زار سورية واكتشف أنّ السوريين ضحية الإرهاب الصحافي البلجيكي ينس دي ريكه لـ«البناء»: الحرب لعبة قذرة تلعبها تركيا والسعودية ومشيخات الخليج والدول الغربية

حاورته: جودي يعقوب

تطوّر التكنولوجيا وما نتج عنه من انتشار واسع لوسائل الاتصال والمعلومات ومواقع التواصل، لعب دوراً سلبياً في دول عدة تعرّضت لأحداث إرهابية، وقد تمّت مواكبة الأحداث بالأخبار الكاذبة والصور ومقاطع الفيديو المفبركة، لتنتشر انتشار النار في الهشيم، مستهدفة تأليب المشاعر الإنسانية ضد الدول المستهدّفة وحكوماتها.

لقد اعتمدت وسائل الإعلام الغربية والعربية التابعة، كل الوسائل التضليلية بهدف إثارة النعرات والفتن وبثّ الكراهية والأحقاد حتى بين أبناء المجتمع الواحد. وقد تركّزت هذه الحملات الإعلامية ضد سورية التي تشهد حرباً تخوضها مجموعات إرهابية متعدّدة الجنسيات ضد الدولة السورية قيادة وجيشاً وشعباً.

ورغم طغيان وسائل الإعلام التي تدعم الحرب على سورية، بما تمتلك من طاقات وتمويل، فإن سورية خاضت مواجهة إعلامية قاسية لا تقلّ شأناً عن مواجهة المجموعات الإرهابية، وذلك من خلال فتح المجال أمام الإعلام الجادّ ليرصد الواقع كما هو، وبالتالي فقد أتاحت كل الفرص أمام الإعلاميين الأجانب والعرب لتغطية الأحداث بطريقة موضوعية وجادّة وغير منحازة، وحرصت أيضاً على أن يحصل كل صحافي على تأشيرة دخول رسمية، لضمان سلامته.

هذا التعاطي المسؤول مكّن صحافيين أوروبيين كثر من القدوم إلى سورية، ونقل مشاهداتهم. وقد اكتشف هؤلاء أن ما يبثه وينشره الإعلام الغربي هو خلاف الواقع، وعارٍ من الصحة، ويعتمد أخباراً ومعلومات ملفقة وكاذبة.

الصحافيون الأوروبيون الذين ذهبوا إلى سورية لتغطية الحرب، نقلوا للرأي العام مشاهداتهم الميدانية، وتوصّلوا إلى الحقيقة الكاملة التي تؤكد بأن الشعب السوري هو ضحية العقوبات والسياسات الأوروبية وضحية الإرهاب الذي يتهدّد هذا البلد، وكل ما عدا ذلك أكاذيب لا تمتّ إلى الحقيقة بصلة.

الكاتب والصحافي البلجيكي ينس دي ريكه كان دخل سورية مرتين وأجرى مقابلات وتغطيات ميدانية، التقيناه في منزله في أنتويرب ـ بلجيكا، وكان لنا حوار معه عرض فيه رأيه ومشاهداته، فقال:

قبل ثلاث سنوات، كنت في رحلة إلى السويد، وكانت فترة صعبة في حياتي أبحث فيها عن نفسي. وفي رحلة العودة التقيتُ على متن الطائرة بقسّ سوريّ، ما دفعني إلى معرفة المزيد عن سورية، وما يحصل فيها. وفي رحلة البحث التقيتُ ناشطة سوريّة تدعى ريما داريوس، والأب دانيال ماس، واطلعت منهما على ما تتعرّض له سورية.

ويتابع في الإطار نفسه: منذ سنتين، ذهبت إلى سورية للمشاركة في مؤتمر «step up for Syria» الذي أقيم في مدينة دمشق، وهناك تسنّت لي معرفة الكثير عما يحدث في سورية من خلال السوريين أنفسهم. لقد زرت دمشق ومعلولا وصيدنايا، ورأيت الجوانب الجيّدة والسيئة، تعرفت إلى حضارة عريقة وتاريخ عظيم، وشعب رائع لديه الكثير ليحكي عنه، وفي الوقت نفسه رأيتُ مآسي الحرب كلها التي استهدفت هذا البلد وشعبه.

يضيف دي ريكه: عندما عدتُ من سورية قرّرت أن أكتب عن القصص كلها التي أخبرني بها السوريون، لذا عدت وزرتها عام 2016. فقصدت مدينة حمص وقلعة الحصن وطرطوس واللاذقية، وكتبتُ القصص كلها التي شاهدتها، وهذا ما سأدوّنه في كتاب سيصدر قريباً.

لعبة سياسيّة قذرة

وينتقل دي ريكه إلى المحور المرتبط بحقيقة المشهد الإعلامي وكيفية تعاطيه مع ما يجري على الأرض السورية، فيقول: لم أكن أعلم الكثير عن سورية، كنت أعلم أن الحرب دائرة هناك وكانت وسائل الإعلام تعرض القصة من وجهة نظرها، فتشير إلى أن الرئيس الأسد «يقوم بقتل الثوّار الأبرياء الذين ثاروا من أجل حريّتهم». هكذا بكل بساطة كان يتم تقديم قصة الحرب للمتلقي، ولكن بعد لقائي بالأب سامويل، تعمّقت أكثر وبحثت أكثر عن المعلومات والحقائق، واكتشفت أن الحقيقة معقدة جداً وأنّ القصة ليست بهذه البساطة كما يتم عرضها على قنواتنا الإعلامية الأوروبية ، وأن اللاعبين في هذه الحرب كثيرون، لا كما يقولون هنا في الغرب أن النظام السوري هو المسؤول عن كل شيء.

ويُضيف: تعلّمت أكثر عن اللعبة السياسية القذرة التي تلعبها تركيا والسعودية ودول الخليج الأخرى، إضافة إلى الدول الغربية، وطبعاً أن الشعب السوري هو الضحية الوحيدة والخاسر الوحيد في هذه الحرب.

ويخبرنا دي ريكه عن كتابه الذي سيصدر قريباً فيقول: الكتاب يحكي عن قصتي الشخصية في سورية، يبدأ بلقائي الأب سامويل ورحلتي في سورية، وعن القضايا التي سمعتها والأشخاص الذين التقيت بهم، وكيف أثرت هذه الحرب على الأرض والبشر. وقد أجريت مقابلات مع بعض الأشخاص الذين أخبروا تجاربهم الشخصية، كصديقتي إيما التي أخبرتني قصتها، والصحافي خالد الذي التقيت به في حمص، وأخبرني كيف بدأت الأحداث في حمص.

ويتابع: في الكتاب أيضاً قصة امرأتين التقيت بهما في اللاذقية، وأخبرتني كل واحدة منهما كيف تعرّفت إلى الأخرى في المقبرة، بعد أن استشهد ولداهما في هذه الحرب، وتمّ دفنهما جنباً إلى جنب. والمميز في هذه القصة أن الوالدتين ليستا من طائفة واحدة، الأولى من اللاذقية والثانية من حلب. وفي هذه الحرب نسمع الكثير من الكلام عن أن هذه الحرب طائفية. وفي هذه القصة النموذج نجد ما يبدد هذه الأكاذيب الإعلامية. هذه بعض من القصص والتي تدحض القصص المزوّرة كلها التي ركّز عليها الإعلام الغربي.

ويؤكد دي ريكه: أتحضر لزيارة سورية مجدداً، بغرض كتابة مقال عن استهداف المجموعات الإرهابية للمسيحيين وتهجيرهم من بيوتهم. مضيفاً: لكن هذا ليس السبب الوحيد لزيارتي، فأنا فعلياً قد وقعت في حبّ سورية وأضعت قلبي فيها، أرضها وشعبها رائعان، وأشعر بالأسف للحرب الحاصلة هناك، وأتمنى أن نستطيع إيقاف هذه الحرب من خلال عرض الحقيقة، لذا أريد أن أزورها باستمرار، وأحضر معي الحقائق والقصص لأخبرها هنا في الغرب، بحيث يفهم الشعب ما يحصل، فيقوم بالضغط على حكوماتنا لإيقاف هذه الحرب المؤسفة على سورية.

إن مشاهدات دي ريكه نموذج يؤكد أن الحقيقة السورية فرضت ذاتها على هذا الوجود ودفعت به وبغيره من الصحافيين الباحثين عن الحقيقة لتحدّي حكوماتهم وفضح الدعايات الغربية، التي سعت إلى تشويه حقيقة ما يجري في سورية، وليأكدوا من خلال مشاهداتهم الحية بأن سورية اليوم تحارب الإرهاب نيابة عن العالم أجمع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى