سورية تحسم الجنوب في «مثلث الموت»… وتفسح لدي ميستورا شمالاً الفراغ الرئاسي لا يفعّل الحكومة والتعطيل الحكومي لا يحرّك الرئاسة

كتب المحرر السياسي:

صار اليمن يمنين، في الجنوب وفي قلبه عدن، يتقاسم السلطة، واجهة سياسية يتصدّرها الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، لا تملك شعبية ولا عسكر، ومعها حضور ديبلوماسي لمحور تقوده السعودية، وإلى جانبها هياكل شعبية مدنية وقبلية مناصرة للحراك الجنوبي، الذي يريد إعلان دولة مستقلة في الجنوب، ولكن ليست الدولة التي يترأسها منصور هادي، وبالحدّ الأدنى يريد صيغة فدرالية تجمع الشمال والجنوب، وينفتح عبرها على الشمال، وإلى جانبيهما، قوة عسكرية منظمة لتنظيم «القاعدة»، وقوة منفلتة وفوضوية، للقبائل المموّلة من السعودية والمتعاطفة مع «القاعدة»، وفي المقابل شمال تتوسّطه العاصمة صنعاء، حيث الثوار، بقوتهم السياسية والشعبية والعسكرية، مضافاً إليهم من انضم إلى صفوف الثورة من قوى النظام السابق، سواء فروع المؤتمر الشعبي الذي لا تزال قيادته برئاسة الرئيس السابق علي عبد الله صالح حائرة ومتردّدة في خياراتها، أو وحدات الجيش والأجهزة الأمنية التي صارت جزءاً من عنوان شرعية جديدة قيد الولادة.

سفارات لم تغلق في صنعاء أبرزها السفارتان الإيرانية والروسية ومعهما السفارة الصينية وسفارات سائر دول «بريكس»، وسفارات عربية مثل الجزائر، وسط مساعٍ لنقل باقي السفارات العربية بضغوط سعودية إلى عدن بعد إغلاق بعض السفارات الغربية دون انتقالها إلى عدن وفي طليعتها السفارة الأميركية.

حراك مصري سعودي، عبّرت عنه القمة التي ضمّت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك سلمان بن عبد العزيز، لبلورة قوة مشتركة تنتشر من خلال عدن في مضيق باب المندب، تأميناً للسيطرة على البحر الأحمر، وسط وجود فاعل للثوار على سواحل باب المندب، ومخاطر انفجار مواجهة معهم إذا أرادت مصر والسعودية حصر الوجود بهما.

ولم يكن بعيداً عن اللقاء السعودي المصري الحضور التركي في الرياض لجسّ النبض نحو حلف ثلاثي في وجه إيران يضمّ مصر وتركيا والسعودية، يشكل ضغطاً يلاقي الضغط «الإسرائيلي» على واشنطن لفرملة مساعي إنجاز التفاهم حول الملف النووي الإيراني، الذي بدا أنه أنجز، وينتظر موعد الإعلان، وفقاً للمصادر الخليجية، التي عبّرت عنها صحيفة «الأنباء» الكويتية، التي نشرت ما وصفته بالنصّ الحرفي للاتفاق.

شركات الطيران كما السفارات، تتقاسم رحلاتها بين العاصمتين عدن وصنعاء، ولا تبدو في الأفق خيارات قريبة لمواجهة عسكرية، تطلقها عدن ضدّ صنعاء رغم النبرة العالية لمنصور هادي، فلا هو ولا حلفاؤه يملكون قدرة المبادرة العسكرية، لذلك تتطلع أعين المراقبين نحو المبعوث الأممي جمال بن عمر وما يحضره لاستئناف الحوار، الذي يبدو أنّ مسقط عاصمة سلطنة عمان تتقدّم كمكان مقترح لاستضافته.

التصعيد اليمني، الذي لا يقدّم بدائل عن الخيار التفاوضي، يقابله تصعيد في جنوب سورية، عبر النجاحات التي حققها الجيش السوري في مثلث الموت، كما تسمّيه وسائل الإعلام، وهي نقطة تلال فاطمة، التي تفصل محافظة ريف دمشق عن كلّ من محافظتي درعا والقنيطرة، وتفصلهما عن بعضهما، والتي صارت أمس مؤمّنة كلياً بيد الجيش السوري.

شمال سورية يفسح فيه الجيش، بعد ما حققه من إكمال للطوق حول أحياء مدينة حلب التي يسيطر عليها المسلحون، أمام مساعي المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، الذي زار دمشق، لوضع اللمسات التنفيذية على مبادرته، من دون أن يستقبله الرئيس السوري بشار الأسد هذه المرة، بما بدا رسالة مضمونها، أنّ سورية أعطتك كلّ شيء ممكن لتنجح، وليس لديها جديداً تعطيه، فمشكلتك عند الغير، إذهب وعالجها هناك.

بانتظار ما سيحمله الأسبوع المقبل مع زيارة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، وما سيظهر في المفاوضات الأميركية الإيرانية في سويسرا، وما سيتحقق على يدي بن عمر ودي ميستورا في اليمن وسورية، لبنان عود على بدء، حيث لا الفراغ الرئاسي نجح في تفعيل العمل الحكومي، ولا التعطيل الحكومي نجح في تحريك الرئاسة.

ويتركز الاهتمام في الأسبوع الطالع على موضوعي الآلية الحكومية واستئناف الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل، والذي تعقد الجلسة الثامنة منه مساء اليوم في عين التينة برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري، وحضور وزير المال علي حسن خليل. وستتابع الجلسة بند تنفيس الاحتقان والخطة الأمنية في طرابلس والبقاع الشمالي. وعلم أن الجلسة ستتطرق إلى ضرورة المحافظة على الحكومة في ظل الفراغ الرئاسي، بالإضافة إلى ملف الاستحقاق الرئاسي من دون الدخول في الأسماء ولا سيما أن حزب الله أعلن موقفه لجهة أن من يريد البحث في هذا الاستحقاق عليه التحدث مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون.

لقاء عون جعجع ليس قريباً

وعلى خط غير بعيد، أكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» «أن لقاء عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ليس قريباً، لافتة إلى «أن تناقضات الثلاثين عاماً السابقة لن تحل في شهر أو شهرين، فالأمور المطروحة ستأخذ وقتاً طويلاً».

وشددت المصادر على أنه «بغضّ النظر عن الحوار بين التيار الوطني الحر و«القوات»، فإن رئيس الجمهورية لن يكون إلا الرئيس الذي يتمتع بحيثية تعكس البيئة التي ينتمي إليها أكان هذا الحوار العوني القواتي، أو لم يكن».

ولفتت المصادر إلى «أن الجنرال عون لن يتراجع أو يفرط بإرادة الناس الذين شاؤوا أن يعكس عون هذه الإرادة مهما كانت الظروف».

وتوقفت المصادر عند اقتراح الرئيس حسين الحسيني انتخاب رئيس جمهورية لسنة واحدة، وأكدت «أن هذا الأمر غير وارد على الإطلاق والاقتراح يتطلب تعديلاً دستورياً».

وسألت المصادر وفق أي قانون ستجرى الانتخابات النيابية؟ وماذا لو أجريت وفق قانون الستين؟».

وإذ استغربت المصادر هذا الطرح، أكدت أنه «محاولة لإجهاض الدور المسيحي الفاعل في مؤسسات الدولة وهذا أمر لا يمكن القبول به».

الآلية نحو الحلحلة

في الأثناء، بدت الأجواء متفائلة بحذر على صعيد حل قضية آلية عمل الحكومة ومعاودة مجلس الوزراء جلساته المجمدة بقرار من الرئيس تمام سلام.

وفي السياق، أكد وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب لـ«البناء» أن الرئيس سلام يدرس إمكان الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع لإطلاع الوزراء على طريقة إدارة الجلسات المقبلة للمجلس التي سيتبعها».

وشدد بو صعب على «أن الطريقة لن تعتمد على آلية عمل جديدة، ولن تكون وفق الآلية الحالية، إنما ستكون على أساس التوافق المقترن بعدم التعطيل، بمعنى أن اعتراض مكوّن واحد في مجلس الوزراء لا يمنع اتخاذ القرار في مجلس الوزراء».

من جهته، دعا رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد إلى «إيجاد مخرج لآلية التوافق داخل الحكومة حتى تمضي بمهماتها، خصوصاً أننا في مرحلة نريد أن نجتازها وصولاً إلى ملء كل الشغور وتحريك المؤسسات». وقال: «إن من كان مقتنعاً بأن الشغور الرئاسي يملأه تعطيل عمل الحكومة فليقدم دليلاً، أمّا أنّ عمل الحكومة يعوّض عن الشغور الرئاسي فهذا ليس صحيحاً، وأن عمل الحكومة ليس بديلاً من الشغور الرئاسي، فالبلد يحتاج إلى رأس ورئيس»، مشدداً على «ضرورة إيجاد الطريقة الذي يتحقق من خلالها انتخاب رئيس في أسرع وقت»، لافتاً إلى «أن هذه المشكلة ليست مشكلة الحكومة وحدها بل مشكلة كل اللبنانيين المعنيين بخيارهم الوطني الذي ينهج البلد على أساسه في ظل رئيس جمهورية».

ولفت إلى «أن الدولة والحكومة هما المسؤولتان عن دعم وتسليح الجيش، ومسؤولتان عن توفير كل الفرص المتاحة من أجل إمداد الجيش اللبناني بالذخائر والعتاد الذي يحتاجه في معركته ضد الإرهاب التكفيري».

إلى ذلك، لفت البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظة الأحد إلى «أن الفراغ الرئاسي ليس مادة لابتكار البديل من وجود رئيس، ولا رئاسة الجمهورية أمر قابل للاستغناء عنه ولو للحظة»، موضحاً أنه «في هاتين الممارستين، أي آلية البديل والاستغناء مخالفة واضحة للدستور، وعبثاً يحاولون تبريرها بقراءة مجتزأة له. فالدستور وحدة متكاملة ومواده تفسر بعضها بعضاً».

صد محاولة تسلل في عرسال

أمنياً، صد الجيش فجر أمس من مواقعه في جرود عرسال محاولة تسلل في منطقة وادي حميد في عرسال، واشتبك مع المهاجمين، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المسلحين، فيما سجل سقوط قذيفتين في محيط تلة الحمرا في رأس بعلبك، من دون أن تسفرا عن أضرار.

وأعلنت قيادة الجيش أن وحدة من الجيش دهمت مناشر ومقالع أحجار مقابلة لمركز محلة وادي الحصن في جرود عرسال، وقامت بهدم التحصينات التي كانت قد أقامتها المجموعات الإرهابية المسلحة سابقاً، حيث عثرت بداخلها على كميات من مادة حشيشة الكيف، إبر للحقن، عتاد عسكري ومبلغ من المال وسلمت المضبوطات إلى المرجع المختص لإجراء اللازم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى