ولماذا لا يرقصون على أغاني السرب الوهابي؟ كلام مع الله من جبل دمشق…

نارام سرجون

لست موسى ليكلمني الله من جبل سيناء كي يطمئن قلبي… واذا كان الله لا يكلم البشر الا من على جبل سيناء فإنني أعتذر إنْ قلت بأنّ قلبي لم يعد مطمئناً لجبال سيناء… بل انه لا يطمئن إلا من على جبل دمشق… وانْ كان هناك كلام سأقوله لله من فوق جبل دمشق فإنه لن يكون لأطلب عفواً ولا غفراناً لأنّ قلبي مطمئن طالما أنه في الشام وقد رضيت عنه أمه الشام… ولن أطلب من الله مقعداً في الجنة التي حجزها المؤمنون واحتكرتها العمامات… ولا أريده أن يسكنني في حوصلة طير أخضر من طيورها كما وعد… ولا أن يحيطني بالغرانيق… بل اني كنت سأطلب منه أن يحوّل الغيوم الى خيول… وأن يسكب لي ضوء الشمس في زجاجات أسكبها في عيون هذا الشرق المظلم الأعمى… وأن يطحن لي الزمن المستقبل في مطحنة القهوة لأسقي فم هذا الشرق المريض المثقل بالكرى والنعاس بالماضي عله يفيق… ولطلبت منه أن يحيل الغيوم الى مكتبات عملاقة تمطر كتباً وعلماً لا ماء… وينهمر منها أرسطو وسقراط وابن رشد وابن عربي… لا يتوقف سكبها حتى يحدث طوفان نوحي آخر ليس فيه ماء بل كتب لتقرأ… طوفان يجرف فيه كلّ ما يكتب في هذا الزمن الوهابي الصهيوني… هذا الزمن الذي يرقص فيه «الإسرائيليون» فرحاً على جثثنا وفي مطاراتنا… لأنّ أمة يرقص أعداؤها على ترابها لا تستحق هذا التراب ولا أن يسقى هذا التراب ماء… ويستحق الراقص أن يمتلك التراب ومن فوق التراب… وتستحق طوفاناً نوحياً يكون فيه طوفان نوح الأول جدولاً صغيراً…

فقد شاهدنا كيف رقص «الإسرائيليون» في مطار عمان دون توقف ودون خوف ودون وجل… لقد سقط عامل الخوف من غضب العربي… ولم يعد العرب يخيفون إلا أنفسهم… رأينا كيف كان الراقصون «الاسرائيليون» مبتهجين وكأنهم في حفلة في حديقة بيتهم، وهم يرقصون بتحدّ وسط ذلك القطيع العربي المذهول المشلول في مطار عربي… وكان القطيع يراقب الرقص اليهودي كما يراقب قطيع البقر الوحشي – وهو لا يتوقف عن قضم الحشائش والبرسيم – مجموعة من الضباع تفترس عجلاً منها… لم يجرؤ ابن امرأة على ان ينهرهم… ولا أن يصفعهم… ولا أن يرفع عقيرته محتجاً ولا أن يرميهم بجريدة تثرثر عن التضامن العربي والغضب العربي والثورات العربية والربيع العربي… وكان العرب حولهم يتفرّجون كالأذلاء ويشبهون من يجلس يستمع الى صرير سرير زوجته يعتز بعنف من وطء سيده لها… وبالطبع لم يبق في الأردن دقامسة واحد يطلق عليهم رصاصة واحدة… فقد أفرغ أشاوسة الأردن من المجاهدين رصاصة في سورية والعراق واليمن لأنهم ذهبوا جميعاً يريدون قتال السيد حسن نصرالله والرئيس بشار الأسد وإيران… ولم يبق في الأردن سوى ملك أمه يهودية وملكة تمارس الكابالاه… ولو كان من في المطار مسلمون شيعة يلطمون فيها أو ينشدون الأغاني الحزينة على استشهاد الإمام الحسين لامتلأ المطار بالمدافعين عن دين الله وسنة رسوله ولشهدنا موقعة قادسية في قلب المطار… وغسلت صالاته بالدم «الصفوي» المراق على الجنبات…

عجبت لـ«الاسرائيليين» كيف لا يرقصون في كلّ بيت عربي… وفي كلّ دار… وفي كلّ غرفة… وعلى كلّ سرير… وليس في مطار… وهم يرون العرب يقتلون العرب والمسلمين يقتلون المسلمين… وأهل داحس يقتلون أهل الغبراء… وأهل الغبراء يقتلون أهل داحس… عجبت لـ«الاسرائيليين» كيف لا يرقصون في مطار القاهرة كلّ يوم… وفي مطار دبي كلّ ساعة… ومطار الكويت ومطار الدوحة ومطار استانبول ومطار بيروت… ومطار بنغازي ومطار الدار البيضاء ومطار الخرطوم… ومطارات آل سعود… فكلّ مطارات العرب صارت ملكهم… إلا مطار دمشق الذي يريد زهران علوش أن يفتحه لهم على سنة الله ورسوله محمد بن عبد الوهاب…

كيف لا يرقص «الاسرائيليون» وقد تبرّع العرب لأكل العرب؟… وكيف لا يرقصون وقد صار بال العربي المؤمن غير مشغول بسؤاله المحوري التقليدي في الوجود وأقصد سؤال: الحلال والحرام؟… فلم يعد الحلال والحرام هما ما يؤرق العربي… بل فقه النكاح… ولم يعد الناكح والمنكوح مشغولين بالحلال والحرام طالما انه في أرض الجهاد… ولم يعد السؤال إنْ كان القتال الى جانب الناتو حلالاً أم حراماً… وإنْ كان قتل الناس حلالاً أو حراماً… وذبح الفقراء حلالاً أم حراماً… لأنّ سؤالاً آخر حلّ محلّ سؤال الحلال والحرام وهو: من هو السني ومن هو الشيعي… فأن تكون سنياً أو لا تكون… تلك هي القضية!

كيف لا يرقص «الاسرائيليون» وقد فصلنا الخلية عن الخلية والذرات عن الذرات؟ فصارت عندنا ذرات شيعية وذرات سنية… وتقاتلت الكتروناتنا السنية مع الكتروناتنا الشيعية… وصارت القنابل الذرية إما شيعية أو سنية… والهيدروجين السني لا يلتقي بالأوكسجين اذا كان شيعياً ولو مات الشرق كله من الظمأ… فلا هطل القطر…

تخيّلوا أنني منذ عام تقريباً تساءلت بسخرية في مقال بعنوان أنا أذبح إذاً انا موجود… كيف اخترع النظام السوري «داعش»؟ وكيف تشيّع أوباما؟؟

وقلت بالحرف:

«… لذلك وحسب ديكارتية الثورة السورية… إذا كانت داعش من صنع النظام فلمَ لا يكون بنيامين نتنياهو له كرامات الأولياء… والمجاهدين… وهو الذي حمى اسرائيل والثوار العرب من مغامرات حزب الله… بل لمَ لا يكون باراك حسين أوباما عميلاً «مجوسيا» لإيران وهو شيعي صفوي لأنّ اسم أبيه حسين؟ وهو لا شك يحتفل بعاشوراء وليس بعيد الميلاد… ولهذا فإنه متآمر على الثورة السورية كونه شيعياً من كينيا؟! أسئلة من مقاس أسئلة نظريات الطيور والأسماك والضفادع التي على أشكالها تقع»…

ولكني لم اكن أدرك انّ السؤال يمكن ان تتعاطاه قوة عقلية سليمة… وضحكت جداً أنني سمعت من إحدى السيدات «الحرائر» بعد عدة أسابيع أنها سمعت انّ أوباما شيعي… ضحكت رغم أني كنت أعلم أنني مصدر تلك النكتة… لكن لم أصدّق نفسي وأنا استمع الى محي الدين اللاذقاني وهو يتبنى هذه النظرية ويفسّرها كما يفسّر عالم البيولوجيا ظاهرة بيولوجية علمية أو يشرح سيكولوجية المرأة والرجل… فقد قال انّ أوباما كيني من اب كيني شيعي وأنّ الصغير اوباما تأثر ببيئة والده في مومباسا وحمل التشيّع في وجدانه اللاواعي… وانّ اسمه الوسط هو حسين لأنه ينتمي إلى عقيدة اهل الحسين الشيعة… ولذلك فإنه يتعاطف مع إيران وحلفائها…

صدّقوني لا أعرف كيف تلقيت الأمر… لأنّ محي الدين اللاذقاني كان يباهي أنه كتب قصيدة ثائرة في شبابه سمّاها «أغنية خارج السرب»… وأذكر أنني في صدفة غريبة في التسعينات وفي زيارتي إلى إحدى العواصم «العربية» كنت في دعوة في مكان عام واستمعت الى رجل أصلع أطلق لحية كبيرة وطاف سالفاه كشلالين ينبثقان من صخر الصلعة الأملس… كان يقول للجالسين معي انه سجن في سورية لأنّ الدولة أيام أحداث «الإخوان» وضعته في السجن لحمايته من غضب «الإخوان» على تجرّؤه على منطلقاتهم وبسبب تلك القصيدة ولأنه كان أميَل الى الماركسيين! وكنت أراقب صامتاً وأحسّ بالتعاطف مع «البطل» وأرمقه ببعض الإعجاب بشجاعته… وإذ بأغنيته التي لم أفكر في قراءتها بعد تعليق صاحبي، ليست خارج السرب كما روّج وثرثر… بل من داخل السرب الوهابي… وإذا بميله الى الماركسيين يتجلى في إبداع اكتشاف شيعية أوباما لأنّ أوباما لا يحرّر له سورية ولا يستجيب لقلق السعودية… عقل كهذا لا بدّ أنه يعتقد أنّ الأرض يحملها ثور على قرنيه… ولا يحتاج إلا مقصاً يقص به الزوائد الدودية في عقله… أليس عيباً أن يصل الأمر ببعضنا أنه لم يعد يهمّه ان يبقي على مقدار ضئيل من احترام الذات وبعض العقلانية في الطرح… وأن ينجذب الى أية خرافة… والى أية طاولة في مقهى أو كازينو… وان يطارح أية نظرية الغرام… وأن لا يهمّه الا مجامعة نزوة الكراهية… حتى وإنْ كانت هي بعينها ثقافة النكاح…

مسكين اوباما… فالمسيحيون الجدد ينبذونه لأنه يحمل اسماً مسلماً من أحبّ الأسماء الى قلوبهم… حسين… والبيض يرون فيه رجلاً أسود فقط… والمسلمون يرون فيه شيعياً صفوياً… والله عيب يا محي الدين أن يكون عقلك مقلوباً بهذا الشكل…

لا أدري كيف سينتهي هذا الوباء الذي ينتشر… فسبحان من سخر لـ«الاسرائيليين» كل هذا «وما كانوا له مقرنين»… وسبحان الذي جعلنا نرى كلّ شيء في الكون شيعياً وسنياً… الكرملين والبيت الأبيض والرمل والبحر والقمر والشمس… حتى الطيور التي تسافر فوق إيران شيعية… والطيور التي لا تمر فوق إيران سنية… والريح التي تهبّ من ايران شيعية والتي تهبّ عليها سنية… ولا ندري مذهب ديفيد كاميرون فربما أثبت أنه من أهل السنة إذا لم يتقارب مع إيران، فيما ينبش اللاذقاني تاريخ الرئيس الصيني ويكتشف أنّ جده كان محارباً في جيش جنكيز خان أو هولاكو وعندما دخل بغداد وأغرق كتبها فإنه تعرف على مذهب آل البيت وتشيّع منذ ذلك الوقت وأحبّ الحزب الشيوعي الصيني لأنه حسبه شيعياً…

وبعد هذا لا نعرف لمَ يرقص «الاسرائيليون» في المطارات العربية… وهم يرون عشرة جيوش عربية ومن بينها جيش أبو مازن الفلسطيني الذي سيتحرك حسب منسوب رواتبه التي ينتظرها من الجنرال دايتون تلتحم لقتل الفقراء في اليمن… الجيوش التي صدئت بنادقها وطائراتها وصدئ رجالها وصدئت شنباتهم ولم تتحرك منذ ستين عاماً من مكانها تتنحنح الآن ويدبّ النشاط في صدئها ويجري الزيت الأسود في مفاصلها وعروقها… هذه الجيوش التي تيبّست مفاصلها والتحمت فقرات ظهرها تريد أن تقفز وتثب نحو اليمن… انها الجيوش التي صدئت فلسطين بانتظارها… وصدئ الغضب الساطع… وصوت فيروز وصدئت المسامير في أحذية «الاسرائيليين» وهم يقفون ينتظرونها للقتال منذ قرن كامل…

وكما ملأنا يوماً قلب عليّ قيحاً… وشحنّا صدره غيظاً… فإنني لم أعد أذكر من كلّ شعر العرب في هذه الأيام ما أقوله للعرب سوى أبيات أكرّرها منذ أربع سنوات لشاعر دمشق الأكبر نزار قباني وهو يشكو من هذا الزمن… زمن الأغاني خارج السرب التي يرقص على نغماتها كلّ صهاينة العالم في مطاراتنا:

قادم من مدن الملح إليكم

وسؤال واحد يحرقني…

ما الذي يحدث في تاريخنا؟

سمك يبلع خلفي سمكاً

شجر يأكل خلفي شجراً

تغلب تطعن خلفي مضرا

خالد يذبح خلفي عمرا

نحن لم نقتل بسيف أجنبي

بل قتلنا كذئاب…

بعضنا

الى أبناء هذه الأمة التي تغني خارج سرب العقل أهديكم هذا المشهد لرقص يهودي فوق جثث السرب:

https://www.youtube.com/watch?v=49- pM17LhQ

وهذه هي أغنية خارج السرب لصاحبها الماركسي المقلوب… لا أدري هل تبكيكم أم تضحككم أم ستذرفون دموعكم من عبثيتها! انها أغنية لا تنتمي الى أي سرب… بل أغنية من داخل القطيع الوهابي الصهيوني… فتمتعوا:

https://www.youtube.com/watch?v=TRVvGOfym-w

ولكني أقول لكم بأنّ كلّ هذا لن يغيّر في عزمنا شيئاً بل سيزيدنا يقيناً أننا نحن من يمكن ان نكلم الله لأننا نقف على جبل دمشق… لأنه زمن لا يطلّ الله فيه ولا يتكلم من جبل سيناء طالما أنه لا يحارب الباطل… ولم يبق لله الا جبل دمشق يكلم الناس منه… ولذلك سنسقط الأغنية التي خرجت من السرب والتي بقيت فيه وسنسقط سرب الغربان… وسنسقط كلّ جناح طار مع هذا السرب… وقد يرقص الراقصون «الإسرائيليون» في كلّ مطارات العالم… إلا… في مطار دمشق…

وعد وعدناه… وقطعناه لله من فوق جبل قاسيون… أعلى قمم العالم…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى