العري الأميركي فاضح… متى كانت ورقة التوت؟

محمد ح. الحاج

التحالف الأميركي السعودي راسخ ومتجذّر، منذ لقاء الرئيس الأميركي بعبد العزيز بن سعود على ظهر طراد، وهو التحالف الذي بني على قاعدة تجارية هي الأهمّ، حماية نظام بني سعود وضمان استمرار سيطرتهم على نجد والحجاز وثرواتهما مقابل 90 من عائدات هذه الثروة، وينص البروتوكول الموقع بينهما على التزام الأبناء والأحفاد بالاتفاقية وهكذا يقوم كلّ من يتسلم قيادة المملكة بالحجّ إلى أميركا للتوقيع على ملحق الاتفاقية، ولمن لا يعلم، هذه الاتفاقية تسبق وتتفوّق على التزام الإدارات الأميركية المتعاقبة بحماية الكيان الصهيوني الذي أقامته بريطانيا وكانت حاميته بالتعاون مع دول الغرب الاستعمارية، اليهود لم يكونوا بعيدين عن اتفاقية أميركا مع بني سعود لاستشرافهم أنهم يشكلون ضمانتهم في المنطقة بعد أن يعلنوا قيام الكيان وهذا ما حصل.. ويستمرّ.

«تسعة عشر تريليون دولار العجز في الموازنة الأميركية، سأجعلهم يدفعونها، نحن نحميهم ولولانا لما كانوا موجودين…» هذا ما قاله الرئيس ترامب خلال حملته الانتخابية، وها هو يزور مهلكة بني سعود بصفته ولي الأمر، ويجعلهم يدفعون الجزية صاغرين… ثمن الحماية كما قال!

بعد عدوان طيران التحالف على قافلة القوات السورية والشريكة المتجهة إلى حماية الحدود الشرقية، كثرت التعليقات والأقوال لتركز على: سقط القناع، أو سقطت ورقة التوت، وانكشف الدعم الأميركي والانحياز إلى جانب داعش إلخ…! ومتى لم يكن الموقف الأميركي واضحاً وعارياً من أيّ قناع أو حتى ورقة توت، وهل يصدّق البعض أنّ قوات التحالف بما يتوفر لها من معلومات وأدوات وأقمار تجسّس تخطئ في تحديد المواقع لأيّ وجود على الأرض وحتى نوعية السلاح ولباس المتواجدين فيه، وأما الادّعاء الأميركي فهو كذب على المكشوف ولو فرضنا تصديقه فإنه يشكل وصمة عار وسخرية تصيب هذه القوة الأميركية في مقتل حيث تعجز عن تحديد المواقع وهوية شاغليها، وهي الأعظم ولقد كرّرنا القول أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة إنّ جوهر عمليات التحالف تركزت على استهداف القوة السورية وتدمير البنية التحتية، وما الضربات على أطراف مواقع داعش إلا ذراً للرماد في العيون، القوى العسكرية في العالم تفهم اللعبة الأميركية وتلتزم الصمت تجاهها عدا البعض الذي يسرّب حقيقة الاستهداف الأميركي، وأن ادّعاء الخطأ في تنفيذ الهجوم ليس صحيحاً. المواطن الأميركي من غير العسكريين لا يصدّق هذه الادّعاءات ويقابلها بالسخرية… هل يمكن أن يرتكب طيارونا الخطأ ذاته فيقصفون حلفاءنا أو قواتنا المتواجدة هناك؟ سؤال يردّدونه ويجيبون: لا، مستحيل.

تنظيم داعش نطفة من صلب القاعدة التي أمّها السعودية ودول الخليج رعاية وتمويلاً، والأب الراعي لها هو النظام الصهيو ماسوني العالمي ممثلاً بالغرب الأميركي وحلفه المعروف، ومعروفة الملابسات التي أدّت إلى ظهور هذا التنظيم واستخداماته على مدى عقود، وأيضاً من انضمّ إلى صفوفه من تنظيمات الإخوان في الدول العربية، وبما أنّ الإدارات الأميركية المتعاقبة تلتزم حماية النظام السعودي ومن حوله في الخليج، فكيف يكون قابلاً للتصديق الادّعاء بمحاربة هذا الوليد الأداة التي تجتاح وتدمّر كلّ نظام أو تنظيم يهدّد أمن الكيان الصهيوني، وعليه فإنّ الغباء وحده يسمح للبعض تصديق الادّعاء الأميركي، أو هو التغابي بحدّ ذاته، وتالياً يتيح للبعض مشاركة التحالف الغربي في محاربة الجيش السوري والقوى المدافعة عن شعب سورية، وليس محاربة داعش حتى ولو صدر عن الأمم المتخاذلة ألف قرار يحدّد التنظيمات الإرهابية ويسمّيها.

المواقع السورية حول حلب، والمعسكرات حول الرقة، والجسور على الفرات وغيره والطرق والمستودعات التابعة للشركات والمؤسسات السورية لم يكن قد استولى عليها داعش عندما هاجمتها الطائرات، سواء الأميركية أو التابعة لجنسيات أخرى، وأيضاً جبل الثردة الذي يعتبر حاكماً لمطار دير الزور وكان واضحاً أنّ القوات السورية هي من يسيطر عليه قبل استهدافها من قبل هذا التحالف تمهيداً لسيطرة داعش وكانت عملية غاية في الوضوح وهي إسناد داعش بمواجهة الجيش السوري الذي يمنع وما زال سقوط دير الزور وبالتالي تسليمها في عملية هوليوودية لقوات مشتركة كردية أميركية تمهيداً لإقامة قاعدة أميركية تمّ التخطيط لها قبل العام 2010، ولا يمكن تجاهل ما يسمّى الخط الأحمر السعودي الصهيوني وهو منع وصول اليد العراقية لليد السورية في عملية تحالف ضدّ الإرهاب وضدّ العدوان أياً كان مصدره، وليس ضرورياً التذكير بوصية عبد العزيز لأولاده: «ضرب مصر وسورية ومنع تواصل سورية مع العراق لضمان بقاء نظام بني سعود» – فهل ما زال الموقف الأميركي المدفوع الأجر بحاجة لمزيد من التوضيح؟

القوات التي كانت متوجهة إلى منطقة التنف مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية، والتي تمّ استهدافها من طيران التحالف وتمّ نشر اسم الطيار السعودي يزيد العريفي على أنه من قام بعملية القصف وهو مشارك سعودي في التحالف، ولقد قيل إنه شكر الله لأنه «كتب له أن يقصف قوات الكفار»! وأعتقد أنّ مجرد تسريب الخبر له أكثر من غاية خبيثة، فاللعبة الأميركية القائمة على قاعدة الخبث الصهيوني تمعن في الوقيعة بين الشعوب العربية، والسورية بكلّ الوسائل وقد لا يكون أيّ طيار مشارك ليجد الوقت لمثل هكذا كتابة، ولا أستبعد أنّ اسمه وكنيته خضعت لدراسة واختيار دقيقين، مع ذلك فضرب هذه القوات له أكثر من هدف أهمّها منع التواصل مع القوات العراقية النظامية، ثانيها تأمين استمرار سيطرة داعش على كامل المساحة بين البلدين وبموجب عملية تمثيلية تتقدّم قوات جرى تحضيرها لتحتلّ شريطاً يفصل الجيشين، قد تغادره داعش شكلياً مقابل توفير الدعم والإمداد بمواجهة قوات الطرفين في الشام والعراق.

التبجّح الأردني السعودي والأميركي بالمقدرة على ضرب قواتنا في مساحة مكشوفة على امتداد بادية مترامية الأطراف هدفه تثبيط المعنويات وإرسال رسالة مضمونها: ممنوع الوصول، ولكن تمّ رفض الرسالة واستمرّ التقدّم، ويبقى التساؤل المشروع الذي يردّده العامة من المتابعين، سواء المختصين أو العاديين: أين هو قرار إغلاق الأجواء السورية بوجه كلّ أنواع الطيران من غير الجهات التي تنسّق مع القيادة السورية، وهل كان صعباً حماية هذه القوات بحيث ترافقها وحدات من الدفاع الجوي الحديث المحمولة، القادرة على إرسال صاروخ يخترق الطائرة والطيار أياً تكن جنسيته…؟

نحن نثق بجيشنا الوطني السوري، ونثق بالقوى المؤازرة له والمقاتلة إلى جانبه، ولا نشكك بصدقية الحلفاء، فلا نسمح لما يُشاع عن اتفاق سري روسي ـ أميركي من خلف ظهر سورية وإيران، ونعتبر ذلك من ضمن عمليات الطابور الخامس للتشكيك، لكننا نتساءل عن المعنى والجدوى من بيان يشجب بأشدّ العبارات العدوان الأميركي على المواقع السورية الذي أصدرته القيادة الروسية، وكنا نرى أنّ استخدام اللغة العسكرية وإسقاط طائرة معتدية واحدة أكثر جدوى من صدور عشرات البيانات، ويغني عنها حتى لو صمت الجميع، وكان ممكناً القول إنّ استهداف الطائرة لم يكن مقصوداً لأنها لم تبلّغ عن دخولها المجال الجوي للدفاع، أو أنّ الدولة المعنية قصّرت بذلك… وهذا يعادل تماماً الادّعاء الأميركي بأنّ الضربة حصلت خطأ، والخطأ بالخطأ يتعادلان… والبادئ هو… الأكثر وقاحة…

السياسة الأميركية عارية تماماً، لا ورقة توت، ولا قناع لأحد في عالمنا العربي، كلهم وجوههم سافرة… وعمالتهم ظاهرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى