الحريري و«كابوس» قانون الانتخاب

روزانا رمّال

كأنّ تيار المستقبل الذي أراد التحدث عن نوايا ضمنية لتأييده الإبقاء على قانون الستين أراد جسّ النبض من خلال تصريح لوزير الداخلية نهاد المشنوق قال فيه إنّ وزارة الداخلية جاهزة الآن لإجراء الانتخابات النيابية على أساس قانون الستين، وإنّ اعتماد أيّ قانون آخر يجعل الوزارة بحاجة لوقت للتحضير له، واذا بالشارع اللبناني يستشرف مرحلة من القلق التي تحمل مؤشرات صفقة قد يوضع اللبنانيون أمامها ضمن قدرة الأمر الواقع، وعلى هذا الاساس تفاعلت ردود الفعل بالكواليس السياسية التي بدأت تعدّ لحملة تصدّ لأيّ اتفاق من هذا النوع.

المأزق الذي يقع فيه تيار المستقبل اليوم لا يبدو سهلاً بالمقارنة مع السنوات الماضية التي كان قياس العملية الانتخابية يتحدّد بعوامل داخلية كان تيار المستقبل يعمل على اجتيازها بالقدر الممكن تارة بتغطية مالية شاملة او مساعدات او تقديمات خدماتية بين صحية وتربوية تتكفل باستعادة الزخم الذي تفقده عادة القوى السياسية في نهاية كلّ دورة نيابية، وهذا الخيار ليس ممكناً اليوم، فالوضع المادي لتيار المستقبل متراجع والأهمّ الذي يعتبره الحريري أكثر النقاط دقة في الملف الانتخابي هو تأثير الأزمة السورية وتداعياتها على الشارع السني في لبنان، وعلى هذا الأساس ليس أكيداً انّ الحريري جاهز لايّ نوع من أنواع قوانين الانتخاب التي تضع قوته الشعبية أمام اختبار شديد الحساسية في وقت لم تكن معركة الانتخابات البلدية مشجعة لإجراء ايّ نوع من الإصلاحات او التغييرات على قانون الانتخاب.

يبدو الرئيس سعد الحريري غير مطمئن حتى الساعة لقاعدته الشعبية ولا لإمكانية استرجاع ما خسره جراء مكوثه خارج البلاد لسنوات، ولرهانه على انتصار من نوع آخر في سورية يعيده الى لبنان من بوابة المنتصر بمعادلة جديدة تسحب من خصومه في لبنان ايّ سلطة او قوة يستمدّونها من سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، وأيضاً من إيران بشكل او بآخر. كما انّ سلوك الحريري السابق من حيث التعاطي مع نوابه ساهم في سحب الثقة من شارع لم يعد يؤمن بنجاعة اختياراته، فنواب مثل عقاب صقر وخالد الضاهر وضعت حول اسمائهم علامات استفهام كثيرة، ودخلت سوق التعامل مع المعارضة السورية مع التزام كامل بكلّ متطلبات العمل على ما من شأنه إنجاح ما سمّي «ثورة» في سورية، ولو على حساب الساحة السنية في لبنان التي تعرّضت لشتى أنواع الاتهامات التي لا يمكن محو آثارها بوقت زمني قصير.

أخطر ما في الأمر انّ الساحة السنية تعرّضت لتشويه قاس بحق بعض ممن استلحقت بهم مرحلة طغت على مشهد بأكمله في ذلك الوقت، فقد بات الشارع السني بيئة حاضنة بنظر كثر للإرهاب، وأسواء ما استجلبته فكرة دعم الحريري للمعارضة في سورية بعدما توضّحت صورة هذه المعارضة وارتباطها بالإرهاب عند الاكثرية الساحقة من اللاعبين الدوليين الذين وصلوا إلى مرحلة تأييد تصنيف جبهة النصرة في خانة المنظمات الإرهابية بدلاً من اعتبارها «معارضة».

ليس سهلاً أبداً على تيار المستقبل التخلص من صفات ألصقت بشارعه جراء رهانات الحريري التي فشلت في سورية، على الرغم من أنها كانت سياسات دول كبرى اتخذها «هو» مرجعاً وملاذاً دون ان يحسب حساب «الأحجام» و«الأوزان»، فالقوى الدولية كبرى تقدر على السيطرة على إخفاقات خارج حدودها، على عكس الحريري الموضوع ضمن إطار ممثل «الاعتدال» السني بالمنطقة ما يحمّله مسؤولية المزيد من التحسّب للحظة تحققت خسر فيها تياره نَفَس الاعتدال.

يعتب تيار المستقبل على أفرقاء نعتته بالتيار الداعشي الأزرق مثل بعض المنتمين للتيار الوطني الحر الذين شهدوا على مرحلة دعم اعترف فيها الإرهابي احمد الأسير لاحقاً في صيدا من قبل آل الحريري، وشهدوا كسائر اللبنانيين نواب من كتلة المستقبل خرجوا عن الاعتدال الى غير رجعة بهجوم شرس على الجيش اللبناني. هذه عينة مما كاد يقع فيه الحريري ويوقع فيه قاعدته لولا انعطافته الأخيرة، وعلى هذا الأساس انقسم شارعه الى جزأين: جزء استساغ لعبة التطرف وجزء آخر رفضها بشكل كامل.

الوزير أشرف ريفي واحد من أشكال «التطرف» التي انشقت عن تيار المستقبل والتي جمعت حولها جزءاً وافياً من شعبية تكفلت بفوز لائحة مدعومة منه في الانتخابات البلدية في طرابلس، عاصمة الشمال، إضافة الى إحداث خروق في لوائح مدعومة منه ايضاً في مناطق سنية اخرى، مع نتيجة غير مرضية في بيروت في مواجهة تيارات مدنية، رغم تحالف الحريري مع كلّ القوى على الأرض الخصمة والحليفة بوجهها.

قانون الستين يعني بالنسبة للحريري فوزاً أكيداً وضماناً لأكبر قدر ممكن من الأصوات، شريطة التحالف مع حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، خصوصاً في المناطق المختلطة التمثيل مثل عكار والشوف وزحلة وبيروت الأولى، والتي ستتكفل بإحداث فارق واضح وخسارة الحريري لمقاعد نيابية اذا تمّ اعتماده، ولهذا بدأ الحريري حملة تسويق للستين عبر المشنوق ما لبث ان تراجع عنها بجمل مخففة أمس ليصل ربما إلى نقطة التقاء في منتصف الطريق يتمّ الاتفاق فيها على اعتماد قانون انتخابي «مختلط»، وهو الأمر الذي يرجحه مرجع سياسي بارز لـ«البناء»، والذي يعتبر انّ هناك صعوبة في ان يُمرّر قانون يعتبر «كابوساً» عند البعض كالقانون النسبي بظروف دقيقة تعيشها الأحزاب حالياً تأثرت باهتزازات وأزمات الخارج، وعلى هذا الأساس يبقى القانون «المختلط» احد أقوى الخيارات الحاضرة للجميع هرباً مما هو أعظم، ألا وهو مخاطر اعتماد قانون الستين على الشارع الذي ينتظر لحظة انفجار جديدة بوجه السلطة وعلى المكونات الداخلية لقوى تنادي بالإصلاح.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى