التكامل العسكري في دول المواجهة…

نمر أبي ديب

على وقع الحسم العسكري في معركة جرود عرسال وترحيل ما تبقى من مقاتلي جبهة النصرة وأتباعهم، طوى لبنان الدولة صفحة مؤلمة من الحضور الإرهابي لجبهة النصرة على حدوده الشرقية، في مشهد وطني بامتياز رسمت من خلاله مراحل المعركة الإطار العملي للتكامل الحقيقي ما بين الجيش اللبناني والمقاومة على قاعدة التعاطي العسكري مع هدف مشترك وفق مسارين أمني وعسكري بلغت من خلالهما نتائج الميدان حدود الإعجاز الحقيقي في مسار الحسم المباشر والسريع، إذ قام الجيش اللبناني على مدى أشهر بخطوات فاعلة تمكّن خلالها من تقطيع أوصال الإرهاب المنتشر، وتوجيه العديد من الضربات القاسمة والقاضية للخلايا الإرهابية المنتشرة على مجمل الأراضي اللبنانية في لحظات حساسة ومفصلية نضجت خلالها ظروف المعركة الداخلية التي انطلقت بمسارها العسكري الحاسم من تكامل ميداني جمع ما بين الخطوات الأمنية التي قام بها الجيش اللبناني والمشاركة الجوية والبرية للجيش السوري مع مقاتلي المقاومة بقرار وتوقيت حزب الله.

بلغت إيجابيات التكامل العسكري في معركة جرود عرسال المستوى الأمثل من حيث الشكل والمضمون، بحيث بات التحدث اليوم عن مرحلة جديدة من التوازن العسكري في لبنان والمنطقة أمر طبيعي نسبة لمسار الأحداث وفاعلية التكامل الموجود على مختلف الجبهات المشتعلة من العراق مروراً بسورية حتى لبنان في مشهد مؤسّس لمرحلة جديدة من التوازن العسكري الإقليمي لدول المواجهة، قائم على متغيّرات استراتيجية في الأولويات وشكل الجبهات نتيجة البعد الحقيقي للمؤامرة العالمية، القائم بالدرجة الأولى على استثمار التوجه الغير منطقي للحركات التكفيرية في سبيل التشويه المتعمّد لحضارات الشعوب والعبث الممنهج بأمن المنطقة تمهيداً لفرض التغيير العقائدي في بعده الديمغرافي.

إنها المرة الأولى التي يشهد فيها عالمنا الحديث هذا الكمّ الهائل من الفرز التلقائي القائم على حتمية الاختيار ما بين محورين في ظلّ الغياب التامّ للخيار الثالث، أيّ الحياد في معركة وجود حاكت تفاصيلها عناصر المؤامرة العالمية على اختلاف مراحلها ورسمت نتائجها إرادة المواجهة الكامنة في ثقافات الشعوب المنتشرة على مجمل جبهات المواجهة فكان النموذج العراقي المتمثل بالثنائية الجيش والحشد الشعبي إضافة للنموذج اللبناني في معركة جرود عرسال المتمثل بالتكامل العسكري ما بين الجيش والمقاومة إضافة لتدخل الجيش السوري خير دليل على قوة هذا الخيار الاستراتيجي الجديد وصوابية الرؤية في هذه المرحلة.

تعيش الجبهة السورية اليوم بنتائجها الميدانية مفاعيل التكامل العسكري ما بين المقاومة والحرس الثوري الإيراني مع الجيش السوري من دون أن نغفل طبعاً الدور المركزي الفاعل والمؤثر لعاصفة السوخوي الروسية في الجبهة السورية، وهنا يجب التوقف ملياً عند أبعاد المشهد ونتائجه الإقليمية على مجمل الصراع القائم في المنطقة، إضافة إلى ضرورة قراءة الجوانب العملية لحقيقة الحدث العابرة بأبعادها العسكرية الحدود الجغرافية لدول المواجهة مع العدو التكفيري، تلك الحقيقة القائمة بجوهرها على حتمية التكامل العسكري في جبهات المواجهة انطلاقاً من وحدة مسار ومصير فرضتها عوامل عديدة أبرزها الدوافع الفكرية المانحة على مستوى الفرد والجماعة شرعية التصرف مهما بلغت نسبة الإجرام، إضافة إلى وحدة الأهداف المعلنة للعدو المشترك على كافة الجبهات.

بالرغم من أنّ التكامل العسكري الذي تشهده اليوم دول وجبهات المواجهة هو نتاج الصحوة التكفيرية الهائلة التي أرعبت العالم بعديدها وحجم التدفق البشري نحوها، إ أنه أيضاً وليد الفكر الممانع المؤمن بمركزية قضية فلسطين بالعدو المطلق «إسرائيل» ما جعل ويجعل من هذا التكامل العسكري المستجدّ حالة عابرة للعدو التكفيري في أيّ امتحان جدي يمكن أن تتعرّض له المنطقة أو أيّ عدوان يتعرّض له محور المقاومة بحيث لا يمكن بعد اليوم الفصل أو الاستفراد بأيّ جبهة من جبهات المحور الممانع مهما كانت النتائج وبلغ حجم التضحيات، الأمر الذي تدركه «إسرائيل» جيداً وأكثر ما يرعبها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى