أمجاد الحريري بين نفق الرئاسة المسدود وقانون الانتخاب

هتاف دهام

أعطى حزب الله «الشركاء في الوطن» فرصة لانطلاق الحلّ بانتخاب رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، لكون الأخير يشكل قيمة وطنية ورافعة مسيحية وكفاءة شخصية. كان وصول الجنرال بمثابة التحضير للحلّ بالسلة المتكاملة، التي تبدأ بانتخاب «العماد» لما يشكل من ضمانة أكيدة لإقرار قانون انتخاب جديد على أساس النسبية وتشكيل حكومة وحدة وطنية.

تخلّى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن المطالبة بسلة سياسية كاملة تسبق الانتخابات. اشترط على مجلس النواب الانعقاد «غداً» لانتخاب العماد عون «ونحن جاهزون للمشاركة بلا تعديل للدستور وبلا سلة»، وجاء هذا الخطاب من السيد عقب لقاء معراب ودعم رئيس حزب القوات سمير جعجع ترشيح الجنرال، على اعتبار أنّ العقدة المسيحية ذُلّلت وبات بإمكاننا حلّ هذا الملف بمعزل عن الملفات الأخرى.

مضت على هذه الفرصة أشهر. لم يتلقفها رئيس تيار المستقبل سعد الحريري المُصرّ على موقفه بدعم ترشيح النائب سليمان فرنجية كحلّ وحيد. وأمام رفض التيار الأزرق عرض السيد نصرالله، وتشبّثه بموقفه الرافض لقانون انتخابي جديد، عاد حزب الله إلى طرح مبادرته الأصلية، فالسلة الشاملة تعني بالنسبة له الخيار الواقعي المتصل بجدول أعمال طاولة الحوار الوطني الذي يقوم على مناقشة 7 نقاط رئاسة الجمهورية، الحكومة، مجلس النواب، ودعم الجيش والقوى الأمنية، اللامركزية الإدارية، وقانون الانتخاب بصورة متداخلة، يكون التنفيذ وفقاً لطبيعة كلّ ملف. فالمشاركون أجمعوا في الجلسة الأولى على أنّ مناقشة أيّ بند والتوافق عليه يعني الانتقال إلى بنود أخرى بهدف الاتفاق على الملفات كلّها.

لا حلّ من دون قانون انتخاب يُعيد تشكيل السلطة من جديد على أسس صحيحة ويضع حدّاً لاغتصابها من مكونات سياسية استأثرت بالحكم منذ اتفاق الطائف. وهذا سيكون مدار بحث في جلسة الـ20 من نيسان التي سيعرض الرئيس نبيه بري خلالها على المتحاورين تقرير لجنة التواصل النيابية ليتحمّل كلٌّ مسؤوليته، مع تصوّر المعنيين أن لا حلحلة لهذا الملف راهناً وسيُعاد تكليف اللجنة مجدّداً.

في ظلّ الأزمة السياسية الحالية التي يعيشها لبنان، ويشكل الشغور الرئاسي فيها أحد العناوين، يعتبر حزب الله أنّ انتخاب الرئيس في هذه اللحظة، بغضّ النظر عن الأسماء المطروحة، لن يشكّل إلا مدخلاً لمعالجة الأزمة. لكن المعالجة الحقيقية وفق قراءته الواقع المأزوم على صعيد المؤسسات والفساد المستشري لا تكون إلا وفق قانون انتخابي جديد على أساس النسبية.

هذا هو المغزى الأساس الذي تقصّد حزب الله تأكيدَه، على لسان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، في ذكرى أربعين الشهيد القائد الحاج علاء والربط من خلاله بين المواضيع، لما يشكل تغيير النظام الانتخابي نقلة نوعية تحقق تعبيراً حقيقياً عن إرادة الناس وتمثيلاً لأوسع شريحة متنوّعة على مستوى الطوائف والمناطق والقوى السياسية ومرتكزاً قوياً لإعادة تكوين السلطة السياسية على أسس الشراكة الحقيقية. وأكد رعد «أنّ شعبنا يستحق في هذا البلد قانون انتخاب يمنحه حق اختيار الممثلين الحقيقيين فلا يكون في المجلس النيابي تمثيل لا يعكس التمثيل الواضح في الأحياء والبلدات والمدن. الحضور الشعبي يجب أن يتناسب مع التمثيل النيابي، والوزن الشعبي يجب أن يتوازن مع التمثيل النيابي، حتى يستطيع الناس عبر ممثليهم أن يحاكموا المسؤولين».

لا مانع عند حزب الله في حال التفاهم على مسألة قانون الانتخاب، أن تكون الرئاسة هي المدخل لتطبيق كلّ هذه التفاهمات، وعلى رأسها قانون الانتخاب، لكنه لن يقبل بعد الآن بتكرار سيناريو المراحل السابقة من رئيس وسطي أو رئيس قوي مكبّل اليدين. فالسلة الكاملة تؤسّس لمرحلة جديدة، ولذلك فإنّ فريق 8 آذار بدأ ينتهج سياسة جديدة. لم يعُد تكفيه المطالبة بتسريع انتخاب رئيس، إنما ربط ذلك بإقرار قانون انتخاب عصري، لن يقبل أن يبقى التيار الأزرق نائماً على أمجاده، فقواعد العمل نفسها لم تعد تصلح للمرحلة المقبلة، والنظام السياسي من خلال التطبيق يحتاج مجموعة من الإصلاحات الداخلية، أهمّها توسيع قاعدة الشراكة عبر إقرار قانون انتخابي تتقاطع فيه غالبية القوى السياسية باستثناء تيار المستقبل والاشتراكي.

أصبح خصوم حزب الله أمام أحد أمرين: إما انتخاب الجنرال رئيساً أو السلة المتكاملة بدءاً بقانون انتخاب. ما يهمّ الحريري هو أن يحصل من حزب الله على وعد بالعودة إلى السلطة أياً يكن رئيس الجمهورية، وبات مقتنعاً رغم تمسكه بترشيح فرنجية أنّ عون هو مَن يعيده إلى السلطة، لا سيما أنّ رسائل كثيرة نقلت إليه من السوريين ومن حزب الله بأنّ الأوان لعودته لم يحِن بعد، لكنه يقف عاجزاً عن دعم الجنرال أمام الرفض السعودي الكامل ويعلم انه يدفع ثمن سياسة المملكة في لبنان. ولذلك سيبقى يعكس الموقف «الرياضي» غير المكترث بلحظة حلّ راهناً. ورغم أنّ مسألة سلاح حزب الله خارج ايّ حوار ثنائي في عين التينة أو حوار وطني وخارج أيّ مبادرة، غير أنّ الحريري أعاد أمس، الحديث عنه مقابل «السلة» في سياسة تصعيدية شديدة الخطورة، وإنْ كانت مواقفه تعبّر عن عجز بإحداث خرق نوعي يدفع الأحداث السياسية باتجاه ما يريده: رئاسة الحكومة لمعالجة مجموعة من الأزمات المالية والسياسية والسعودية، فهو يبحث عن جسر نجاة يعيده إلى مجلس الوزراء، وهذا غير ممكن في ظلّ الشغور الرئاسي، ويحاول رفع السقف الكلام السياسي للحفاظ على ماء الوجه أمام الوقائع العامة.

عودٌ على بدء في دوامة الجمود، عادت الأمور إلى المربع الأول، لا أفق حلّ مترافق مع تصعيد سياسي. كلّ فريق يستعيد أوراقه السابقة. السلاح مقابل السلة المتكاملة كنوع من التعجيز وتبادل الذرائع والحجج. والكلام العالي النبرة من بيت الوسط تعويض عن انسداد أفق التسويات السياسية، فالأجواء التفاؤلية التي لاحت في المرحلة الماضية عادت لتتبدّد. ونفق الأزمة اللبنانية مسدود ومدخله إما العبور بقانون انتخابي إلى الرئاسة أو العكس.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى