«الإرهاب التكفيري»… بين السياسة والسلاح

فاديا مطر

لم تختلف مشاهد اليوم في سورية عن المشاهد الباقية في الذاكرة لما كان في لبنان عام 1976 أو مشاهد عام 1982 وما تلاها، فالمشروع يملك ايديولوجية موحدة، وتطابقاً في الأهداف، ومرجعية واحدة في كل حالة، ومهما تغيرت الأسماء من «جيش لحد» اللبناني الذي مهد نشوئه في عام 1983 للاجتياح الإسرائيلي، والذي كانت مهمته الأساس هي حماية «شمال الأراضي المحتلة» وتشكيل حزام أمني أو «منطقة عازلة» لحماية «إسرائيل» وخلق حالة عسكرية نظامية متعاملة مع العدو كدليل على نيّة للتحالف مع «إسرائيل»، إلى ما وصفه سيد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله بعد امتزاج الدماء اللبنانية والإيرانية على الاراضي السورية خلال الاحتفال التكريمي لذكرى شهداء المقاومة في القنيطرة المقام في 30 كانون الثاني الماضي من أن «جبهة النصرة» هي «جيش لحد الجديد» في سورية، والذي لا تشعر «إسرائيل» بأي قلق منه أو من وجوده على الشريط الشائك بل تدعمه عسكرياً ولوجستياً، ليتبين أن ما ظهر من ما سمي «جيش حر ونصرة وداعش» الإرهابيين هي نسخة طبق الأصل من «جيش لحد الجنوبي» التي تؤكد الوقائع لما يجري بأنهم امتداد للصناعة «الإسرائيلية» والتبعية الاميركية بتمويل خليجي يتدفق على التجربة الدموية في سورية، وبما أن الآلية التأسيسية والعقيدة التكوينية والعمالة الهادفة هي نفسها في ما يُصنع من قتل مذهبي منظم وارتكاب لمجازر بحق الشعب السوري، هو دليل يجعل من هذه المتفرعات الإرهابية على اختلاف جغرافيتها السياسية، مهمة تهدف إلى إدخال الصهاينة إلى المنطقة في شكل مُعمق على عبارات «الإسلام المشوه»، لتثبيت وتعزيز الخط الاميركي الإسرائيلي في المنطقة ككل، فتردي الوضع الأمني في شكل مأسوي يوجه الأنظار بقوة إلى تطورات التي تحدث بخصوص سلال التفاوض، والتي لا تعدو «النصرة» و»داعش» أوراق تحصيلية عسكرية سياسية تملأها اليوم ليتم حرقها لاحقاً حتى لا تتضح أدلة نشوئها ودعمها وتمويلها للسطح، فهي تُشكل حالياً طريقة تخلط اوراق التفاوض عبر تزاوج «النصرة» و»داعش» في مختلف طبوغرافيات المنطقة في جهود استخباراتية معروفة تسعى الى تسيير الاتصالات السياسية بشروط تفاوض معينة تعزز مكانة خلايا الأزمة في المنطقة العربية على المستوى الجيوسياسي الذي سيحضر حاملاً معه تعليمات وملفات يعكسها ضوء الاتصالات السياسية والاعمال العسكرية الجارية التي ستجلس الى طاولات التفاوض الكبرى، والتي تُنذر ببدء انقشاع للرؤية العامة في المنطقة من شأنه أن يمنع حصول أي تطورات سلبية كبرى على المستوى الأمني بالعموم، فطاولات التفاوض على التسويات الكبرى تمتلك آلية بروتوكول تضع سكة التنفيذ على ضوء كل المستويات التي يحويها قلب المعادلة الجارية من بوابة العبور لطاولات التفاوض التي لا تُدخل التسرع إلى المشاهد الأساسية للمواضيع، بل تعتمد المضامين النتائجية لما يحصل على الأرض وما يُرسم من مستقبل لأوراق التفاوض المُنجزة، التي بدأت هوتها تضيق في شكل دراماتيكي سريع أمام ما يحققه الجيش العربي السوري والمقاومة في القلمون، وما يحققه الجيش السوري من تكبيد لخسائر جمة في صفوف التنظيمات الارهابية التكفيرية المرتبطة بنظام أردوغان وآل سعود في مجمل بقع الجغرافية السورية من خلال العمليات المكثفة والدقيقة التي تنفذها وحدات الجيش العربي السوري، الذي يقود مصير هذه المجموعات الإرهابية إلى مصير تلك المجموعات نفسه الذي كتب فجر 25 أيار عام 2000 بقلمه مصير «جيش لحد» نفسه الذي يُعاني قائده من مواجهة حكم بالإعدام كما رصدته وكالة «رويترز» في عام 2004، إضافة إلى ما يعانيه اعضاء هذه الميليشيات من عزلة اجتماعية وقلة مساعدة بعد ما تبين أن حوالى 1600 طفل من أبناء جيش لحد يعانون حالياً من فقدان لهويتهم الانتمائية، فالتاريخ سيعيد نفسه من جديد ليترك العميل وخَدَمه يسحبون أذلال الخيبة وراءهم، مهما أسدوا من خدمات للمشروع المعادي للإنسانية، فنهايتهم مكب النفايات السياسية بعد انتهاء دورهم في صناعته، فهي لعبة الكبار والأقوياء في النهاية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى