اللغة العربية غريبة اللسان في وسائل الإعلام وإرث حضاريّ يبدّده الجهل

كتبت سارة محفوظ من القاهرة

ازدادت كثيراً العوامل التي تؤثر في اللغة العربية كمعبّر أساسي عن الثقافة والهوية العربيتين، ومن أبرز الأخطار التي تهدد هذه اللغة اليوم ازدياد الاعتماد على المصطلحات الأجنبية، خاصة في الفضائيات العربية الناطقة بلسان العرب وإحدى أبرز الأدوات لنشر الثقافة العربية. سقطت الفضائيات العربية في فخّ الإنكليزية، ويحرص المذيعون والمذيعات على تطعيم حديثهم بإدخال كلمات أجنبية، ما يهدد مستقبل اللغة عبر أهم منافذها الحديثة. فهل السبب أن مصطلحات اللغة العربية قاصرة ولم تعد تواكب تطورات العصر؟ أم هو تظاهر بالمدنية والثقافة الغربية؟!

السبب الحقيقي لذلك بحسب د. محمد إبراهيم عبدالرحمن، أستاذ اللغة العربية في كلية التربية في جامعة عين شمس «ن الإنسان عدو ما يجهل، فلو كان المذيعون والمذيعات والقائمون على هذه البرامج جميعاً متصالحين مع اللغة العربية وعالمين بأصولها لما هربوا من استخدامها وهجروها إلى مثل هذه الكلمات الفاترة»، متسائلاً: «هل يليق أن نتعامل مع لغتنا بهذه الصور المختلطة بالألفاظ غير العربية؟! فكرامة هذه اللغة هي كرامة أهلها، وأعتقد أن ذلك هدف من أهداف الغزو الفكري، لذا لا بد أن يتم التنبه إلى هذه المؤامرة». أما مستقبل اللغة العربية في ضوء هذه الظاهرة الخطيرة فيصوّره د. عبدالرحمن بقوله: «إن الأمر تزداد خطورته وهو من أخطر المظاهر في حضارتنا العربية ويهدد اللغة الفصحى».

د. عبدالفتاح أبوالفتوح، أستاذ أصول اللغة العربية في جامعة الأزهر، يؤكد من ناحيته «أن انحدار مستوى اللغة العربية أضحى سمة عامة في حياتنا في الجامعات والمدارس وأجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، بخاصة في الفضائيات التي انتشرت في الآونة الأخيرة، ما يشكل خطورة كبيرة على اللغة العربية فللفضائيات تأثيرها القوي في المشاهد العربي».

د. الطاهر أحمد مكي، أستاذ الدراسات الأدبية في جامعة القاهرة يرى «أن ما يحصل من تدنٍ في مستوى اللغة العربية، وخاصة في وسائل الإعلام، يشكل انحداراً في استخدام اللغة القومية ويعطي انطباعاً إلى المستمع المتلقي بأن اللغة الأجنبية في درجة أرقى من لغته، ما يخلط في ذهنه أن رقي اللغة يستلزم التشبه بالغرب، والنتيجة سقوط في هوة التقليد الأعمى»، مشدّداً على «ضرورة التمييز بين استخدامات بالإنكليزية أو غيرها من اللغات، والتحدث بالعربية، من دون خلط، فمن يتخلى عن لغته يتخلى عن هويته. وللإعلام أهمية كبرى وتأثير في النشء وذو رسالة خطيرة تعليماً وتثقيفاً، فإذا كانت هذه اللغة الإعلامية ركيكة لا ترقى إلى المستوى المطلوب سوف تضعف اللغة العربية في نفوس الأطفال والشباب، لذا لا بد من الاهتمام باللغة، خاصة في البرامج الفضائية، واختيار خبراء يجيدون الكلام بفصحة سليمة وبسيطة في آن واحد، كما يجب عقد دورات متخصصة للمذيعين والمذيعات لتعليمهم أبسط قواعد الحديث بالعربية السليمة الفصيحة كي لا تصبح لغة غريبة بين أهلها».

في المنحى ذاته يمضي د. محمد الكردي في جامعة القاهرة، معتبراً أن لا بد من المحافظة على الاستخدام السليم للغة العربية، خاصة في أجهزة الإعلام لما له من أثر في المتلقي.

خلافاً لتلك الآراء التي ترفض مزج المصطلحات مع العربية يستشهد د. عبدالعزيز نبوي أستاذ اللغة العربية والدراسات الإسلامية بمقولة طه حسين «لغتنا العربية يُسر لا عُسر ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها ولنا أن نضيف إليها ما نحتاج من ألفاظ لم تكن مستعملة في العصر القديم».

حول تأثر المشاهدين سلباً بالمذيع في استخدام لغة عربية متداخلة مع أجنبية تقول فاطمة السيد طالبة جامعية : «إن كثرة استخدام المصطلحات الأجنبية من قبل المذيعين والمذيعات تؤدي إلى نسيان المصطلحات العربية». ويؤكد عبدالرحمن السيد طبيب أن الأمر يزداد خطورة في حالات استخدام تلك المصطلحات الأجنبية التي يكثر تداولها في المسلسلات والأفلام وذلك إذ تحظى بشعبية أكبر، معتبراً أنه لكثرة استخدام تلك المصطلحات الأجنبية يختفي المصطلح العربي ويستخدم الأجنبي كبديل دارج. ويقول راضي سعيد مذيع على قناة فضائية : «يحزنني جداً إدخال مصطلحات أجنبية من قِبَل كثير من المذيعين على الفضائيات فذلك إن دل على شيء فإنما على ضعف بعض المذيعين والمذيعات وعدم تمكنهم من استخدام اللغة. ويقول د. عبدالله الخولي: «يمكن أن نشير إلى أن اللغة العربية غابت عن ألسنة إعلاميين كثر، وأصابتها الغربة في العديد من البرامج الإعلامية المسموعة والمرئية فلا وجود لها إلاّ في نشرات الأخبار وبعض التعليقات الإخبارية، إذ تفتقر إلى القوة والسلطان اللذين يدافعان عنها ويلزمان الإعلاميين بالتمسك بها. وليس صحيحاً ما يقال إننا لو تكلمنا بها في كل برامجنا لن تصل إلى قلوب المستمعين وآذانهم وعقولهم، فاللغة العربية أقصر الطرق المعبرة عن المعاني»، مشيراً إلى أن معهد الإذاعة والتلفزيون في مصر يقوم بجهد مشكور في تعليم الإعلاميين اللغة العربية، فإذا خرج الإعلامي من إحدى دورات المعهد المتخصصة في اللغة العربية فإنه يخرج مستقيم اللسان. لكنه يفاجأ بفرض استخدام اللغة العامية عليه لدى تقديمه برامج حوارية، سواء ثقافية أو رياضية أو اجتماعية. وإذا تحدث بالعربية التي تعلمها من دورات المعهد قد يُلام على ذلك بحجة أن اللغة العربية غير معتمدة إلا في المادة الإخبارية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى