سلطنة عُمان… مرّة واحدة لا تكفي

زاهر العريضي

يسألني: هل زرتَ سابقاً سلطنة عُمان؟ كدتُ أقول له نعم، ربما زرتها في مخيّلتي ورغبتي. وادّعيت معرفتها من خلال «GOOGLE MAP» وبحثت بين الأحرف عن سرّها وأغرتني بعض العبارات لـ«فريدة وانغ فو» التي كتبت في مجلة «الصين اليوم» مشاهداتها تحت عنوان «سلطنة عُمان في عيون الصينيين». استوقفتني حين تقول: زرت أماكن كثيرة في العالم، وكنت في كل مرّة أقول مرّة واحدة تكفي. بعد أن زرت سلطنة عُمان وجدتني أشتاق إليها وأتلهف لزيارتها مرّة أخرى لا بل مرّات. إنها قصة رائعة وددت لو أحكيها لكلّ الناس. حسناً، نحن في زيارة خاطفة لا تتعدّى الأيام بدعوة رسمية للمشاركة في أسبوع التقارب والوئام الإنساني الخامس تحت عنوان الإعلام ودوره في التقارب والوئام الإنساني. أنا برفقته وهو سيشارك في إحدى الندوات أو الجلسات الاحتفالية. وأنا الدخيل على هذه المشاركة كالمتصل والمنفصل في وجودي هنا. ربما أضحك في سرّي وأعيش تجربتي على طريقتي خارج عنوان التقارب والوئام الإنساني الذي حاولت في بادئ الامر مقاربته على الواقع الذي جئت منه. كيف أفسر لهم أنني قادم من بيروت على مسافة من دمشق، من بلاد الشام وبغداد حيث لا تقارب ولا إنسانية، إنها الحرب هناك التي تمعن في تدمير الحجر والبشر. وتقسّم وتفتّت وتعمّق الفجوة لتصبح الفاجعة أكثر عمقاً وقهراً. عمّا تتحدّثون؟ هل فعلاً الإنسانية ما زالت بألف خير هنا؟ هل ما أحمله في جعبتي من اخبار سمعتها عن هذا البلد من اصدقاء وقراءات فعلاً صحيحة؟

لست بحاجة إلى الكثير من الوقت لتكتشف سلطنة عُمان وسحرها الهادئ. في مسائك الأول عند تلاشي الضوء ستأخذك أقدامك إلى الشاطئ حيث الموج وعذوبة النسمات اللطيفة كوجوه أهل هذا البلد، ترمي للبحر أحكامك المسبقة والصور النمطية. أيام قليلة هنا كفيلة في إعادة ترتيب رؤيتك، مع ابتساماتهم العفوية تكتشف ان ابتسامتك سُرقت منك، مع وجوههم الوديعة الصافية تتأكد كم خدشتك الحياة. في تبادل الاحاديث مع من تصادفه من النادل وحامل الحقائب والسائق والمنظّمين والمسؤولين تعلم كم هم على اطّلاع بأدّق التفاصيل وليسوا بمنأى عمّا يحدث في كل بقعة من العالم العربي. ربما سأترك لغيري أن يصوّر بدقة سحر سلطنة عُمان من البناء العمراني الهندسي ومساجدها إلى قلاعها ودار الاوبرا السلطانية وأناقة مسقط في زهورها وأشجارها ونظافة شوارعها كأنك في حديقة من الجمال تحتوي مدنية آمنة وهادئة وحكيمة. هي ليست حكاية نفهمها عن بُعد، هي مكان مختلف وتاريخ وحضارة وإنسان مختلف لا بدّ لك أن تصبو اليها وتطأ قدمك ارضها كفعل معرفة لتصبح ملمّاً بهويتها وثقافتها ورقيّ ناسها، لأنك ستكون مشدوداً إلى أهمية الإنسان فيها في لغته الفصيحة ومخزون السلام والطمأنينة الذي يحتويه في تناغم شعبها المستقر واحترامه للضيف ولهفة شبابه للمعرفة.

هكذا بكل بساطة ستفهم حكمة سياستها الخارجية ودورها في التقارب والحلول بدبلوماسيتها النابعة من قناعات واضحة، بل لا تنأى بنفسها إنما هي حاجة ايجابية في خضم الاسلاك الشائكة وحلقة الوصل في حافة الهاوية لتعيد إلى هذا العالم اتزانه

وأنا أبحث عن سرها كنت على وشك الرحيل عن هذا السلام الداخلي ربما بحاجة إلى وقت أكثر، ولكن دائماً الاشياء الجميلة لها نهاية. ربما كنت سأهمس لهذا البحر: كم نحن بحاجة إلى تسامحك وإلى حقيقة إسلامك ومخزون ألفتك ومضمون سياستك وحكمتك. كم نحن بحاجة إلى ابتسامة أهلك. وكم نحن بحاجة إلى قربك والطريق إليك. فلا تكوني بعيدة عن عروبتك الممزّقة والمشتّتة لن أنسى بعض مطر ينهمر هنا وليلاً يهمس من قلب رجل يضيء بقلمه ومواقفه مساحات من ظلمة تاريخنا ربما أحسد نفسي ونحن هنا نحلم ونهمس ويرسم لي لوحة من نبيذ تجربته، وفي هذا العالم الافتراضي ينتظره الآلاف، ليلتهموا كلماته ورؤيته ومعلوماته. أما أنا فبين رجلين… أحدهم يبتكر ويخطّط للوحة خارج الابيض والاسود ليرسم مفهوماً مختلفاً. فأتذكر مقولة قديمة: «رسالة من الإله بعل 5000 سنة قبل الميلاد من التراث السوري في أوغاريت، تقول: حطّم سيفك وتناول معولك واتبعني لنزرع السلام والمحبة في كبد الأرض». ربما بعد حين سيسألني: زاهر، هل زرتَ سلطنة عُمان؟ سأبتسم حتماً وأقول له: مرّة واحدة لا تكفي!

من رحلة إلى عُمان

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى