معموديّة الدم اللبناني السوري أقوى من التحريض!

خليل إسماعيل رمّال

لم يكن الإرهابي الكبير المدعو أبو مالك التلي، زعيم جماعة القاعدة النصرة التكفيرية، ليصل إلى هذه الحالة التي يُرثى لها، والتي يستحقّها، لو لم تُحشَر مشيخة قطر في الزاوية نتيجة الصراع مع بني سعود. فقد كان التلي وغيره من مجرمي «داعش» شركاءه في القتل والإجرام، يصول ويجول كالملك غير المنازع في القلمون وجرود عرسال واضعاً المنطقة برُمّتها رهينة أهوائه ومخطّطاته الإرهابية بمساعدة من «أبو طاقية» و»أبو عجينة» وعقاب صقر ورواسب 14 آذار الذين حملوا في السابق على وزير الدفاع فايز غصن، لأنه أوّل مَن حذّر من أنَّ عرسال أصبحت تعجّ بإرهابيّي «القاعدة»!

التلّي كان صنيعة قطر بالتعاون مع تركيا وبني سعود الذين يتبرّأون اليوم من الأولى كرمى لعيون ترامب «الزرقاوية»! فمحطّة «الجزيرة» رعتُه وخلقت حوله هالة من «الوقار»، وهو ردّ لها التحية بمثلها وكشف عن وجهه لها فقط في حديث إعلامي خاص. واليوم التلّي في وضعٍ لا يُحسََدُ عليه. وهو كشف عن وجهه الآخر كمجرد سارق يريد أنْ يهرِّب ملايينه من الدولارات التي نهبها بالحرام من خلال سفك الدماء كقاطع طريق وأَخْذ رهائن وإرهاب وترويع الأبرياء وخطف الراهبات ورجال الدين.

اليوم، قطر مشغولة عنه بالدفاع عن وجودها ومراضاة السيِّد الأميركي متنافسةً بذلك مع «عدوّها اللدود» محمد بن سلمان. وبالتالي فهو محشور ومحاصَر، فإما أنْ يلوذ بالفرار كالجرذان ويحفظ رأسه من دون غنائمه، أو يلاقي مصير الزرقاوي والبغدادي وغيرهما من شياطين التكفير! فمعركة الجرود وعرسال التي يشنّها الجيش اللبناني والمقاومة بالتنسيق مع الجيش السوري، رغماً عن أنف بقايا 14 آذار، لن يتحقق فيها النصر من دون مساندة الطيران السوري ودكّ مواقع الإرهابيين. وهذا يتطلب أعلى تنسيق بين الدولتين، رغم المعارضة العلنية لأتباع السعودية في لبنان على التواصل مع الحكومة السورية والحملة المنظمة ضدّ الجيش اللبناني لمنع إنهاء الحالة الشاذة في عرسال.

والذي ساهم بقرب تصفية هذه الظاهرة الغريبة بعد أنْ كان فريق بني سعود يرفض ذلك، والتجأ إلى المذهبية لوقفها، هو خلاف رعاة الإرهاب بين بعضهم بعضاً، وانتصار العراق على دولة الخرافة والشيطان، وإنجازات الجيش السوري على طريق النصر وتطهير منطقة جنوب سورية ووصوله إلى تخوم دير الزور، وقدرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تدجين نظيره الأميركي دونالد ترامب بعد لقائهما، حيث بدأت نتائجه تظهر بوقف الاستخبارات الأميركية تدريب عناصر المعارضة قرب الأردن وعدم الردّ على تخطي دمشق للخطوط الحمراء الأميركية وإعلان واشنطن وموسكو للهدنة بوجود مراقبين روس، رغم معارضة نتنياهو الشرسة لها، لكنه اليوم مشغول بإخماد إرهاصات انتفاضة شعبية فلسطينية جديدة تتضمّن الدهس والدعس انتقاماً لتدنيس المسجد الأقصى… ولكن عليها أن تدعس رئيس سلطتها المتخاذل أولاً الذي قدّم التعازي لنتنياهو.

وكانت قد سبقت معركة عرسال محاولة إعلامية قبيحة تشبه المعركة الإعلامية لتشويه صورة المقاومة بعد حرب تموز عام 2006، ووراءها أيضاً هذه المرّة أمر ملكي سعودي بالإيعاز بتظاهرة لبعض النازحين السوريين ضدّ الجيش من أجل التحريض بين الدولتين والثأر من النازحين. وهذا ما حصل عندما استنفر بعض اللبنانيين وهدّدوا بالويل والثبور وعظائم الأمور ضدّ السوريين كلهم بلا استثناء.

وما شاء الله من كثر الديمقراطية بلبنان سمح المشنوق، ثم تراجع، بتظاهرة ضدّ جيش بلده والهدف منها الفتنة بين لبنان وسورية عبر خلق ردّ فعل عنصري ضدّ النازحين!

وبعد أنْ ظهر فيديو لأحد الموتورين في تركيا من المدمنين على الكوكايين بسبب تحسّس أنفه كلّ ثوانٍ عدة، ثم ظهور فيديو ثانٍ من ألمانيا لشمطاء ذميمة الخَلق والخُلق وتشبه الحلزونة، وهما يشتمان الجيش والشعب والمقاومة في لبنان ولم يوفرا سعد الحريري للتمويه فقط، ثارت ثائرة اللبنانيين وكان من نتائجها الاعتداء المصوَّر العنصري البشع على نازح سوري من قبل ثلاثة شبان لبنانيين. والحقيقة أنّ ما لا يدركه اللبنانيون أنّ الغالبية الساحقة من النازحين السوريين هم من مؤيّدي الجيش اللبناني ويشعرون بعرفان الجميل للبنان على استضافته أكبر عدد منهم، بينما الدول الخليجية الداعمة للدواعش تمنعهم من الوجود فوق أراضيها وتشتري لهم الخيام في أوروبا! كما أنَّ هؤلاء السوريين انتخب معظمهم الرئيس بشار الأسد في مفاجأة صاعقة لصغار 14 آذار الذين كانوا يمنُّون النفس باستخدام ورقة النازحين ضدّ النظام. إضافةً إلى ذلك، الذي بدأ جولة الشتائم والعويل عبر الفيديوات هنّ بعض النسوة اللبنانيات اللواتي أطلقن كلاماً سوقياً بذيئاً بحق السوريين حتى رأس السلطة. وهذا أمرٌ يحيّر عندما يشتم بعض اللبنانيين الصغير والكبير في سورية، والكبير المقصود هنا هو الرئيس السوري الذي يحارب الدواعش، فهل هذا يعني أنهم يقفون مع الإرهابيين أم أنَّ الكره والعنصرية ضدّ سورية متأصِّل لا يُعوِّف أحداً، كما قلنا في مقالة سابقة والتي أسبابها استعمارية فرنسية ورثتها المارونية السياسية وهذا ما يبدو واضحاً من شوفينية المعتدين الثلاثة على النازح السوري؟! أو ربما المُراد من قبل بقايا الحريرية إحراج المقاومة التي تحارب المجرمين في سورية.

أشك في أنْ يكون أصحاب الفيديوات الفتنوية لبنانيين أو سوريين، ذلك لأنّ فريقاً إلكترونياً صهيونياً كاملاً مهمّته زرع الفتنة الطائفية بين السُنَّة والشيعة، وبين المسلمين والمسيحيين في الشرق الأوسط والعالم.

صفحات كلها مزوّرة تنطلق من مكان واحد في تل أبيب وقد نجحت بذلك نجاحاً باهراً ووراء هذا المخطط أفيخاي أدرعي اللعين الذي كرّم لتوّه مجموعة من الوحدة 8200. وهي وحدة في سلاح الاستخبارات الصهيونية تابعة لثاني أكبر جهاز للتنصت والتشويش والتجسّس والتكنولوجيا الإلكترونية في العالم بعد أميركا، والذي بدأ يعتمد، منذ سنوات، الدخول والتغلغل عبر شبكات التواصل الاجتماعي بأسماء عربية مختلفة، وفتح صفحات عامة وخاصة، حيث قامت المجموعة بتجنيد آلاف الشباب، من طلاب الثانوية، ليشكلوا أكبر جيش ألكتروني لنشر الفكر الصهيوني، والتوغّل في أعماق العالم الإسلامي، وتسميم ثقافة وفكر المسلمين، وضرب قيمهم الأخلاقية والإنسانية والعقائدية حتى داخل الطائفة الواحدة، خصوصاً إشعال الفتنة بين لبنان وسورية.

ويعمل هؤلاء مع عملاء من الطوائف كلّها، وبهدوء، على بث الفتن، وترويج الإشاعات، واستهداف الناشطين والمثقفين، وتأجيج فتن مذهبية دينية.

إلا أنَّ القضاء على هذه الوحدة المعادية هو بتعزيز الوحدة اللبنانية السورية وتثبيت معمودية الدم اللبناني السوري الذي أريق على مذبح الحرية والكرامة. وليس هناك من وحدة بين شعوب العالم أكثر منها بين لبنان وسورية، اللذين هما شعب واحد في كيانَيْن.

إنَّ التظاهر والتأييد يجب أنْ يكون فقط دعماً للجيش اللبناني والسوري وللمقاومة العظيمة التي انتصرت منذ 11 عاماً وما زالت تردع العدو عن شنّ حروب جديدة، وإفشال مخطَّط الشرخ بين سورية ولبنان، ودمشق عندما تتعافى ستكون خير سند للبنان وللعرب جميعاً، كما كان الحال دوماً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى