فتحوا أبواقهم ضدّ روسيا… لماذا لا تفتح باتجاه فلسطين؟!

د. سلوى الخليل الأمين

عجيب غريب أمرهم! لا يخجلون من العمالة والخيانة! ولا يتورّعون عن الكلام الشاذّ المنحرف عن قواعد الأصول التي تعتمد القانون مساراً ومصيراً، لهذا فتحوا أبواقهم ضدّ روسيا كما فتحت منذ خمس سنوات ضدّ سورية وقائدها الرئيس بشار الأسد، والسبب المساعدة الروسية العسكرية الحالية لسورية في حربها ضدّ الإرهاب، الذي بدا للبعض من جهابذة العصر، الذين خانوا أمتهم وشعوبهم بحقد لا مثيل له، أمراً مستغرباً، متناسين دعم أميركا اللامحدود للدولة الصهيونية المغتصِبة لفلسطين التي أسقطوها من أجنداتهم، وفي الوقت عينه نجدهم يتجاهلون ما يجري في القدس حالياً، وبالتحديد في الجامع الأقصى، من تصدّ للمصلين ومجابهة يومية تسعى «إسرائيل» من خلالها إلى هدم المسجد الأقصى من أجل إقامة «هيكل سليمان المنتظر».

كما تناسى معظم الحكام العرب القضية الفلسطينية وشعبها المشرّد في أنحاء المعمورة، وكما تجاهلوا قتل الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني واعتقال شبابهم وشيوخهم ونسائهم وحتى أطفالهم عدا عن قصف بيوتهم في القدس الشريف من أجل تفريغ المدينة المقدسة وجعلها عاصمة للدولة اليهودية المقرّرة. إضافة إلى تناسيهم ما جرى في العراق من تخريب وتدمير وسرقة آثارات وتدمير هياكل تاريخية قديمة، وقتل علماء، واعتقال المدنيين من الرجال والنساء وزجّهم وتعذيبهم في سجن أبو غريب بشكل منافي للمعاهدات الدولية التي ترعى حقوق أسرى الحرب وزرع البلاد بالمتفجرات التي لا تفرّق بين مدني وعسكري، كلّ هذا حصل عند احتلال الولايات المتحدة الأميركية للعراق دون ان يحرّك أحد ساكناً أو يعترض او يحتجّ كما يجري الآن باتجاه روسيا، ودون أن ينبس أيّ حاكم عربي ببنت شفة، سوى الرئيس السوري بشار الأسد الذي اعترض على احتلال دولة عربية هي العراق العضو الدائم في المؤسسات الدولية والعربية والمعترف باستقلالها وسيادتها على أرضها، مبدياً اعتراضاً على محاكمة رئيسها صدام حسين كرئيس عربي يحق لشعبه فقط محاكمته أو عزله، بالرغم من أنّ سورية والعراق في ذاك الوقت كانتا على خلاف سياسي، إلا انّ الموقف العربي المشرّف للقيادة السورية هو رفع كلمة الحق في وجه سلطان جائر، وقد قالها بجرأة متناهية في قمة بيروت العربية الرئيس بشار الأسد محذراً القادة العرب من مغبّة ما سيحصل لاحقاً، لو تخاذل العرب وانصاعوا للقرارات الأميركية، وقد حصل فعلاً ما أدركه سابقاً الرئيس الأسد ونبّه إليه، لكن لا حياة لمن تنادي حين الجميع مرتهن للخارج، وعلى الأخصّ للأميركي الحاضن للعدو «الإسرائيلي»، والذي يزنّر ممالكهم ومشيخاتهم بقواعده العسكرية الموضوعة غبّ الطلب وكلّ عربي يذكر هذه الأفعال جيداً، فالتاريخ يسجل والذاكرة حاضرة باستمرار، وعملية احتلال العراق وبعدها محاكمة وإعدام رئيسها تمّت بأوامر أميركية دون أيّ اعتراض من حاكم عربي.

لتاريخه، بالرغم من كلّ الرهانات المسيئة بحق سورية ورئيسها، والآمال المبنية على الانتصار عليه أو إخضاعه لشروطهم المذلة، التي عمّمتها أبواقهم الإعلامية، لم تمكّنهم من النيل منه ومن وحدة سورية، بالرغم من الخرائط الجغرافية التي رسموها لربيبتهم «دولة داعش» الإرهابية، التي نظموها وموّلوها ومدّوها بالسلاح، بغضّ النظر عن قرارات الأمم المتحدة التي لا تسمح قوانينها المعتمدة، بالتعدّي على سيادة دولة مستقلة ومعترف بها دولياً.

كلّ هذه الأمور ضربت عرض الحائط في نظر العديد من المتحالفين مع أميركا، الواقفين بشراسة ضدّ كلّ من يقاوم «إسرائيل»، وضدّ كلّ من يدعو إلى حلّ القضية الفلسطينية ومنح شعبها حق العودة إلى ديارهم، فأميركا مارست طويلاً دورها كقطب عالمي أحادي، يملك قوة الأمر والنهي، وبالتالي لا يجوز الخروج على طاعتها بل المطلوب دائماً الانصياع والطاعة، لهذا تمّ تدجين حكام الدول العربية الذين مشوا في ركابها غير آبهين بالتاريخ، الذي يسجل خياناتهم لشعوبهم في حيثياته، متناسين صمود القادة العرب الشجعان، الذين قاوموا المحتلّ والمستبدّ والمتغطرس، ولم يأبهوا بالموت، ولا بالعروش أو المواقع المتقدّمة، لأنّ الوطن في أجنداتهم رسم ضمن إطار من فداء وتضحيات.

إنّ هذه الأبواق المستعرة في الهجوم على المساهمة الروسية العسكرية، المندفعة للمساهمة مع سورية والعراق وإيران من أجل القضاء على «دولة داعش» المزورة، ما زالت تتغاضى عن شجب الحرب الكونية الأميركية الصهيونية المستمرة منذ خمس سنوات على سورية، لأنهم هم ذاتهم وقود هذه الحرب، ومن معطلي الحلّ السياسي، ومن المتآمرين جهاراً مع «إسرائيل» من أجل القضاء على سورية وتفتيتها وتقسيم العراق وإنهاء لبنان كدولة وتسليمه إلى الطوائف المتناحرة. لهذا فهم اليوم قلقون من التدخل الروسي الذي يعتبر كارثة موصوفة بالنسبة إليهم، خصوصاً عند رفع راية النصر الحقيقي في منطقة بلاد الشام الممتدّة من حدود الرافدين حتى شواطئ البحر المتوسط.

لهذا نجد أنّ قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يكن عبثياً او ارتجالياً، بل هو مدروس بدقة ومنسق مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، حتى لو تمّ تجاهل الأمر إعلامياً منهما توخياً لأهداف غايتها الحذر مع الحلفاء، الذين يتخبّطون حالياً في مساراتهم المرتجلة، فالسعودية غارقة في المستنقع اليمني، وقطر لا حول ولا…، حيث بات المال حرفاً مشبّهاً بالفعل السيّئ، الذي أدركت مفاعيله الشعوب الغربية عامة والأميركية خاصة، وبأنه المساعد الأكبر لتمدّد الإرهاب الذي يخشون أفعاله في ديارهم التي ظنوها آمنة.

لهذا ارتفعت الأبواق المعترفة ببقاء الرئيس بشار الأسد ومشاركته في محاربة الإرهاب، بدءاً من ألمانيا حتى بريطانيا وفرنسا وأستراليا وغيرها، أما من هم دونهم من عملاء أميركا، فقد أعلنوا النفير ظناً منهم أنهم قادرون على تسجيل النقاط في المرمى الأميركي الذي وافق ضمناً على القرار الروسي القاضي بضرب الإرهاب، من دون النظر إلى الخلف، حيث أمامه اليوم قوة عظمى منافسة، بل قطب عالمي مواز له قوة وعتاداً وجبروتاً، هو القطب الروسي المتحالف مع الصين والهند وإيران والعديد من دول أميركا اللاتينية المؤيدة للحلّ السياسي في سورية وللقضية الفلسطينية، من هنا كانت زيارة رئيس وزراء العدو «الإسرائيلي» نتنياهو إلى روسيا ومقابلته الرئيس فلاديمير بوتين ذات أهمية عالية، لجهة الوقوف على الحياد في مسألة مشاركة روسيا الجيش السوري القضاء على العصابات الإرهابية في سورية والعراق، وعدم التدخل عسكرياً، وإلا تكون جنت على نفسها براقش.

أمر التوافق العالمي هذا، وضع مسار الحلّ السياسي في سورية على نار حامية، سيصدر تأييده قريباً بوضوح عن الإدارة الأميركية التي تقضي مصالح شعبها وسياساتها البراغماتية بالقضاء على الإرهاب، الذي فشلت في حصد النتائج المرجوة منه والتي رسمتها سابقاً بدقة متناهية، وساهمت في انتشار الإرهاب على الأراضي السورية والعراقية وحتى اللبنانية، لهذا ستتمّ قريباً عملية إقفال الأبواق الإعلامية السائرة في الاتجاهات المعاكسة بأوامر أميركية، خصوصاً تلك الأصوات أو الأبواق التي وجهت سهام الغدر إلى سورية وقائدها الذي يعترف الجميع حالياً، بما فيهم الرئيس اوباما، بأنه وحده الأصلب عوداً بين الحكام الذين طاولهم الربيع العربي، والأنقى سريرة والأشدّ صلابة والأكثر وعياً والأبعد بصيرة، فهو المدرك لخطر الإرهاب منذ البدء، وصموده شكل انعطافة أعدائه والمتآمرين عليه باتجاه الاعتراف بحقائق الأمور التي أصبحت مكشوفة للجميع.

هذا الموقف الأميركي المتساهل مع دخول الروس إلى سورية أثار حفيظة الصغار من العملاء والخونة، خصوصاً ممّن يسمّون أنفسهم معارضة سورية، اما ألمانيا وبريطانيا وحتى فرنسا وأستراليا وقريباً تركيا، فقد تلقوا الدرس بشكل جيد جداً، لهذا بدأت ألسنتهم تدور بخطاب جديد مفاده الإقرار بوجوب التعاون مع الرئيس بشار الأسد لمحاربة الإرهاب في سورية والعراق، اما أصحاب الألسنة الطويلة الذين يعتبرون أنفسهم أحرفاً مقروءة في أجندات السلطة الأميركية فهم الخاسرون في المستقبل القريب ولات ساعة مندم.

رئيسة ديوان أهل القلم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى