معارك تركية ـ كردية شمال سورية والجبير حمل إلى موسكو خطة تحريك الجنوب لافروف: حزب الله شرعيّ كقوّاتنا… ونشر منظومة روسية للإمساك بالجو

 

قيلولة و«أركيلة»... والطريق مقطوعة؟!

كتب المحرّر السياسي

تابع الرئيس التركي تحضير ملفاته للقمة التي ستجمعه بالرئيس الأميركي في السادس عشر من الشهر المقبل، بنيران جيشه الذي اقتحم المناطق التي يسيطر عليها الأكراد تحت العيون الأميركية ناقلاً العلاقات الكردية بالأميركيين إلى مرحلة صعبة، لوّح خلالها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بالانسحاب من حرب الرقة ما لم يقم الأميركيون بما يلزم للجم الهجوم التركي.

مقابل هذا الاشتعال لجبهات شمال سورية، تتجه الأنظار جنوباً، حيث تتكاثر التقارير الإعلامية والمواقف السياسية الغربية للتبشير بفتح جبهة الجنوب عبر الحدود الأردنية، بعدما كشف الرئيس السوري بشار الأسد وجود تقارير متعدّدة تؤكد شيئاً ما يجري تحضيره جنوباً.

جاءت زيارة وزير الخارجية السعودية عادل الجبير لموسكو لتكشف طبيعة التحضيرات وهدفها، فبينما قالت مصادر ما يسمّى بجيش سورية الجديد الذي درّبه الأميركيون ويرعاه الأدرنيون ويموّله السعوديون إنهم يتجهون نحو معركة البادية السورية عبر محور الحدود السورية العراقية الأردنية، ما يعني وفقاً للمراقبين العسكريين للحرب في سورية، استكمال مساعي الأميركيين بالإمساك بالحدود العراقية السورية من جهة، وبفتح البادية السورية والعراقية أم فلول داعش التي ينتظر خروجها من الموصل والرقة، ويسعى الجيش السوري والحشد الشعبي، كل في جبهات قتاله لسد المنافذ أمامها، بينما تسعى واشنطن لفتح هذه المنافذ. وتبدو الحملة المرسومة من الجنوب محاولة بديلة لفشل الغارات الأميركية و»الإسرائيلية» التي فشلت في وقف تقدم الجيش السوري في جبهتي دير الزور وتدمر وصولاً للبادية التي تفصل بينهما.

الجبير في موسكو طرح وفقاً لمصادر إعلامية روسية، للتدخل لوقف التصعيد من الجنوب مقابل تفاهم مع روسيا يتضمّن القبول بالتعاون لتسوية سياسية يتراجع فيها السعوديون عن تحفظاتهم على الدولة السورية ورئيسها مقابل تعهّد روسي سوري بإخراج حزب الله من سورية، وتوفير ما يضمن الأمن «الإسرائيلي» جنوباً من جهة، وانتصاراً معنوياً سعودياً إسرائيلياً تركياً أميركياً من جهة أخرى، تحت عنوان محاربة النفوذ الإيراني.

الجواب الروسي لم يتأخّر، فقد فاجأ وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف ضيفه السعودي بنقل الموقف إلى العلن بقوله إن موسكو ترفض تصنيف حزب الله إرهاباً، وترفض الطعن بشرعية وجوده في سورية، فشرعيته كشرعية القوات الروسية مستمدّة من الدولة السورية الشرعية، والجواب العملي الروسي على أخطار التصعيد الجنوبي كان سريعاً يإعلان وزارة الدفاع الروسية عن نيتها نشر منظومة متعدّدة المتسويات تسمح بإدارة كامل المجال الجوي السوري، بدلاً من الاكتفاء بمنظومتها الراهنة التي تؤمن حماية المواقع والقوات الروسية والمتمركزة بين الساحل والشمال في سورية.

في قلب هذا الارتباك الدولي والفوضى الإقليمية، يغرق لبنان في الإثنتين الارتباك والفوضى، وفوقها يعلق اللبنانيون في الطرقات مع تغاضي التعامل الحكومي مع فوضى واستنسابية ملفات الكسارات والمرامل، ليضاف إلى اختناق اللبنانيين حشرهم في الطرقات إضافة إلى عنق الزجاجة السياسي الذي يفرضه الضباب المحيط بمستقبل قانون الانتخاب، وسراب الأمل بولادة طبيعية للقانون، وغياب الوضوح حول ما بعد العجز والفشل بين خياري التمديد والفراغ.

عنق الزجاجة الانتخابي يضيق والمهل تضيق، واللعبة بين خيارَيْ التمديد والفراغ وعضّ الأصابع بين الفرقاء سجلت تبدلاً في موقف رئيس الحكومة سعد الحريري، نقل معه بارودته من كتف التحالف مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، للانضمام إلى حلف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، فيخلط الأوراق كما فعل يوم تخلّى عن ترشيح النائب سليمان فرنجية وتبنّيه المفاجئ لترشيح العماد ميشال عون، وثباته هنا سيعني مخاطر التصويت على التمديد في جلسة الخامس عشر من أيار، ومخاطر توافر النصاب لترجيح كفة العودة لقانون الستين، الذي قال الحريري إن تيار المستقبل يخسر عدداً من المقاعد باعتماده في ظل تحالف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ليطرح السؤال حول ما تضمّنته الصفقة الجديدة من ضمان حصته من ضمن التحالف الثلاثي الجديد وفقاً لقانون الستين، خصوصاً أن المتاعب الانتخابية التي تقلق تيار المستقبل وتهمّه هي في مناطق قلق واهتمام التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية ذاتها، تتركّز في ثلاثية الشمال وزحلة وبيروت الأولى، والتحالف الثلاثي يضمن تقاسمها بنسبة كبيرة.

المواطنون رهينة والدولة غائبة

وكأن اللبنانيين لا ينقصهم فوق الأزمات السياسية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي يعانون تداعياتها، سوى إغلاق الطرقات أمامهم وهم متوجّهون الى أماكن عملهم ومنازلهم وتحولوا لساعات رهينة بيد سائقي الشاحنات الذين لم يتركوا وسيلة عنف إلا واستخدموها بحق المارة، من قطع للطرقات العامة الى تكسير السيارات والاعتداء بالضرب على المواطنين وتهديدهم بالسلاح، بينما الدولة غائبة عن شؤون البلاد والعباد، لا سيما وزارة الداخلية والبلديات المعنية الرئيسية بحفظ أمن الناس وممتلكاتهم وتنقلاتهم، وكما تنأى بنفسها عن ملف قانون الانتخاب الذي من المفترض بها أن تقدّم مشروع قانونه الى مجلس الوزراء، لم تكلف نفسها عناء التدخل لوقف مأساة المواطنين إلا بعد مضي ساعات، ليخرج الوزير نهاد المشنوق ويعلن عن إمهال المعتصمين ساعة قبل أن تتدخّل عناصر قوى الأمن الداخلي لفتحها بالقوة، بعد تهديد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بتدخّل الجيش اللبناني لفتح الطرقات إذا لزم الأمر، ما يطرح تساؤلات عدة حول تأخر وزير الداخلية كل هذا الوقت لحسم الأمر وإصدار تعليماته للقوى الأمنية وهو يشاهد مباشرة عبر شاشات التلفزة ومن خلال التقارير الأمنية التي تصله ما ارتكبه السائقون على الاوتوسترادات والطرقات الرئيسية؟

ولهذه الغاية، عقد مجلس الأمن الداخلي المركزي في وزارة الداخلية اجتماعاً استثنائياً برئاسة المشنوق وقرّر الطلب إلى القوى العسكرية والأمنية المباشرة من صباح اليوم باتخاذ «كافة التدابير والإجراءات اللازمة لمنع إقفال الطرقات الدولية وتأمين حرية تنقل المواطنين وسلامتهم وانتقالهم إلى أعمالهم ومنازلهم والحفاظ على السلامة العامة ومنع إقفال أي طريق دولية، مهما كانت الأسباب وأوصى المجلس بضرورة اتخاذ القوى العسكرية والأمنية الإجراءات القانونية بشكل سليم وحازم لمنع أي تحركات مماثلة قد تحصل في المستقبل، حفاظاً على ممتلكات الناس والسلم الأهلي».

وكان المشنوق تلقى وأجرى اتصالات برئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وقد أيّدا كل الخطوات التي قامت بها قوى الامن الداخلي والجيش اللبناني من أجل تسهيل تنقلات المواطنين وسلامتهم. كما طالب المشنوق رئيس الجمهورية بدعوة مجلس الوزراء للانعقاد للبحث في ملف المرامل والكسارات وكل القضايا التي تهم الناس، «بعيداً عن النزاع السياسي حول قانون الانتخاب».

كما عبّر رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن استيائه وإدانته قطع الطرق، مؤكداً بموقفه ايضاً من الكسارات والمرامل التي شوّهت الطبيعة وأضرّت وتضرّ بالبيئة.

وكان مسلسل قطع الطرقات الحيوية التي يسلكها المواطنون يومياً، من قبل أصحاب الشاحنات، بدأ صباح أمس في مختلف مراكز الشرايين الحيوية المؤدية الى العاصمة شمالاً وجنوباً وبقاعاً احتجاجاً على قرار وزير الداخلية وقف العمل بالمرامل والكسارات غير الشرعية ما سبّب زحمة خانقة، ما لبثت أن تطورت، في بعض الأحيان، إلى إشكالات مع المواطنين.

الحريري: لا للتمديد.. والحلول موجودة

وفيما تصاعدت وتيرة الانقسام السياسي حول قانون الانتخاب والاحتمالات المطروحة للخروج من الأزمة وانسداد أبواب الحلول حتى الآن، ارتفعت أسهم قانون الستين الذي يُعيد إنتاج التركيبة النيابية والسلطة نفسها، ويوصل معظم أعضاء المجلس بـ«البوسطات» و«المحادل» الى الندوة البرلمانية، ويهمّش الشرائح السياسية والشعبية الأخرى، ما يضرب صحة وعدالة التمثيل ويحرم اللبنانيين في العهد الجديد فرصة إقرار قانون عصري على أساس النسبية الكاملة.

وإذ من المتوقع أن يطرح الرئيس الحريري مبادرة لمشروع قانون انتخاب، وعلى وقع عودة تلويح التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بالشارع رفضاً للتمديد، كما أوردت قناة «أو تي في» أمس، بأن «تحضيرات تجري لتحركات في الشارع على أساس ما ستؤول اليه النقاشات والأمور قبل جلسة 15 أيار»، تحركت عجلات القوى السياسية التي تعيش سباقاً محموماً مع المهل، وتتسابق إلى طرح صيغ ومشاريع انتخابية.

وفي موقف لافت، أعلن الحريري من عين التينة أمس رفضه التمديد والفراغ. مشيراً بعد لقائه الرئيس بري إلى أن «الحلول موجودة لقانون الانتخابات ولا مقاطعة من الفرقاء أنّه يحاول تقريب وجهات النظر بين جميع السياسيين حتى نصل إلى حلّ في 15 أيار وهناك إيجابيات في الأجواء»، لافتاً الى أن «هناك قوانين فيها طائفية لا نحبّها ومنها التأهيلي، ولكنني وافقت عليه لأننا نريد حلاً». وكشف أنه «يضغط على الجميع للعمل من أجل قانون انتخاب جديد يمكن أن يسير به جميع الفرقاء».

وقالت مصادر مطلعة على اللقاء لـ«البناء» إن «اللقاء كان إيجابياً كالعادة مع الرئيس بري لبحث ملف قانون الانتخاب والتشاور في الخيارات كلها للوصول الى حل وتأتي الزيارة في إطار اجتماعات دائمة ومكثفة يجريها الحريري وممثلون عنه للوصول الى حل، لكن وسط تكتم على مضمون النقاشات، حيث يعتمد الحريري على الآية الكريمة «وتعاونوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، كما لفتت المصادر الى أن هناك توافقاً بين بري والحريري على رفض الستين والتمديد والفراغ وضرورة إيجاد قانون جديد يرضي الأطراف كافة وهذا ما يتمّ نقاشه الآن، وأوضحت أن «هناك أموراً أساسية تمّ التفاهم عليها بين القوى السياسية الرئيسية في الأيام الأخيرة، لكن هناك بعض التفاصيل يجري النقاش حولها والأمور إيجابية ومتقدّمة والحريري يُعدّ مشروع انتخاب جديداً يمكن أن يشكّل حلاً سيطرحه في الوقت المناسب وسيجري سلسلة لقاءات لاطلاع الأطراف عليه».

بري: جلسة أيار لتفادي الفراغ القاتل

وجدّد الرئيس بري بعد لقاء الأربعاء التأكيد بأننا لا نريد التمديد، وقد قلنا ذلك منذ البداية وكرّرنا أمام الملأ، لكننا نريد ايضاً أن نحمي البلد والمؤسسات الدستورية من السقوط والانهيار وقد سعينا ومازلنا نسعى لإقرار قانون جديد للانتخابات.

ونقل النواب عن بري قوله لـ«البناء» إنه يرفض اقتراح التأهيل الذي طرح مؤخراً، وإنه أعدّ اكثر من صيغة للنقاش منها الصيغة المستمدة من الدستور والتي تهدف الى انتخاب مجلس نيابي على اساس النسبية وإنشاء مجلس للشيوخ، لكنه فضّل عدم الدخول في التفاصيل قبل استكمال مشاوراته مع القوى السياسية، وقال بري إن جلسة 15 أيار هي لتفادي الفراغ القاتل، أملاً في أن تتوصل الاتصالات والجهود المبذولة الى الاتفاق على قانون جديد. كما نقل عنه الزوار انزعاجه من الأطراف كافة بإيصال البلد الى حافة الهاوية مع سقوط المهل الواحدة تلو الاخرى.

وقالت مصادر نيابية مطلعة في 8 آذار لـ«البناء» إن «لا تقدّم في المفاوضات ومكانك راوح حتى الآن، لكن هناك مبادرات عدة أهمها للرئيس بري وأخرى للحريري قد تفتح الباب أمام حلٍ ما»، مشيرة الى أن «حزب الله يريد إقرار قانون جديد قبل الجلسة المقبلة لأنه الحل الأمثل، لكن في حال لم يحصل ذلك، فبين التمديد والفراغ يختار التمديد كي لا يحصُل فراغ سياسي يؤدي إلى تجدد الأزمة في البلاد، وحذرت المصادر من العودة الى الشارع، لأن هناك شارعاً مقابلاً ولعبة الشارع لا تؤدي الى نتيجة، ولافتة الى أن لرئيس الجمهورية الحق في استخدام كامل صلاحياته الدستورية لمنع التمديد، لكن في نهاية المطاف المجلس النيابي سيد نفسه، ولفتت الى أن حزب الله وافق على التأهيل، لكن مع بعض الملاحظات عليه باتت معروفة، وهو يناقش مع حركة أمل والحزب التقدمي الاستراكي تفاصيله وإمكانية التوافق عليه».

تصعيد مستقبلي باتجاه بعبدا

وفي موقف تصعيدي مستقبلي بارز في التوقيت والمضمون تجاه بعبدا، اعتبر عضو كتلة «المستقبل» النائب رياض رحال أن «رئيس الجمهورية قام بمخالفة قانونية من خلال عدم توقيعه على دعوة الهيئات الناخبة». وقال: لو وقّع عون المراسيم لكنّا تجنّبنا المأزق الذي نمرّ به اليوم، وبما أن عون أوصلنا الى المأزق فليخرجنا منه، ويصحّح الخطأ الذي وقع فيه.

ونفى أن يكون «المستقبل» قد وافق على «النظام التأهيلي» الذي تقدّم به الوزير جبران باسيل، كما أشار رحال الى أن «رئيس الجمهورية يعطّل جلسة مجلس الوزراء»، لافتاً الى أن «حقوق المسيحيين الإلغائيين توقف عمل مجلس الوزراء».

وأوضح مصدر مطلع في تيار المستقبل لـ«البناء» أن «كلام رحال لا يمثل الكتلة واجتهاد شخصي منه وما يلزمنا هو بيان الكتلة فقط لا التصاريح الشخصية، وبيان الكتلة أمس الأول لا يتضمن أي إشارة سلبية ضد الرئيس عون». واعتبر المصدر أن «الحريري من أكثر القوى وضوحاً في الموقف تجاه القانون ومنذ أشهر وشغله الشاغل قانون الانتخاب ولم يوفر فرصة للتوافق وقدّم تنازلات عدة، لكن الامر ليس بيده وحده وهناك أفرقاء آخرون»، مشيراً الى أن «النسبية من ضمن الحلول المطروحة والوصول لتسوية ليس مستحيلاً، وقد تكون قريبة». ولفت المصدر الى أن «ما نقل عن أن الحريري أبلغ بري عدم مشاركته بجلسة 15 أيار غير دقيق، ونحن ضد التمديد للحث على إقرار قانون، لكن في حال فشلنا ماذا سنفعل، نذهب الى الفراغ؟».

وأضاف: أن استحضار الشارع مجدداً لن يجدي نفعاً بل يستفز الفريق الآخر ويعقد الأمور ويجر البلاد إلى الأسوأ.

وعن الحوار الثنائي بين حزب الله والمستقبل، نفى المصدر وجود قرار بوقف الحوار الثنائي رغم الخلافات على بعض المسائل، مضيفاً: «لكن التواصل واللقاءات بين الحزب والمستقبل مستمرة ومتواصلة بشكلٍ يومي حول قانون الانتخاب الذي يشكل أولوية هذه المرحلة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى