مواقف لكتّاب عالميّين ضدّ الإرهاب والتطرّف

تشهد فرنسا راهنا سيلا من المقالات ومن المواقف والتصريحات المتصلة بالجريمة الإرهابية التي ذهب ضحيّتها اثنا عشرة صحافياً يعملون في صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة. وفي ملحقها الأدبي الأسبوعي أصدرت صحيفة «لوموند» الفرنسيّة ملفا تضمّن آراء كتاب فرنسيين معروفين وغير فرنسيين على هذا الحدث.

في رسالة وجهها إلى ابنته التي شاركت في مسيرة 11 يناير الضخمة، كتب لوكليزيو الحائز جائزة نوبل للآداب، والمقترن بسيدة من الصحراء المغربية: «اخترت أن تشاركي في المظاهرة الكبرى ضدّ العمليّات الإرهابيّة. أنا سعيد بأن تكوني حاضرة في صفوف جميع الذين شاركوا في المسيرة ضدّ التطرف الأعمى للمتزمتين. كنت أرغب في أن أكون إلى جانبك غير أنني كنت بعيداً، ويجب أن أقول لك إني أشعر بأنني هرمت بقدر لا يسمح لي بالمشاركة في هذه التظاهرة التي مشى فيها كثيرون».

«ثلاثة قتلة ولدوا وكبروا في فرنسا روّعوا العالم بوحشيّة جريمتهم، غير أنهم ليسوا متوحشين هم يشبهون أولئك الذين نلتقيهم في سائر الأيام، وفي كلّ لحظة، في المعهد، وفي قطار الأنفاق، وفي الحياة اليوميّة. في لحظة ما من حياتهم انجرفوا إلى الجريمة بسبب علاقاتهم السيئة بآخرين، أو لأنهم لم ينجحوا في دراستهم، أو لأن الحياة حولهم لم تمنحهم شيئاً سوى عالم مغلق لا مكان لهم فيه، مثلما هم يظنون. أول هبّة للانتقام أحرقتهم، معتقدين أنه دين ما هم متعلقون به، بينما لا يعدو كونه استلاباً وارتهاناً. هذا الهبوط إلى الجحيم هو ما يتحتم إيقافه وإلاّ فإن هذه المسيرة الجماعية الكبيرة ستكون بمثابة اللحظة العابرة، وبالتالي لن تغيّر شيئاً. لا بدّ من تحطيم الغيتوات، وفتح الأبواب، ومنح كلّ من سكان هذه البلاد حظه في الحياة، والاستماع إلى صوته، ولا بدّ من أن نتعلم منه بالقدر نفسه الذي يتعلمه هو من الآخرين. ولا بدّ من وضع حدّ لظهور ما هو غريب وهجين داخل الأمة. ولا بدّ من معالجة بؤس العقول للقضاء على المرض الذي يقوّض الأسس الديمقراطية لمجتمعنا».

الكاتب الألباني إسماعيل كاداريه وصف جريمة «شارلي إيبدو» بـ»القاسية والدراميّة» قائلاً إنها «أصابت أوروبا في الصميم»، وأضاف مؤلف تحفة «جنرال الجيش الميت»: «صحيح أننا نعتبر أوروبا القارة التي أفادت أكثر من غيرها من القارات، ومن خيرات الكون، لكن في الوقت نفسه هي التي أعطت أكثر للآخرين. ويمكن القول إن ما منحته أوروبا ينتمي إلى حلقة واحدة، هي حلقة القيم الروحية، أي الفلسفة والفن والأدب والديمقراطية وحرية التعبير التي بسببها تمّ ضربها في الصميم». الكاتب الجزائري كمال داوود مؤلف رواية «مارسو، تحقيق مضاد» التي كادت تفوز بجائزة غونكور المرموقة عام 2014 اعتبر «أنّ الأمر ثقافيّ أساساً. فالمرء لا يولد تكفيرياً وجهادياً، إنما يصبح كذلك بسبب كتب أو أفكار. لذا لا بدّ من مواصلة الكتابة والرسم والغناء لكي يتعرف الطفل الذي يأتي إلى العالم إلى أفكار مختلفة عن تلك التي تحرّض على القتل وترهيب الآخرين سواء باسم الدين أو باسم شيء آخر. المشكلة في الجزائر هي أننا لا نملك إيديولوجيا بديلة للأصولية الإسلامية، وإذا كان أحدهم في السابعة عشرة من عمره، أي في سنّ المطلق، فكيف يكون؟ إن الأصولية الإسلامية تلتهمه، ويصبح رهينة لها فتنتقل في جسده، وفي تربيته الجنسية وفي حياته، وفي علاقاته مع الآخرين. ليس هناك شيء في الأفق، إنها الكارثة الفلسفية في العالم العربي».

الكاتب والأكاديمي الفرنسي أنطوان كابانيون يرى «أن مقارنة جريمة «شارلي إيبدو» بحادثة الحادي عشر من أيلول 2001 في نيويورك قد تحجب الكثير من الحقائق المتعلقة بالواقع الفرنسي والسياسة الداخلية الفرنسية. فمقترفو جريمة السابع من يناير 2015 لم يأتوا من خارج فرنسا مثلما هي الحال بالنسبة إلى منفذي هجمات 11 أيلول، الذين قدموا إلى الولايات المتحدة كسيّاح. والمفزع في الأمر أن الشابين الأخوين كواشي ولدا ودرسا في المدارس الفرنسية من دون أن يتمكن كل منهما من قراءة الكلمات، ومن قراءة الصور بطريقة صحيحة. والمفزع كذلك أن العائلة والمدرسة والمجتمع فشلت جميعها في تربيتهما كي لا ينساقا إلى الجريمة والعنف، وفشلت في أن ترسخ في كيانيهما المعاني العميقة والحقيقية للثقافة الفرنسية، والمتمثلة في سخرية رابليه وحكمة مونتاني وتسامح فولتير».

الكاتب الأميركي راسل بانكس يعتقد أن ثمة شبهاً بين هجمة الحادي عشر من أيلول 2001، وجريمة السابع من كانون الثاني 2015. الفرق الوحيد بينهما أن الأولى كانت هجمة ضدّ الرأسمالية المتمثلة في برجي التجارة العالمي في نيويورك، أما الثانية فكانت جريمة ضد حرية التعبير التي تتميز بها الدول والمجتمعات الغربية. وحذّر راسل بانكس فرنسا من انتهاج سياسة تأديبية ضدّ بلدان أخرى مثلما فعلت الولايات المتحدة الأميركية، بل عليها أن تعاقب مقترفي الجريمة الإرهابية وتلاحق من يساندهم فعليا. هذا المطلوب منها فحسب لا غير.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى