حرائق لا تنطفئ

شهناز صبحي فاكوش

جاء إشعال البوعزيزي النار في جسده، الشرارة التي ينطبق عليها أنها مستصغر الشرر. الذي حمله عصفور صغير في منقاره وعندما وصلت النار لتحرق ريشه فتح منقاره فوقعت على بيادر قمح فأضرمتها، الواحد تلو الآخر، حتى أضحت هشيماً.

انتقلت النار إلى ليبيا وزادها اشتعالاً القرار العربي بتفويض «الناتو» بضربها. ما زالت تعاني من الحريق الذي يحصد البشر قبل الحجر ناهيك عن عشرات الآلاف الذين قضوا في قصف «الناتو». وها هي اليوم تصل إلى مرحلة الدولة الفاشلة أو اللادولة.

واليوم تشتعل اليمن بشكل يفوق الوصف وهذه المرة ليست بيد «الناتو» كما في لبيبا وليست بيد الأميركي كما في العراق… وليس من قبل «إسرائيل» كما في غزة وجنوب لبنان… بل من قبل من يدّعون أنهم عرباً والواقع ينفي ذلك عن بني عبد الوهاب.

الجميع يُضْرَبُ بمخطط أميركي ينفذه حلفاء واشنطن في المنطقة. لأنها ما زالت تريد إبقاء وجود نفوذ لها في العراق. وإلا فهي تشعل الحرائق في أماكن أخرى، أميركا تسعى لانتقاص السيادة من العراق وأي دولة عربية تتمكن من تنفيذ مآربها فيها.

عندما أشعلت دارفور لاستنزاف المقدرات السودانية العسكرية وكذا جنوب السودان لم يهنأ لأميركا بال إلا بعد اقتطاعه وفي ذلك انتقاص من السيادة السودانية، وبالتالي التهديد دائم من خلال تحريك القوى المحلية للقتال بين الجنوب المقتطع والدولة الأم.

وما زالت سورية تحت وطأة الأزمة التي ابتدعت على أرضها، والحريق المشتعل فيها تغذيه بغباء دول الجوار، بإيعاز غربي أميركي. تستنزف فيه مقدرات هذه الدول ظناً أنها تنال الرضا والدعم للبقاء في الحكم. وما تتوهم على أنه استقرار.

كلّ من يقف في ظلّ أميركا مطأطأ الرأس تلميذاً نجيباً أو كسولاً في تنفيذ أوامرها حارساً لمصالحها في منطقتنا العربية، لن يطول به الزمن، ففي نهاية دوره وإغلاق باب الحاجة إلى جهده سينتهي كسابقيه بذريعة يتمّ الاعتذار عنها بعد الانتهاء منه وزعزعة كيان بلاده.

لن يطول الزمن بتركيا والأردن لتلحق بركب من انتهوا بعد انتهاء المصلحة الأميركية معهم. أما البيت السعودي المتورّط اليوم في أتون نار اليمن فسيغرق في رمال الجزيرة العربية، وبين أخاديد جبال اليمن.

أميركا اليوم تشعل الحرائق في كلّ أرض تجد فيها بيئة مناخية جاهزة. بيدراً جافاً قابلاً للاشتعال، هي تحرك جنوب الجزائر مع مالي، لأنّ الجزائر تحتضن الحوار الليبي لتساعد في الوصول بليبيا إلى الحوار الوطني علّها تخرج من حربها الطاحنة الأكثر استقطاباً اليوم لأنظار العالم ما يحدث من التحالف السعودي على اليمن، الذي يزيد من استهداف المدنيين بضرب البنى التحتية وصولاً إلى المشافي والمدارس والمرافق التي تخص حياة المواطن اليومية. طلباً للشرعية والديمقراطية.

بنو عبد الوهاب من آل سعود احتلوا الجزيرة العربية، وأطلقوا عليها اسم عائلتهم، هم مثال الاستبداد تحت عنوان الملكية، ويتدخلون في شؤون دول أخرى في منافاة للشرعية الدولية. وأميركا تعلنها حليفة، بينما ترفض المساعدات الإنسانية الإيرانية.

أميركا التي تشعل الحرائق، تدّعي أنها ضدّ الإرهاب الذي صنّعته بداية. و«داعش» واحد من منجزاتها. تعلن الحرب عليه في غير جدية، ببساطة لأنه كما قالها أوباما لرئيس الوزراء العراقي في زيارته الأخيرة إنّ «داعش» لا تهدّد الولايات الأميركية.

وستظلّ تستغلّ حلفاءها في المنطقة لإضعاف الجميع، وتسفيه ما لا يروق لها من أحداث. فديمبسي يتحدّث عن الأنبار العراقية كَكمّ مهمل، فلا يخجل من القول: «فلتسقط الأنبار في يد داعش»، لأن لا رمزية لها. لكنه يدرك أنها عصب عراقي مهم.

لأنّ الحسّ العربي يموَّت، ولأنّ أميركا لا تخضع لأيّ محاسبة. وهي الداعم الحقيقي للإرهاب الذي تفلتت منه «داعش»، ستظلّ تشعل الحرائق عبر فوضاها الخلاقة إلى أن تصحو الشعوب أو يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

«إسرائيل» هي الرابح الوحيد في النهاية لتأكلنا، وتحطيمنا كأمة بذرائع واهية. وتمزقنا وتفتتنا. التي تنتفض اليوم ضدّ روسيا وتعلن أنها ستسلح أوكرانيا، لأنّ روسية رفعت الحظر عن إيران وستزوّدها بالطائرات المتفق عليها.

أصبح اللعب مكشوفاً… إسرائيل نتنياهو تتمرّد على الرئاسة الأميركية. تعمل لإفشال توقيع التوافق على الملف النووي الإيراني. تتحدّى روسيا. تضرب الدول العربية ببعضها البعض. تحاول انتزاع القرار العالمي من أميركا والأمم المتحدة.

تلك هي بروتوكولات صهيون. وخطة العمود اليهودي حسب جدولة بنوده. تعمل بجدية لتنفيذه كسباً للزمن، قبل انتهاء عمرها الفعلي. هي تحاول في النهاية أن تنهينا كأمة قبل أن تنتهي. هل نستفيق أم نتركها تحقق مرادها. بمزيد من الحرائق؟

سؤال برسم أمة العرب اليوم… شعوب نائمة قبل حكام مخدرون بلا إرادة…

أعان الله سورية وجيشها العربي البطل وشعبها الصامد. فوحدها اليوم تدافع عن أمة نأمل أن تتعافى من سقمها… ماذا لو ماتت هذه الأمة؟ والبداية في الأجندة الصهيونية من فلسطين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى