعارض سياساتها ومخططاتها.

عميد متقاعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى