أعجوبة «الصمود» السعودي و«الإنفاق»

روزانا رمّال

تبدو منطقة الشرق الاوسط، وتحديداً العربية منها، منطقة محددة الأفق بالنسبة للأميركيين الذين يعرفون جيداً أين يصنفون امتدادها السياسي والاقتصادي والعسكري، وبالرغم من أن مصيرها يبدو مبهماً بالنسبة لأهلها «العرب» الا ان هذا الالتباس لم يستحضر عند أي إدارة من الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ ما بعد نكبة فلسطين عام 1948، فلا لبس او «لغط» في مسألة التعاطي مع العرب وقضيتهم ولا لبس أيضاً في التصنيف ومسألة حرية الحركة السياسية لدى الحكومات العربية، الأمر الذي لا يبدو صدفة بالنسبة لإدارات أميركية متعاقبة يفترض لم تظهر اختلافاً لمرة واحدة بهذا الإطار عن أسلافها.

بالعودة لمذكرات الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش ومستشارة الأمن القومي في عهده كونداليزا رايس تبدو كل الصيغ التي طرحا فيها تجربتهما ومعظم المحاضرات التي ألقتها رايس في الجامعات الأميركية تتمحور حول فكرة الحصول على النفط وتعزيز الحضور الأميركي بالمنطقة وآخرها في محاضرة ألقتها رايس منذ أسبوع في معهد بروكينجز قالت فيها إن «الولايات المتحدة اتخذت قرار غزو العراق مع حلفائها عام 2003، بسبب مشكلة «أمنية» بحتة، تتعلق بوجود صدام حسين فى الحكم، لكننا لم نذهب لجلب الديمقراطية».

يقول الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب عن تجربة احتلال العراق خلال حملته الانتخابية إن مسألة الحصول على النفط منه هو حق للأميركيين ولا يجوز الخروج من العراق من دون أخذ هذا الحق، ويعتبر ترامب أن العراقيين يسيئون استخدام النفط، فلماذا نحرم شعبنا من خيراته؟

الأسئلة اليوم، عشية زيارة الرئيس ترامب المنطقة وبالتحديد السعودية التي ارتأت مع واشنطن تنظيم قمة إسلامية أميركية فيها الكثير مما يُوحي انها نقطة ارتكاز لتحالف بين العهد الأميركي الحالي والدول الخليجية وتأسيس لاتفاقات أخرى شاملة تبدو فيها القمة محطة تاريخية بالنسبة للدولتين إضافة الى صفقة تاريخية تقول «واشنطن بوست» الأميركية انها «الأضخم في التاريخ». وتضيف «يعتزم ترامب الكشف عن خطته لإنشاء كيان دفاعي على غرار حلف «الناتو»، لكنه سيكون «ناتو عربياً»، بهدف مكافحة الإرهاب ويكون قادراً على مواجهة إيران. وعن الصفقة تقول الصحيفة «سيعلن ترامب في الرياض عن بيع حزمة ضخمة من الأسلحة الأميركية، لكن المسؤولين قالوا إن الصفقة ستشمل بيع سلاح بقيمة تتراوح ما بين 98 مليار دولار و128 مليار دولار من مبيعات الأسلحة على مدى 10 سنوات، وسيكون إجمالي المبيعات قرابة 350 مليار دولار».

بات الإنفاق السعودي الهائل موضع تساؤل جدي حول إمكانية الدولة من تحمّل أعباء مثل هذا الإنفاق إضافة الى خوضها حرباً في اليمن لأكثر من سنتين متواصلتين واذا كانت الخزينة الأميركية غير قادرة على احتمال تكاليف حرب جديدة على غرار تلك التي تحملتها في خوضها لحربَيْ العراق وأفغانستان، فكيف يمكن للسعودية الاستمرار في هذا النموذج من الإنفاق الكبير؟

المسألة لا تتعلق هنا بالقدرات المالية السعودية التي لا تخضع لرغبة المملكة في تقييد الإنفاق او توسيعه، فالنفط السعودي ليس ملكاً للنظام على الإطلاق كما يبدو، والسعودية لا تعدو كونها دولة عربية خاضعة للأسسس والمعايير نفسها في التعاطي الغربي مع دول المنطقة، وإذا كانت ثروات العراق وغيرها قد استعصت على الأميركي لأسباب محددة، فإن القوة تتكفّل بأخذها الأمر غير الموجود مع المملكة التي قررت تنفيذ المطلوب كاملاً. فهذا النفط مخصص للإنفاق على المشاريع الأميركية كاملة كلها، ولو ان السعودية امتنعت لكان مصيرها مثل مصير باقي الأنظمة.

بدت السعودية منهكة في محطات متعددة على صعيد لبنان. استبدلت الهبة السعودية التي توازي ثلاثة مليارات للجيش اللبناني بالجيش السوداني حسب المطلوب تمويله أميركياً عازية ذلك لاسباب محلية تتعارض مع سياستها إضافة الى مشاكل اعترضت الإعلام الذي يواليها وشركات الحريري في السعودية التي أفلست «سعودي اوجيه» فبدا الإنفاق السعودي المبالغ فيه خارج عن منطق الموازنة المقترحة، والمفترض أن تنحو أكثر نحو العقلانية، ولبنان هنا مجرد مثال بسيط.

طلب من السعودية تمويل حرب سورية بثقلها يضاف إليها بعض الدول كقطر التي تؤكد نظرية وقوع الثروة النفطية بالكامل تحت السيطرة الأميركية، فالأمر لا يقتصر على العراق على الإطلاق، ولا يحتاج البلد المنهوب الى نكبة لكي تضع واشنطن يدها على خيراته والسعودية أحد النماذج التي ستتآكل وتنهار بفعل الافلاس او العجز فتنتفي الحاجة الأميركية اليها ويصبح مصير النظام مجهولاً فلا مال ولا نفط تحارب واشنطن للاحتفاظ فيه. وهذا الحديث المتعلق بالنفط الذي يحتاج لسنوات عديدة لينضب لا يعني عدم إمكانية وقوع العجز في المملكة التي تعاني منه أصلاً.

كل المطلوب من السعودية تؤديه على اكمل وجه وهي مولت حملات الرئاسات الفرنسية منذ حرب سورية بالكامل لمرشحين لساركوزي وهولاند وماكرون وساعدت جاك شيراك عبر رفيق الحريري للوصول للرئاسة ايضاً.

المسألة لا تتعلق بأعجوبة صمود السعودية بوجه حرب اليمن وتكاليفها، بل تتعلق بنحرها أميركياً عبر إنفاق غير محدود وإغراقها في وحل سيعود عليها بمديونية تتكفل بإنهاكها. فمسألة الثروات النفطية لم ولن تكون يوماً أمراً سيادياً ولا رغبة أميرية «محمد بن سلمان» بالمنح والحجب. فهذه الثروات ملك الأميركيين ولا يتوجّه ترامب للسعودية في الأيام المقبلة الا للحصول على «حق» شعبه من خيرات المنطقة العربية، كما أسماها على الطريقة العراقية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى