الأردن والأبواب المغلقة…

جمال العفلق

إذا ما عدنا بالتاريخ الأردني قليلاً إلى تلك الإمارة التي أعطيت للهاشميين تعويضاً لهم عن مكة والحجاز ولتغيير في التوزيع للحكم وحصرهم في منطقة صحراوية لا تملك الكثير من مقومات الوجود، وعلى رغم ذلك استطاع الشعب الأردني خصوصاً العشائر الصمود والبقاء والتكيف مع الحكم الجديد وكانوا خير عون له حيث أعطوا العهد والوعد للهاشميين وأخلصوا لهم.

وتاريخياً كان للملك الرحل الحسين بن طلال الدور الأبرز في بقاء المملكة وصمودها أمام عواصف داخلية وخارجية وأزمات مزمنة بالاقتصاد كثيراً ما أوصلت الشعب الأردني إلى الانفجار. ولكن الأردن اليوم يفتقد لتلك الدبلوماسية المعهودة لدى الجيل السابق، فقد تورط أو بمعنى آخر فرض عليه أن يكون معادياً لأهم دولتين عربيتين هما سورية والعراق.

فالموقف الرسمي الأردني تجاه سورية والعراق هو موقف معاد، وخصوصاً في ما يخص الحرب على سورية، فالأردن منذ بداية الحرب على سورية اختار الوقوف ضدّ الشعب السوري وفتح الحدود في بداية الأزمة السورية وإنشاء مراكز اللجوء على رغم أنّ الذين نزحوا من بيوتهم لم يكونوا بالفعل تحت خطر مباشر، ولكن النزوح حدث وما قد لا يعلمه القارئ أن الأردن وضمن اتفاق مع الأمم المتحدة أصبح يتلقى مبلغاً يعادل ألف دولار أميركي عن كل نازح سوري وهذا الرقم على أرض الواقع لا يدفع منه شيئاً للنازحين السوريين الذين ذاقوا الأمرين في مخيمات الأردن، وخصوصاً في المرحلة الاولى من النزوح وما زالوا.

والأردن اليوم يشكل بيئة حاضنة لتدريب ما يطلق عليه اسم معارضة معتدلة كما أن دور غرفة «موك» لم يعد خفياً على احد وأصبحت تعلن عملياتها مسبقاً وهذه الغرفة التي تضم كلاً من أميركا والسعودية وقطر إضافة إلى الأردن وفرنسا و«إسرائيل».

ومنذ أيام دخلت عبر الأردن فصائل مزودة بمعدات حديثة تحت عنوان عاصفة الجنوب، تلك الفصائل التي قدر عددها بحوالى خمسين فصيلاً وعدد الذين دخلوا قدر بحوالى ألف وخمسمئة مقاتل. وبالوقوف على هذه الأرقام نكتشف مدى تشرذم المعارضة كما نكتشف أن الهدف من هذه العملية هو التخريب والتدمير، لا التحرير كما كان الادعاء. فعدد المقاتلين على عدد الفصائل المشاركة نجد أن هناك ثلاثين مقاتلاً لكل فصيل، وهذا بحد ذاته عنوان واضح بأن الهدف من الحرب على سورية ليس إلا من أجل التقسيم، وعنوان صريح على مدى تشرذم ما يسمى معارضة، إضافة إلى ذلك حاولت غرفة عمليات عمان عدم إبراز الأسماء ذات الصبغة التكفيرية، وخصوصاً النصرة والمدعومة من «إسرائيل» وذلك في محاولة لإيجاد قبول شعبي وحاضن لهذا الهجوم الذي كان لفشله أكبر صدمة لجميع أطياف المعارضة والدول المشغلة لها.

فالأردن اليوم يحاول فتح الأبواب المغلقة وتقديم كل ما يلزم للدول الداعمة للحرب على سورية في سباق مع الزمن قبل التغيير المنتظر في الخريطة السياسية الدولية فاقتراب موعد الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب وعدم تمكن التحالف العربي في عدوانه على اليمن وهو أحد الدول المشاركة فيه من تحقيق أي تقدم غير الخراب والتدمير وبداية انتشار الإرهاب في المنطقة ولدى الدول الداعمة له مثل السعودية والكويت التي دفعت منذ أيام ثمن تهاونها مع جامعي الأموال لدعم الارهاب في سورية والعراق. وليس بعيداً من الأردن أن يحدث لديه ما حدث في الكويت، فالأردن اليوم اتبع سياسة احتضان المسلحين أنفسهم ودفع حتى بالأردنيين للمشاركة بالعدوان على سورية، وأي ارتداد قد يحدث سوف يصدع الجدار الأمني الأردني ودخول الأردن في الحرب على سورية والعراق والتسهيلات التي قدمت من الأردن للجماعات المسلحة وتحويل الأردن إلى محطة عبور كما فعلت تركيا، جعلت كل الأبواب مغلقة على الأردن، فالسعودية لن تستمر إلى ما لا نهاية بدعمه اقتصادياً. والشكوك دائماً حول سعي الكيان الصهيوني في ادعاء تطبيق اتفاق السلام مع الأردن والتي طالما اخترقتها «إسرائيل» وتلاعبت بمضامينها.

وقد يكون الأردن غير قادر على إعلان موقف حقيقي تجاه سورية او العراق، ولكن عليه على الأقل المحاولة للخروج من هذه الشراكة التي اختارها أو فرضت عليه من قبل الولايات المتحدة والمال العربي ولا يمكن أن يكون من يدير السياسة في الأردن لا يعلم بمشروع الوطن البديل للشعب الفلسطيني وهذا بحد ذاته هو إنهاء لدور الهاشميين في المنطقة وإخراجهم من دائرة الضوء.

وإذا كانت اليوم الحرب على الحدود الأردنية وتشاهد بالعين المجردة من قبل المواطنين القاطنين بتلك المناطق، فإنها في وقت قريب ستنتقل إلى الداخل وحينها لا أعتقد أن الدول التي ورطت الحكومة الأردنية بتلك التحالفات العسكرية والأمنية ستكون قادرة على حمايته أو الحفاظ عليه.

فلا خيارات حقيقية أمام الشعب الإردني إلا دول الجوار العربي، ومن يزور الأردن يعلم مدى تدهور الأوضاع الاقتصادية بسبب السياسة الأردنية الخاطئة مع الجوار. فبلد المئة ضريبة لا يملك اليوم أسماء جديدة لفرض ضرائب جديدة على الشعب. ودول النفط لا تدعم كما يجب الاقتصاد الأردني، فالمشاريع ذات العائد هي مشاريع في المناطق الحرة وريعها يعود لشركات غير أردنية.

وهذا ليس نتيجة حصار دولي أو عربي إنما نتيجة سياسة قررها الأردن الرسمي وسيدفع ثمنها شعب عربي آخر هو الشعب الأردني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى